المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة اسلام عدي بن حاتم الطائي


بوثنيان
06-10-2007, 10:00
بســــــــــــم الله الرحمن الرحيــــــــــــــــم




قصة إسلام عدي بن حاتم الطائي





حاتم الطائي وما أدراكم ما حاتم الطائي سيد طي – قبيلة من أعظم القبائل العربية في شمال الجزيرة

طيء هذه كانت من القبائل العربية المقاتلة ذات الأبطال والسيادة وكانت أيضا قبيلة غنية نسبيا
وسيدهم حاتم قد أشتهر بالكرم حتى صار بالكرم مثلا ليس فقط في الجاهلية بل حتى في الإسلام بل حتى إلى اليوم فإذا أراد الإنسان أن يصف إنسانا بالكرم قال : أكرم من حاتم

حاتم ملأ سمع الدنيا بالكرم

في رواية عن قصة حاتم, أن ملك النصارى سمع أن عند حاتم فرس جميلا مشهورة بين العرب فأحب هذا الحاكم النصراني أن يشتريها, فأرسل رسولا ليشتري من حاتم هذه الفرس
وصل النصراني الرسول إلى حاتم , وكان حاتم غير متوقع أن يأتيه رسول بهذا المستوى فما كان عنده شيء من طعام يطعمه له , وكانت في فترة الضيق عنده , فلم يجد عنده شيء يذبحه , وكان من عادته أنه لازم يذبح , هذا كرمه , أي واحد يأتيه لازم يذبح له , خروف وإلا , شاة , وإلا غنمة , وإلا غيرها
فلم يجد ما يذبح لهذا الرجل إلا الفرس الذي عنده , فقام وذبحها , وأطعمها لهذا الرسول
وما كان يناقش أي أمر ألا بعد ما يطعم ويكرم فلما انتهى من طعامه من طعامه – أي الضيف – قال له : ما شأنك
فقال له : جئتك من فلان حاكم المنطقة الفلانيه من الروم يطلب منك أن يشتري منك فرسك الشهير
فضحك حاتم,
فقال – أي الرسول - : مالك ؟
قال – أي حاتم - : لو أخبرتني أول ماوصلت , فقد ذبحتها و أطعمتك إياها

هكذا وصل كرم حاتم , ودانت له طيء وخضعت له طيء بسبب كرمه وجوده وفضله و أخلاقه
فصار سيدا مطاعاً فيهم
فلما مات , سيدوا عليهم وملكوا عليهم – كان يعتبر بينهم ملك – أبن حاتم الطائي عدي
كان سيدا مطاعا في طيء له المال وله الإبل وله العبيد

في يوم من الأيام جلس عدي بن حاتم مع سادة طيء يتداولون الأخبار الذي انتشرت في الجزيرة
جيوش المسلمين أنطلقت من يثرب حيث محمد الذي يزعم أنه نبي – هكذا يقولون – إلى القبائل التي في جزيرة العرب وبدأ يصل حتى إلى القبائل البعيدة عنه يدعوهم إلى الإسلام وإلى رحمة الله وإلى الآخرة ونبذ الأصنام وترك أديانهم
وجاءت الأخبار أنه قد تم أمر الله والنعمه على محمد فأنتصر في حروبه شرقا وغربا
وجاءت الأخبار بأن هذا النبي الجديد قد أشتهر بالعدل والصدق والأمانة والإنصاف فلا يميز بين فقير وغني
وانه يأخذ الحق للضعفاء من الأقوياء
فعدي قال : هل يوجد في الناس من لايميز بين فقير وغني

يعني , لو جئته أنا وأنا سيد مطاع , أمري نافذ , أبعث عبيدي فيهجمون على القبائل المحيطة ويأخذون ما أشاء من غنائم , والكل قد خضع لي , ويدفعون لي المرباح , - المرباح هو مثل الضريبة مثل الأموال يأخذها كل واحد من طيء يجب أن يدفع لعدي بن حاتم هذه الضريبة – وأنا الذي أقضي بين المتنازعين في طيء فلا يخالفني أحد أقضي كما شاء , و أنا أحكم بالحق والعدل على النصرانية , دين المسيح , ولي حلفاء من بني غسان , ملوك الشام أرحل إليهم , يعرفون قدري ويذكرون مآثري ومآثر والدي حاتم سيد كرماء العرب في البادية والحضر
يأتي واحد الآن ويقول لافرق بيني وبين عبد , والله هذا أمر عجيب , والله لقد سمعت كلام كثير يكره ولكني لم أسمع كلاما أبغض إلي من بغضي لهذا الدين , يجعل العبد مثل السيد ؟ , أهذا إنصاف ؟

هنا أحد الجلساء قال : ياحاتم , هناك من طيء من أسلم وأستسلم لمحمد بل هناك من سادة طيء من آمن بدعوه محمد وتركوا قومك

فقال : من؟
فقالوا : زيد الخير
فقال : زيد الخير ! صار مع محمد ؟

زيد الخير وما أدراكم مازيد الخير , من بني طيء
لكي تعرفون عظمة زيد الخير رضي الله عنه
النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول : ما وصف لي إنسان إلا وجدته أقل مما وصف لي عندما رأيته
ماوصف لي إنسان إلا وجدته أقل مما وصف إلا زيد الخير , فكان أعلى مما وصف لي , كريم , عاقل , فارس , خلوق , عابد لله – عز وجل –

تعجب عدي بن حاتم من زيد فهو من أبطال طيء , كيف ينظم إلى المسلمين ؟
فقال : عجبا أيذهب زيد الخير وهو فارس العرب جميعا ليستسلم ليكون بيد رجل من مكة من قريش وليس من طيء

كانت قضية القبلية عندهم يعني لو يستسلم لواحد يكون خاضع لواحد من طيء نبلعها , لكن يكون خاضعا لواحد من قبيلة أخرى من قريش ! ثم كيف ترك دينه, كيف ترك دين المسيح

كان من بعض العرب خاصة الذين قرب الشام كانوا قد دخلوا في المسيحية

عدي يقول : ليتني أعرف ماذا كان أمر زيد مع من يزعم أنه نبي بعد عيسى بن مريم
فقال أحد الجالسين : أنا أعرف ماذا فعل
قال : ماذا فعل لما ألتقي بمحمد ؟
قال : ذهب هو وأصحابه إلى المدينة , وربطوا إبلهم بفناء المسجد , وجلسوا قريبا من الرسول – صلى الله عليه وسلم –
يسمعون صوته , فلما ألتفت إليهم , قال لهم : أنا خير لكم من العزى ومما تعبدون من دون الله
فقام زيد الخير , وهو من أعظمهم خلقا وأحسنهم وجها
فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو لايعرفه : الحمد لله الذي أتى بك من حزنك وسهلك ويسر قلبك للإيمان

ثم قبض على يده

مدحه الرسول – صلى الله عليه وسلم – قبل من يعرف من هو لما رأى جماله ورأى شكله ورأى بطولته ورأى انه متهلل يريد أن يسلم , عرف أن قلبه يسر للإيمان

فقبض على يده وقال : من أنت ؟
فقال : أنا زيد الخير أبن المهلل , أشهد أن لا إله إلا الله وانك عبده ورسوله
فقال النبي – صلى الله عليه وسلم - : بل أنت زيد الخير ,
ماذكر رجل من العرب بفضل ثم جاءني إلا رأيته دون مايقال فيه ألا زيد الخير

فبايع زيد الخير الرسول – صلى الله عليه وسلم – وبايع الصفوة من طيء معه

عدي يسمع هذا الكلام مغتاظا , واحد من أبطال طيء ومعه مجموعه من أبطال طيء تركوا دينهم وتركوا قبيلتهم وخضعوا لقريش , وأسلموا لمحمد
فقال: أما أنا فلا أسلم أبدا
ثم نادى أحد غلمانه فقال له: لا أبا لك

كلمه يقولونها لما الواحد يكون مغتاظا

أعد لي , أبل ٍ ذللا سمانا , تحبسها قريبا مني , ثم أخبر كاهنا في الطريق : إذا رأيت رايات محمد فأنبأنا قبل أن تصل إلينا

الآن هذا الكاهن في الطريق بين طيء وبين المسلمين , فيريد عدي بن حاتم , خبرا مبكر

فذهب الغلام , وأخبر الكاهن , وقال له : أي غلامه تأتي عن المسلمين أرسل لنا بسرعة حتى نستعد

وفعلا , أعد هذه الدواب ورتب أموره , وأرسل إلى جبله أبن الأيهم , ملك من ملوك الغساسنه

الغساسنة في شمال الجزيرة جنوب الشام , عرب نصارى وحلفاء للروم الذين يحكمون بلاد الشام

أرسل إلى جبله أبن الأيهم وقال : لأن ساء بي الحال , فجهز لي عندك بيت ومقام كريم , فأنا سأقبل أي شيء في حياتي ألا أن أخضع لقريش

ورتب أموره على هذا الحال

وجاءت بعد أيام الصرخات, أرسل الكاهن , فجاء الغلام إلى عدي : جاءت خيل المسلمين فإذا أردت أن تفعل شيئا فأفعله الآن , إذا أردت إن تقاتل فقاتل , وإذا كنت تريد أن تهرب فأهرب

طبعا, توقع عدي أن خيول بقي لها عدة أيام

وإذا بالغلام يصرخ : والله ماتركب إبلك , ألا وقد وصلتك خيول يقودها علي أبن أبي طالب

أبن عم النبي – صلى الله عليه وسلم - , من أهل البيت الكرام – رضي الله عنهم أجمعين – قائد وبطل المسلمين

عدي لما سمع أسم علي بن أبي طالب , أرتجف , من الأخبار التي كانت تصل في كل الجزيرة لبطولات علي

علي – رضي الله عنه – ماكان يغدر , كان يدعوهم إلى الإسلام وإلا إلى الجزية وإلى للحرب

عدي , لايريد الإسلام ولايريد الجزية , فالجزية معناها الخضوع للمسلمين ويحكمه أناس من غير طيء
فقرر ليس الحرب , وإنما الهرب , لأنه يعلم أنه لن يستطيع أن يقف أمام جيوش المسلمين

فأمر زوجته وأولاده , فركبوا الإبل , وفرو ,

مع اندهاشه وسرعه تحركه , نسى أخته سفانه بنت حاتم الطائي , وتوجه فورا نحو غسان إلى جبله أبن الأيهم


جبله , أرسل له قائلا : ليس فقط أنا أرسل لك مكان , أنا سأرسل لك جيشا ينصرك

فتحرك نحو جبله , ليقيم عنده , ويتحرك مع جيش جبله لضرب المسلمين

لما وصل عدي إلى الغساسنة , فجيء بما لم يتوقع , فوجئ أن جبلة أبن الأيهم نفسه أخذ يرتجف من اقتراب المسلمين , من دياره , وخاصة أن الأحداث , بعد غزوة تبوك , التي رفض فيها هرقل , أن يلتقي مع النبي – صلى الله عليه وسلم – ويواجهه في المعركة , النبي – صلى الله عليه وسلم – وصل إلى تبوك , أنتظر هرقل
ولكن هرقل رفض أن يواجهه وفر , لم يقاتل , لم تحدث معركة في تبوك , فإذا كان هرقل يخاف , والآن جبلة سيد الغساسنة يخاف , ووصلته الأخبار أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما سيطر على تلك المنطقة , فرض الجزية على النصارى العرب في تلك المنطقة , وان خالد بن الوليد , ذهب إلى دومة الجندل وأخضع أكيدر ملك دومة الجندل , أخضعه لحكم المسلمين , فأسروه , وسلم دونة الجندل بالصلح

نظر عدي وإذا بالأرض قد ماجت من تحته وصارت كلها في يد المسلمين , تعجب ! كيف أن عرب الشام , يطلبون الآمان في ظل محمد وان الرومان خافوا من مواجهة محمد , فماذا عسى عدي , بقبيلته التي تعتبر صغيرة بالنسبة إلى الغساسنة والتي تعتبر لاشيء بالنسبة لقوة الروم فماذا عسى أن يفعل ؟

فاختلطت تقديراته , فكان يريد الفرار ويريد الهجوم المضاد على المسلمين بالتعاون مع بني غسان الآن هؤلاء الذين سيعاونوه رفضوا المعاونه , فقالوا : نحن نكرمك , وتعيش بيننا ولا مشكلة مع ذلك , ولكن الهجوم على المسلمين , لن نفعل ذلك

الآن , لاهو بقى في طيء , ولاهجم على المسلمين , وراحت أيام العزة التي كانت له , ولم يدري ماذا يفعل فأحتار

في هذه الأثناء , كانت طيء فوجئت بقدوم علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – فاستسلمت , وأخذت قبيلة طيء أسرى , وأخذت سفانه بنت حاتم الطائي أسيرة , وأخذ الأسرى والخيل والإبل إلى المدينة
وكان هناك معسكر للأسرى, يوضع قرب المسجد النبوي , إلى أن يتصرف النبي – صلى الله عليه وسلم – في الغنائم وفي الأسرى
وهناك , يطعمون ويكرمون , ويهتم المسلمين بهم , (( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتميا وأسيرا ))
فهم يطعمون جميع الأسرى , صدقة , فكانوا المسلمون يكرمون هؤلاء الأسرى , أضيفوا إلى هذا معنى أخر عجيب , لماذا عند باب المسجد ؟
يرون المسلمين يدخلون المسجد ويخرجون منه , ويسمعون القرآن في داخل المسجد , فلعلهم يتأثرون

أخذوا أسرى طيء من بينهم هذه الشريفة بنت الشرفاء بنت ملك طيء وأخت ملك طيء , سفانه بنت حاتم أخت عدي , أسيرة عند مسجد النبي – صلى الله عليه وسلم - , فلما رأت النبي يريد أن يدخل المسجد , وقفت بعزة وكبرياء , ولكن في نفس الوقت بترحم واستعطاف , فقالت : يامحمد
فألتفت النبي – صلى الله عليه وسلم –
فقالت : هلك الوالد وغاب الوافد , فإن أردت أن تخلي عني , فلا تشمت بي أحياء العرب فإن أبي كان سيد قومه يفك العاني , ويقتل الجاني , ويحفظ الجار , ويحمي الدمار , ويفرج عن المكروب , ويطعم الطعام , ويحمل الكل
ويعين على نوائب الدهر , وما أتاه أحد في حاجة فرده خائبا

فهي ماذا تقول ؟ , هي تقول : هذا أبي ... من أنت ؟ ... هل تريد أن تكون مثله ؟

فنظر الرسول إليها نظرة كأنها نظرة مستبسل , وقال : من أنتي ؟
فقالت : أنا سفانه بنت حاتم طيء

فيكفي هذا الاسم فهو معروف على كل جزيرة العرب , هكذا شهرة أبيها

فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ياجارية , هذي صفات المسلمين حقا , لو كان أبوك مسلما , لترحمنا عليه
وقال لها : منهو الوافد , تقولين غاب الوافد ؟ ؟ , من هذا الذي غاب ؟
قالت : أخي حاتم
قال : أين غاب ؟
قالت : فر إلى غسان
قال : فر من الله ورسوله ؟

فخجلت من تصرف أخيها , فلاحمي قومه ولا أخذها , و لا دافع ولا جاء إلى المسلمين , فكان من الممكن ان يكرموه

فسكتت, فسكت النبي – صلى الله عليه وسلم – ودخل المسجد وتركها

وفي اليوم التالي ,لما جاء النبي – صلى الله عليه وسلم مرة أخرى , قامت
وقالت : يامحمد , هلك الوالد وغاب الوافد
فقال : من الوافد , الفار من الله ورسوله

فماذا تستطيع أن تقول فهذا أخوها , وهذا موقف مخزي

فسكتت وجلست

فلما جاء اليوم الثالث , جاء النبي – صلى الله عليه وسلم – فاستحت أن تقوم مرة أخرى
وكان يسير خلف الرسول – صلى الله عليه وسلم – علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – وهو يعرف أخلاق النبي – صلى الله عليه وسلم – فأشار إليها , فقامت
وقالت : يامحمد , هلك الوالد وغاب الوافد , أنا سفانه بنت حاتم الطائي
فقال : الوافد ؟ الفار من الله ورسوله ؟

فسكتت , ثم قال النبي – صلى الله عليه وسلم – كلمه جميله
فقال : خلو عنها , فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق

رغم انه غير مسلم , لكن إكراما للأخلاق , إنما اعتزاز الإسلام بالأخلاق , فالرسول – صلى الله عليه وسلم – أطلقها لأن أباها كان يحب مكارم الأخلاق ,
ثم قال كلمة عجيبة : أرحموا عزيزا ذل , وغنيا أفتقر , وعالما ضاع بين جهال

كما قال – صلى الله عليه وسلم –
فأطلقها , إكراما لها ولأبيها

فهنا لما رأت هذا الخلق وهذا التصرف منه ومن المسلمين من أدب وأخلاق وتعامل وأيضا سمعت القرآن ومافيه من أعجاز ,, أسلمت – رضي الله عنها –
ثم استأذنته
فقالت : يارسول الله , أخبرني إذا هناك قافلة ستذب جهة الشام
فقال : لم ؟
قالت : أريد أن أذهب , إلى أخي , لعله يأتيك فيسلم
فقال: لأن جاء لأكرمنه

رغم انه فر ورغم انه تصرف تصرف غير لائق مع ذلك نغفر له زلته وخطأه

لذلك المسلم لايقف عند كل خطأ , هكذا علمنا الرسول – صلى الله عليه وسلم – ولما رأو المسلمين أكرام النبي لسفانة , أطلقوا جميع أسرى طيء

فالآن إكرام فوق الإكرام

قالت سفانة : يارسول الله أريد أن أذهب إلى عدي , إذا هناك أحد سيذهب إلى الشام أرسلني معه

وفعلا كانت هناك قافلة ذاهبة إلى الشام

فقال الرسول : إذا كنت ِ تريدين الذهاب فأذهبي معهم

فخرجت مع القافلة حتى وصلت إلى منطقه غسان
لما وصلت إلى غسان , بحثت عن مكان أخيها , فوصلت إليه , فطرقت الباب
ففتح الباب عدي , ففوجئ

هذه أخته سفانه التي تركها أسيرة , الآن أمام عينيه !

فنزلت به بكلام شديد

فقالت : ياخائن , ياغادر , يالئيم , تتركني أنا أختك , من لي غيرك , تتركني وتذهب ؟
فكرت في زوجتك وأولادك فقط ؟

وهو ساكت , فأعتذر , وضلت تشتم فيه , وتسب فيه , وهو يعتذر , ويعتذر ويعتذر

سبحان الله , الإنسان إذا أعترف بخطأه , الذي أمامه يلين

فلما رأت لينه , لانت , فسامحته , وغفرت له , ثم بدأت تزين له الإسلام , وتبين له هذا الدين
وذكرت له كيف النبي – صلى الله عليه وسلم – أطلقها
فقال : كم دفعتي ؟
فقالت : مادفعت شيء , أمتن علي وأطلقني
فقال : صحيح ؟!

فهذا الرجل بيده بنت الملوك , مستعدين أن يدفعوا لأجلها الآلاف , من الذهب والفضة ,
أيطلقها هكذا إكراما ؟!

فقالت : ليس هذا فقط , بل أطلق معي كل أسرى طيء
فقال : بلا شيء ؟! , بلا شيء أطلقهم هكذا ؟! منة ً
قالت : نعم

من يفعل هذا ؟! , العرب تهجم بعضها من أجل , المال

قالت : ياعدي , تعال إلى محمد , فوالله , لن يخذلك , فهو نبي , وليس بملك , ورأيته قد غلب العرب , ورأيت فيه خصالا أعجبتني
فقال : مارأيتي ؟
قالت : رأيته يحب الفقير , ويفك الأسير , ويرحم الصغير , ويعرف قدر الكريم , وما رأيت أجود منه ولا أكرم

فإن كان نبي ً فالذي يسبق إليه له الفضل , فيصبح صاحب نبي , فمن له بمثل هذا الفضل , وإن يكن ليس بنبي , إن يكن ملكا ً , فأنت ستكون معه في عز , ملك خلوق

فقال عدي : أهذا رأيك يا سفانه ؟

وكان في السابق يعتز برأيها , فهي صاحبة حكمة , وعلم

فقالت : نعم

فعزم أن يذهب إلى يثرب فورا ً

سار عدي إلى يثرب , وهو متردد , فساورته بعض الأفكار منها أنه دخل على النبي وهو غضبان عليه بسبب إصرار طيء على الكفر , وأنه من أخر من أسلم , وإصراره على الهروب , عندما جاءته جيوش المسلمين

فكل العرب استسلمت إلا هو , خضع ورفض , فتوقع بسبب هذا التصرف أن الرسول سيكون غاضبا عليه وسيعامله بذل ٍ وإهانه , وسيطير النبأ إلى الناس , أن عدي ذل أمام محمد , وسيبدأ الناس يقارنون بينه وبين معاملة الرسول لزيد الخير , وكيف شرفه الرسول – صلى الله عليه وسلم وأكرمه , فيصبح زيد الخير أكبر منه مكانة ً في طيء , ويكون ذكر زيد الخير خالدا , وذكره منعدما , ثم يتذكر بالمقابل , محادثته أخته سفانه من أخلاق النبي – صلى الله عليه وسلم – ومن صفاته , وكيف أطلق قومها من أجلها ومن أجل أبيها وأنا عدي أبن حاتم الذي أطلقت طيء من أجله , فلابد أنه سيشملني بعفوه , وصفحه ِ وإكرامه أكثر من كل طيء لأنه أكرمهم من أجل سفانه ومن أجل أبيها وأنا أبن حاتم وسيد طيء

وكان قد وصلته الأخبار كم وكم من الناس الذين عصوا النبي – صلى الله عليه وسلم – وحاربوه وآذوه أذى شديدا
والرسول – صلى الله عليه وسلم – لما سيطر عليهم في بدر وفي الخندق وإلا في فتح مكة , النبي – صلى الله عليه وسلم – تركهم , أما أنا فما حاربت محمدا لا دبرت ضده ولا اشتركت ضده في معركة , فأظن أنني سأكون أولى بالعفو عنده

ومازال في طريقه وفي أفكاره حتى وصل عدي بن حاتم إلى المدينة ووجد نفسه في مسجد النبي – صلى الله عليه وسلم – فدخل

طبعا , النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يجتمع مع الوفود في داخل المسجد , المسجد مكان السياسة ومكان العبادة

دخل عدي , فأنتبه الناس , هذا الذي دخل ليس بإنسان عادي , واضح أنه سيد من سادات العرب

فسأله النبي – صلى الله عليه وسلم – : من الرجل ؟

فرد بكل أدب قائلا : عدي بن حاتم الطائي

النبي – صلى الله عليه وسلم – أرتاح , وتهلل وجهه , سيد طيء جاء مسلما , أي فخر هذا وأي عظمة هذه

ومع أرتياح النبي – صلى الله عليه وسلم – أرتاح عدي , فقد كان خائفا من المعاملة الأولى , والآن الأمر الأول قد تم

وبدأ اللقاء العجيب الخالد بين النبي وعدي أبن حاتم الطائي , أرتاح عدي لأنه التقى مع شمائل محمد – صلى الله عليه وسلم - , صاحب الخلق , ونموذج من الخلق

فالنبي – صلى الله عليه وسلم – قام من مكانه , وقال له : تعال إلى منزلي

تحرك النبي – صلى الله عليه وسلم - , وكان للنبي – صلى الله عليه وسلم – عدة غرف , كل زوجة من زوجاته في غرفه
عائشة في الغرفة الملاصقة للمسجد , لكن الباقي ما كن في الصورة

فكان النبي صلى الله عليه وسلم – يخرج من المسجد ويمشي مسافة بسيطة , ويدخل غرفه زوجته

فأخذ معه عدي

وهناك في الطريق بدأ عدي يراقب

هل هذا هو ملك ؟! , وإلا رسول ؟!

فهو كان قد سمع من أخته أنه رسول ونبي , ولكنه ماأقتنع , وهو الآن يريد أن يكتشف بنفسه , وعدي قائد , حاكم , ملك , ذكي , رباه حاتم , فالآن بذكائه قام يراقب كل حركة وكل تصرف ليميز , فهو كان يعرف الملوك , وزار الملوك , زار كسرى وزار قيصر وزار ملك الغساسنه وملك الحيرة , إذا فهو زار الملوك ويعرف الملوك

أولا كان جالسا بين أصحابه , وليس له أي تميز , ملابسه ليس فيها أي تمييز

أهاكذا يفعل الملوك !؟

, بينما هم سائرين في الطريق , في هذه المسافة البسيطة , وإذ بامرأة عجوز مسكينة تنادي
قائلة : يارسول الله

وهو في طريقه – صلى الله عليه وسلم – إلى منزله

فألتفت – صلى الله عليه وسلم – إليها

فجاءت , فأخذت النبي – صلى الله عليه وسلم – من يده , وجرت النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى جهة الحائط بعيدا عن الناس

فقال عدي : لو كان ملكا , لما سمح بهذا

فقيرة عجوز تجره هكذا , وليس هكذا فقط , فوقفت معه طويلا , تسأله عن حاجتها ومشكلتها
وترك ملكا من ملوك العرب ينتظر

فقال : أي ملك , يقف للمساكين , في رعاية وعطف , وهم يجروه بهذه الطريقة ! , هل هناك ملكا يفعل هذا

أي ملك يسير مع ملك , فيتركه من أجل إنسان فقير !
أي ملك يسير في الشارع بدون جنود ولا حراس ولا حاشية

فبدأت العلامات الأولى ,

انتهى النبي – صلى الله عليه وسلم – مع المسكينة العجوز , فرجع مع عدي , وسار معه إلى المنزل
فلما دخل معه المنزل , دخل عدي فأستغرب ! , أهذا منزل النبي – صلى الله عليه وسلم - , أهذا منزل محمد الذي يحكم العرب الآن !؟

لافراش , لارياش , حجرة خاليه ليس فيها حتى وسادة , إلا وسادة من جلد خشن مملؤة بالليف , هذا كل مافيها

فالنبي – صلى الله عليه وسلم – جلس على الأرض وأعطى عدي الوسادة

وقال : اجلس عليها ياعدي
فقال عدي : اجلس أنت يارسول الله

طبعا كان يلقبه برسول الله , وهو لم يؤمن بعد

فقال الرسول : أجلس أنت ياعدي

فمازالا يتقاذفان الوسادة , حتى أصر النبي – صلى الله عليه وسلم –

يقول عدي : فجلست أنا على الوسادة , وجلس هو على الأرض
معقول ملك يفعل هذا ؟!

فبدأ الحديث
, فبدأ النبي – صلى الله عليه وسلم – يتكلم بكلام عجيب جدا

ويقول عدي : فكلمني , قال : ياعدي ألست على الركوسية
ويقول : أنا لما سمعت الكلمة شددت , وفتحت فمي
وقال عدي : ماذا تقول ؟!
قال النبي : الست على الركوسية

لماذا أستغرب عدي من هذه الكلمة وما هذه الكلمة الركوسية

الركوسية هي : دين خليط بين المسيحية واليهودية , أي فيه شيء من اليهودية وفيه شيء من المسيحية
وهو دين نادر الوجود أصلا

يقول عدي : أنا بحكم تعلمي للأديان اقتنعت أن هذا هو دين الحق , لكني لم أعلن أنني على الركوسية ولا أحد في الدنيا يعرف عني أنني على الركوسية حتى زوجتي وأولادي , لايعلمون أني على الركوسية , أي على هذا الدين الذي بين النصرانية واليهودية , فهو بيني وبين ربي , فأنا أتعبد وأؤمن بالركوسية , وأمام الناس أنا نصراني

فتعجبت! , كيف عرف مافي نفسي ولم أتحدث فيه لأحد ,

فقال للرسول : بلى أنا على الركوسية

فقال الرسول : ياعدي , ألست تأخذ المرباع من الأموال من قومك ؟

ويقصد بذلك – صلى الله عليه وسلم – الضريبة , الربع من أموالهم في حالة معينه , ويسمونه المرباع

فقال : نعم , أنا سيد طيء , وأخذ منهم المرباع

فقال الرسول : ياعدي , الا ترى أنه لايحل لك في الركوسية ان تأخذ المرباع

فالآن الرسول لايعطيه فقط معنى الركوسية بل يعطيه الفقه التفصيلي للركوسية
وأن هذه الضريبة , المسماة بالمرباع , في الركوسية حرام

فقال الرسول له : فكيف تأخذ مالا يحل لك في دينك وأنت على الركوسية

فسكت عدي

فالنبي – صلى الله عليه وسلم – هنا يتكلم بالأسرار النفسية الداخلية التي لم يتحدث بها عدي لأحد

وأستمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بحديثه

وقال النبي : ياعدي أبن حاتم , لعله منعك من الدخول في الإسلام ماترى من حاجة المسلمين
تقول المسلمين فقراء , يهجمون ويغزون لأنه ليس لديهم مال
والله ياعدي لأن طال بك العمر ليوشكن المال أن يفيض بين المسلمين حتى لا يجدون من يأخذه

أي تزداد الأموال في يد الناس إلى درجة أنهم يبحثون عن فقراء فلا يجدون أحدا يأخذها , لأنم لايحتاجون للأموال

يقول عدي : يحدثني فيما نفسي , وقد قلت , كيف أتبع دين وأهله معظمهم فقراء

ثم قال – صلى الله عليه وسلم - : ولعله منعك من الدخول في هذا الدين , ماترى من كثرة أعداء المسلمين وقلة عدد المسلمين

يقول عدي : كان ذلك في نفسي , فهؤلاء قبيلة ثارت ,تنتصر , ثم تهزم , لأن الأعداء عندهم أكثر من الأصحاب , فمع الأيام لابد أن يهزموا , وكنت أقول ذلك في نفسي

فقال – صلى الله عليه وسلم - : والله ليوشكن أن تسمع , بالمرأة تخرج من الحيرة (( وفي رواية من القادسية أي من أرض العراق )) , على بعيرها ,حتى تزور بيت الله الحرام في مكة , ولا تخاف إلا الله

فيقول عدي : معقول ! , معقول أن يصل الآمان في العرب الذين من عادتهم الهجوم والغزو والسلب أن امرأة تخرج من العراق , إلى مكة , بدون أي حماية , ولا تخاف إلا الله – عز وجل - , وكنت أقول هذا في نفسي
والآن هو يعدني بمثل هذا

ويقول – صلى الله عليه وسلم - : ولعله منعك من الدخول في هذا الدين , أن ترى الملك والسلطان في غير المسلمين

يقول عدي : سبحان الله كنت أقول هذا في نفسي , فمهما أنتصر في العرب محمد فماذا سيفعل حتى يصل الأمر إلى كسرى و مواجهة قيصر , فماذا سيفعل ؟ , هؤلاء هم الملوك والسلاطين الذين لايجارون , مهما بلغ العربي , لن يستطيع مواجهة هؤلاء , فهذا انتصاراته فقط على العرب , وإلى الآن لم يواجه الفرس و الروم

فالنبي – صلى الله عليه وسلم – يحدثه بما في نفسه

قال:لعلة منعك من الإسلام أن ترى الملك والسلطان في غير المسلمين والله لان طال بك العمر ليوشكن أن تسمع بالقصر الأبيض من ارض بابل فتح في أيدي المسلمين

يقول أنا ذهلت

هل تعرفون يا إخواني يا أخواتي يا أبنائي يا بناتي ما القصر الأبيض أعظم دولة في العالم الفرس , تليهم الروم ملك الفرس في المدائن على نهر دجلة في العراق وله قصر من أشهر قصور الأرض يسمى القصر الأبيض النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لعدي: أنت شايف الملك والسلطان في يد كسرى وقيصر , في حياتك قبل ان تموت سترى القصر الأبيض في يد المسلمين

يعني تنهار دولة الفرس في حياتك , المسلمون يحكمون الفرس

قال عدي: اشهد أن لا اله إلا الله وان محمد رسول الله

كيف عرف الذي في نفي كيف عرف أني على الركوسية وأن المرباع لا يجوز وعرف الذي أفكر !
فعلا كانت هذه الأشياء التي كانت تمنعني عن الإسلام ولم أحدث بها أحدا

فـلأن النبي – صلى الله عليه وسلم – بالوحي أخبر بما في نفس عدي, عرف أن هذه أمر معجز

أي لو قال قضية واحدة , يمكن هذا توقع , أما الخمس قضايا بهذه الصورة ! , لا يمكن أن تكون إلا وحيا

فآمن عدي أبن حاتم, ودخل هذا العظيم في الإسلام

النبي – صلى الله عليه وسلم – أخذ عدي أبن حاتم بعد ذلك , وأنطلق به إلا المسجد من جديد , وأمره أن يغتسل للصلاة , فأغتسل , وفروا له مكانا يغتسل به , ثم دخل مع المسلمين الصلاة

النبي – صلى الله عليه وسلم – قرأ في الصلاة آيات تتعلق بالنصرانية , من بينها قول الله – عز وجل – في القرآن الكريم : (( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح أبن مريم ))
أي : لم يعبدوا فقط المسيح أبن مريم وإنما عبدوا الأحبار و الرهبان , أي القساوسة

فعدي وهو في الصلاة يسمع, وقيل أنه سمعها وهو خارج المسجد والنبي – صلى الله عليه وسلم – يقرأها في المسجد

فأستغرب عدي, فلما انتهى النبي – صلى الله عليه وسلم من الصلاة , جاءه عدي
وقال له : يارسول الله , أنت قرأت في القرآن قولا , أنا بصراحة استنكرته
فقال له الرسول : وماهو ؟
فقال : تقول : (( إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح أبن مريم )) نعم نحن نعبد المسيح أبن مريم ولكن ماعبدنا الأحبار والرهبان , ما عبدنا القساوسة

فقال له النبي, ليوضح له المفهوم الصحيح لقضية العبادة, العبادة ليست فقط ركوع وسجود

قال : ياعدي , ألم يحرموا عليكم الحلال , فأطعتموهم ؟

قال : بلى

قال النبي: ألم يحلوا لكم الحرام, فأطعتموهم

قال : بلى

قال النبي: فتلك هي عبادتكم إياهم

فالعبادة ليست فقط, صلاة, وإنفاق وحج وعمرة, وصيام

فلاشك أن هذه عبادة, لكن, العبادة تتجاوز هذا, والآن تشمل مظاهر الحياة كلها
ومن أعظم العبادة التشريع

لما يأتي برلمان وإلا حاكم , فيغير أحكام الله – عز وجل – في الحدود , والتشريع , وفي أحكام الأحوال الشخصية , وإلا في الزواج وإلا في الطلاق وإلا في التعدد

فهذا لعب بدين الله – عز وجل –

فلما الله تعالى يقول : (( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله الذي حكم والله عزيز حكيم ))

فيأتي بعض الناس ويقولون : والله القانون عندنا " أن السارق يسجن "

فهذا تغيير لأمر الله , أفحكم الجاهلية يبغون ؟

والذي يسمح لنفسه, وإلا يسمح لأحد, أن يشرع من غير الله, عبد غير الله, أو أتخذ نفسه إله من دون الله

(( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ))

(( وماكن لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة في أمرهم ))
لا يوجد اختيار , المؤمن الحق , مُسلِم , يخضع , ولايتردد لأمر الله – عز وجل - , في أي صورة من الصور


(( فلا وربك لايؤمنون ))
هكذا في القرآن الكريم
(( فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ليجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويُسلموا تسليما ))
المؤمن إذا سمع أمر صريح واجب من واجبات الشرع على لسان النبي – صلى الله عليه وسلم – أو في القرآن الكريم – كلام الله الخالد - , ماذا يقول ؟
يقول : سمعنا وأطعنا

أما الذي يرفض ويختار تشريع غير تشريع الله عز وجل , فقد اختار الكفر على الإيمان وأختار من يشرع له , رب ً من دون الله – عز وجل –

فهم عدي هذا المضمون, ونقله لنا, علمنا معنا العبودية الحقيقية

العبودية ليست فقط سجود أو ركوع أمام صنم , أو تمثال لمريم والمسيح , وإنما التشريع أيضا هو ربوبية

وعاش عدي أبن حاتم مع النبي – صلى الله عليه وسلم – فترة وجيزة
سمع منه بعض الأحاديث , وتعلم عدي أمر الأسلم , وأكرمه النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم قرر أن يعود إلى طيء , بلده وقومه وهو سيدهم

فودع النبي – صلى الله عليه وسلم - , وسار إلى منزله الأول في مضارب طيء , ليجد أن هناك أعدادا كثيرة من طيء , سبقوه إلى الإسلام والإيمان

فاستقبلت طيء , سيدها عدي أبن حاتم فرحة ً , وصار الإسلام دين طيء , وصار هو (( أي عدي )) يقود طيء بالإسلام , ويشجعهم على القرآن , ويتأسف دوما أنه تأخر في إسلامه , ولم يصحب النبي – صلى الله عليه وسلم – في غزواته , وأخذ يتمنى , معارك يعز بها الإسلام , بعد أن فاتته أحد وبدر والخندق وفتح مكة وتبوك

كلها راحت عليه , يتمنى معركة يشارك فيها في الدفاع عن الإسلام

ومات النبي – صلى الله عليه وسلم - , وجاءت الردة , وجاءت الناس , منهم من كفر ومنهم من رفض الزكاة ومنهم من كان أسوأ , فأدعى أنه نبي , كطليحة أبن خويلد الأسدي

طليحة من بني أسد , وله علاقة وثيقة بطيء , فبدأ ينشر دعوته أنه نبي بين طيء , فكثير من أهل طيء , أنظموا وارتدوا , وصاروا مع طليحة أبن خويلد الأسدي

لكن عدي , رغم أنه كان أخرهم إسلاما , لكنه أسلم بعقل , أسلم بأدلة , رأى بعينيه , ليس فقط حماس , وإنما بعقل , فلما أنتفض الناس من حوله , لم ينقلب عدي , وثبت على الإيمان , وأخذ يحدث الناس بأمر الإسلام فتركوه

فظهر أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – فنصر الدين, ورفض التنازل عن الزكاة , وأمر بتحريك جيوش المسلمين الذين بقوا على الإسلام لمواجهة المرتدين

وتوجه خالد بن الوليد – رضي الله عنه – لمحاربة المتنبئ الكذاب طليحة الأسدي

وجد أن طليحة , ليس معه فقط بني أسد , وإنما كل من كان طامع في الدنيا ومغانمها أنظم إليه

وبعض الناس الذين يتبعوا قضية العصية قالوا : لأن نتبع نبي من أسد أو طيء , خير لنا أن نتبع نبيا من قريش

فهي قضية حمية قبلية

أستمع عدي لما يقال , فعرف أن هؤلاء المرتدين كذابون , وانه قضية دنيا وقضية عصبيه , فآن أوان الجهاد الذي كان يتشوق إليه

وكان بالإضافة إلى بطولته في الجهاد , كان ذي حنكة , وذي عقل وتفكير وأدب , ويعرف أنه العقل والحكمة يستطيع الإنسان أن يحقق بها أضعاف مايحقق بالسيف والقوة

فذهب إلى خالد بن الوليد – رضي الله عنه - ,
فقال له : ياخالد , لاتستعجل
فقال خالد : أما ترى طليحة , كل يوم يزداد قوة , كل يوم ينظم إليه أناس أخريين , فكيف لا أستعجل ؟ , لابد أن أبدأ وأهجم عليه قبل , تزداد قوته ولا يقدر عليها أحد
فقال عدي : معه أناس من طيء , وهناك أيضا قبيلتين من طيء , الغوث وجديلة , من فروع طيء الرئيسية , ناويين ينظموا إليه , إلى طليحة , فأصبر بس , لكي أمنعهم , حتى لايكونوا مع طليحة , وأكفيك آلاف
فقال له خالد : لا أستطيع أن أنتظر , سيزداد قوة كل يوم
فقال: أمهلني ثلاثة أيام فقط
فقال خالد : أتستطيع في ثلاثة أيام أن تفك هذا التحالف بين طيء وأسد
فقال: دعني أحاول
فقال خالد : أعطيك مهلة ثلاثة أيام

لو أنفك التحالف بين طيء وأسد , تقريبا ثلث قوة طليحة تذهب , يعني بالنسبة لخالد انتصار عظيم وثلاثة أيام يعني معقولة

أمر خالد جيشه أن يبقى في مكانه ولا يتحرك

ذهب هذا العظيم عدي أبن حاتم إلى الفرع الأول من غوث, وأختارهم لأنهم ألين , ولأنهم يحترمونه ويطيعونه أكثر من الآخرين

وبدأ يحاورهم : من تتبعون ؟ , تتبعون طليحة وهو أسدي , يعني تركتهم قرشي إلى أسدي

يعني ماتركتم إلى واحد من قبيلتكم , فما الميزة التي عند طليحة

فهذه الأولى

الشيء الآخر, إلى من يدعوا, هل جاء بشي من أخلاق وعقل لم يقل به الإسلام

فهذه الثانية

ثم , أفلا تنظرون إلى المهازل التي يقولها

بدأ يناقشهم بالعقل والحكمة

فقال سيدهم : كلامك صحيح , لكن المسلمون هؤلاء , خلاص أنتهى أمرهم

فقال : والله لاينتهي أمرهم , والله الآن بدأت جيوشهم , تذهب إلى طليحة انتظروا وشوفوا ماذا سيفعل بالعرب أجمعين , ليس فقط بالعرب , فوا لله قد سمعت محمدا يقول لي بنفسه : أن مُلك كسرى سيكون بأيديهم

قالوا : أتصدق
قال : لا أشك في ذلك بعد ما رأيت منه ما رأيت

فتزلزلوا إمام كلام عدي

فقالوا : ماذا ستفعل في جديلة ؟
قالوا : أنتوا وافقوني وأنا أتفاهم مع جديلة في الفرع الأخر
فقالوا : إذا وافقت جديلة فنحن معك

فتركهم وذهب إلى جديلة , وأخبرهم بما قال لغوث من جماعته الأخريين
وبين لهم كذب طلحة وعرف لهم الإسلام , وان الإسلام سينتصر

وإنكم إذا قاتلتم الآن فستقاتلون , خالد ومعه غوث , أتقاتلون قومكم , من أجل من ؟ من أجل واحد كذاب
وليس من قبيلتكم ؟

فأستعمل كل هذه الوسائل فلانت جديله

ثم اعترضت الغوث وجديلة , وقالوا : ياعدي , نحن الآن لو صرنا مع خالد هناك مجموعة من طيء , سبقتنا وأنظمت إلى طليحة , نخشى أنه لو عرف أننا رجعنا إلى الإسلام , أن يقتل جماعتنا

قال: أرسلوا إليهم بالسر , أن يأتوكم

وفعلا أرسلوا بالسر , رجالا أنهم يتظاهرون أنهم سينصرون طليحة ابن خويلد , أنظموا إلى جيش طليحة , وفي الليل ذهبوا إلى جماعتهم وأخبروهم خبر أن طيء بطلت , وتركت الانضمام إلى طليحة هذا الكذاب , فتسللوا في الليل , وتركوا جيش , طليحة فنجا هؤلاء الذين مع طليحة , ونجت الغوث ونجت القبيلة الأخرى من طيء , نجو جميعا كلهم ببركة هذا الرجل العظيم , عدي أبن حاتم – رضي الله عنه –

وسر خالد بن الوليد سرورا عظيما, وعرف لماذا أوصاه أبو بكر الصديق قائلا: شاور عدي فهو رجل صدق ومعروف

فإذا بما أنه أخرهم إسلاما , لكن كان أكثرهم ثباتا على الإسلام

ثم أن عدي – رضي الله عنه وأرضاه – لم يكتفي بهذا , وإنما شارك , مع خالد بن الوليد – رضي الله عنه – في قتال المرتدين فقاتل ضد طليحة , فهزموا طليحة وفر , وأخذوا الغنائم العظيمة من جيشه , ثم سار خالد بن الوليد – رضي الله عنه – بجيشه ففتح الفتوحات , حتى قضى على أخطر المرتدين , مسيلمة الكذاب ,
ثم تطور الأمر , وسيطر المسلمون , على كل جزيرة العرب , بعدما كانت الجزيرة ارتدت , الآن رجعت الجزيرة إلى المسلمين , وكان من بين من يقاتل مع خالد بن الوليد – رضي الله عنه – ألف مقاتل كلهم من طيء
رجعوا إلى الإسلام

تخيلوا , ألف إنسان يجاهد بفضل , هذا الرجل , ناهيكم عن عودة قبيلة كاملة للإسلام بفضل هذا الرجل ,

وتطور الأمر بعد ذلك عندما قرر , أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – قرر أن يذهب المسلمون إلى فتح الفتوح في الشام وفي العراق , وتحركت , الجموع , نحو الشام , ونحو العراق , بعد انتهاء حروب الردة , وانتصار الإسلام , وكان من بين الذين شاركوا في فتح العراق , عدي بن حاتم الطائي

حرك قومه, حركهم وقال : لن يفخر يفخر علينا احد , بعد أن كسبنا النصر بالرأي , والسيف

عندنا سيف وعندنا العقل والحكمة

تحرك عدي بن حاتم مع خالد بن الوليد , نحو العراق , وهو في باله وعد النبي – صلى الله عليه وسلم –
أن المرأة تخرج من العراق , إلى الحجاز بدون حماية , وفي باله , أن قصر كسرى ملك الفرس سيكون في يد المسلمين ,

والآن بدأ يرى الأحداث , بدأت تتجه في هذا الاتجاه , في سنة واحدة سنة 11 للهجرة
قضي على الردة , والآن في نهاية 11 للهجرة , وفي بداية 12 للهجرة
بدأوا في الفتوحات , وأنتقل خالد من حرب الردة إلى فتح العراق , وكانت أول معركة , في كاظمة في شمال الكويت , وكان مع خالد عظماء , المثنى أبن حارثه , المعنى أبن حارثه , القعقاع أبن عمر , أياض أبن غنم , وعدي أبن حاتم , وكان من قادة جيش خالد – رضي الله عنه - , فأنتصر خالد , ومعه هؤلاء الأبطال , من انتصار إلى انتصار , حتى فتحوا غرب العراق , وأنتقل خالد بن الوليد – رضي الله عنه – إلى الشام , لمساندة المسلمين في اليرموك , وظل المسلمون في , العراق في الفتوحات , وقاد الفتوحات الآن سعد أبن أبي الوقاص – رضي الله عنه – فأنتصر على الكفار , المجوس في القادسية , ثم تحركت جيوش المسلمين إلى المدائن

المدائن عاصمة الفرس , على دجلة , وكان ممن شارك في فتح المدائن , عدي أبن حاتم الطائي , لما عبر دجله متجها نحو المدائن , لمع قصر كسرى

فقال عدي : ماهذا ؟
قالوا: هذا القصر الأبيض

فضحك

فقالوا: مالك تضحك

قال: أشهد أن لا إله ألا الله أن محمد رسول الله
سمعت حبيبي يقول : لإن طال بك العمر , لترين القصر الأبيض , في يد المسلمين

ولقد رأيت

وقال: لأن طال بك العمر ياعدي , لترين المرأة تخرج من العراق إلى الحجاز , لاتخشى إلا الله , بدون حماية

وعاش عدي , حتى رأى هذا الأمر , الآن

يقول عدي في هذا الحديث الذي يرويه يقول : ولعله يطول بي العمر , فأرى الثالث الذي وعد به النبي – صلى الله عليه وسلم - , أن المال سيفيض في يد المسلمين , حتى مايجدوا فقيرا يأخذه , ولم أرى ذلك , وإني أنتظره

فيقول الأمر الأول حدث والثاني حدث, أنا الآن فقط أنتظر, الأمر الثالث

ولم يطل به العمر , وحدث هذا بعد وفاته بفترة وجيزة

ففي زمن عمر أبن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس, وكثر المال حتى لم يجدوا فقيرا ليعطوه المال والصدقة


هذه قصة عدي أبن حاتم الذي لما سمع وعود النبي – صلى الله عليه وسلم – أسلم وصدق وآمن ولم يتردد ونحن كل يوم نقرأ أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم – أن الإسلام سيعم الأرض وأن الأسلام سيفتح روما وفي بعض القلوب شك

الذي وعد بفتح كسرى وفتح المدائن , وهزيمة كسرى وقيصر , هو نفسه – صلى الله عليه وسلم – الذي وعد بفتح روما وسيطرة الإسلام على الأرض فلاتشكوا , فآمنوا وصدقوا , كما صدق عدي

رحمة الله على عدي ورضي الله عنه





دمتم بخير,,,





منقوووووول من الدكتور / طارق ال سويدان

حاتميه
06-10-2007, 10:21
اللهم صل وسلم على محمد

رضي الله عن عدي .. الحمدلله الذي من عليه بنعمة الاسلام

جزاك الله خير بوثنيان ع القصه الرائعه فيها من الفوائد الكثير

بانتظار جديدك وابداعك

سلامه العايد
06-10-2007, 11:03
بوثنيان



بارك الله فيك وبيض الله وجهك



ورحم الله والديك




تسلم يمناااك على هذا الموضوع



وعلى النقل الطيب اللي نابع من



شخص أطيب



وأشكرك على مانقلته



باصحابي الجليل " عدي بن حاتم الطائي "




دمت بود ...

بوثنيان
07-10-2007, 03:14
حاتميه


بارك الله فيك ,, وأشكرك على المرور الرائع والطيب...


( لاخلا ...ولا عدم )


*****************


سلامه العايد


بارك الله فيك ,,,وأشكرك على المرور الرائع والطيب ...


( لاخلا ..ولاعدم )


دمتم بخير,,,

عطـــــر الخزامـــــى
07-10-2007, 07:17
بارك الله فيك

وعن جد للعضه والعبره

بوثنيان
07-10-2007, 07:28
عطر الخزامي

بارك الله فيك ,, وأشكرك على المرور الرائع والطيب ...

( لاخلا ..ولا عدم )

دمت بخير,,,

شماليه
14-10-2007, 04:40
http://faisalaladwani.com/up/uploads/908abe7d50.jpg (http://faisalaladwani.com/up)

صالح الدعفس
14-10-2007, 04:47
بو ثنيان


الف شكر قصة معبرة

فيها من الفوائد الشي الكثير عن كرم جدنا ...


الله يعطيك العافية ..


وبنتظارجديدك علي خير ....

بوثنيان
14-10-2007, 05:33
عشق الشمال ,, صالح الدعفس


بارك الله فيكم وأشكركم على المرور الطيب..


دمتم بخير,,,