المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأزدواجــــــــــــــــــــــــــية


شرقاوي
17-10-2007, 12:00
تنتشر الازدواجية بشكل كبير في المجتمعات التي تقمع الرأي، ولا تتسع آفاقها لاستيعاب الآراء المختلفة، واحترامها، بل قد يكون الأفق في بعض المجتمعات أضيق من سَمِّ الخياط، يريد أن يسود فيه رأي واحد، وأن يكون جميع أفراده على هذا الرأي، وكأنهم ليسوا بشرا، كأنهم مسامير يجب أن تخرج من مصنع واحد بنفس العرض والطول والشكل..

والبشر ليسوا مسامير، والمجتمع ليس مصنعاً، ومن الخير ألا يكون مصنعاً، البشر خلقهم الله عز وجل مختلفين في عقولهم وأفهامهم وآرائهم، في أنماط شخصياتهم ومحاضن تربيتهم، في أذواقهم وميولهم ونظرتهم للأمور..

فإذا لم يستوعب المجتمع تلك الحقيقة، وأصرَّ على قمع الآراء، وتدجين البشر، والحجر على العقول، والتحكم في الاذواق والميول، والفرض على شخصيات الناس أن تكون على مقاس واحد، ونمط متشابه، ورأي لا يتغير، فإن الذي يحدث - في مثل هذا المجتمع - خروج ظاهرة (الازدواجية) بشكل واسع..

00 فيقول الكثيرون ما لا يعتقدون.. ويعملون ما لا يقولون.. ويلبسون الأقنعة، ويمثلون..


بل إن كثيراً من هؤلاء الذين أصابهم داء الازدواجية لكي يسايروا المجتمع، يصابون بهذا الداء في أعماقهم، ويصبح ملازماً لهم، وخصلة من خصالهم، حتى في حياتهم الخاصة، ومع أسرهم وأصدقائهم - إلا في النادر - لأن الإنسان ابن عوائده، ولانه يتشكل بقدر ما يكرر السلوك والعمل تكراراً كثيراً..

وهنا تخرج (الازدواجية) من مجرد مسايرة المجتمع إلى أن تفَرِّخ في نفس صاحبها ميلاً سيئاً نحو النقد غير السليم - حين يستطيع - وإلى أن يطالب الآخرين بما ليس فيه، ويطلب منهم ما لا يحققه لنفسه، ولا يحققه لهم، يصبح الكيل بمكيالين خصلة وسجية عند كثيرين..

فترى الأب يطالب أولاده بالمثالية وهو أبعد ما يكون عنها، ويبدو أمامهم بشخصية لا صلة لها البتة بشخصيته الحقيقية، فيصيبهم بالتعقيد، ويزرع فيهم بذور الازدواجية منذ الصغر، فهم لا يستطيعون أن يكونوا صريحين معه، ولا واضحين امامه، فقد تعلموا من سلوكه، ومن مبدأ العقاب والثواب لديه، أن يقوموا بالتمثيل أمامه، ويبدو له كما يريد - جهد استطاعة الممثل والمتكلف - فاذا خلوا إلى أنفسهم مارسوا ما يريدون، وقالوا ما يشاءون..

٭ ٭ ٭

وإذا كان الرجل قد نشأ في مجتمع يزرع الازدواجية في الأعماق، ويلزمها الفرد أي الزام، فإن هذا الرجل كثيراً ما يصبح مزدوجاً مع زوجته، فإن أحبها لم يظهر لها حبه خشية أن تصاب بالغرور، أو أن يفقد السيطرة عليها، وإن ناقشته في مطالبها لم يقل لها الحقيقة، ولم يناقشها بوضوح وصراحة، بل انه يلف ويدور، يريد أن يخلص من وجع الرأس بالأعذار الواهمة أو الوعود الكذوب..


إن الشخصية الازدواجية - مع الزمن والممارسة الطويلة - تبرع في التمثيل ولبس الأقنعة (البس لكل حالة لبوسها) والتحول من الضد إلى الضد، فهو مع الذين أقوى منه خاضع مساير مجامل، وهو مع الذين يقوى عليهم مستبد صارم يريد أن ينفذوا ما يريد دون نقاش، لعل هذا نوع من التعويض والاسقاط النفسي، وهو في مجمل الأحوال يدل على أخلاق الإنسان الحقيقية..


فإن لكل إنسان جوهراً وطبعاً، وقد يمثل ويتكلف ولكن جوهر أخلاقه يظهر في تعامله مع مَنْ هم دونه قدرة، أي مع الذين يقدر عليهم وله عليهم سلطة، مثل مرؤوسيه وصغاره وزوجته وخدمه، فإذا عامل الإنسان من هم دونه بخلق كريم، وانصاف وتفهم، فإن أخلاقه جيدة، أما إذا عاملهم باستبداد وفرض عليهم ما يريد ولم ينصفهم بل ربما احتقرهم، فهو انما يدل على سوء أخلاقه وفساد طبعه، وما حُسْنُ خلقه مع رئيسه ومَنْ هو فوقه إلا ازدواجية كاذبة ونفاق في نفاق.. إن أخلاقه الحسنة - المزيفة - أمام رئيسه أو أمام من يحتاج هو إليه، أو شكله العام أمام المجتمع - كما يرسمه - انما هو (رد فعل) وليس (فعلاً) وانما هو (تكلف) وليس (طبيعة) وانما هو كذب وتمثيل وليس (حقيقة).. حقيقة هذا الإنسان - وكل إنسان - تظهر حين يتعامل مع من هم دونه، ومن له سلطة عليهم، فإن كان تعامله معهم راقياً دل على أن أخلاقه راقية.. وإن كان تعامله معهم مجحفاً قاسياً سيئاً دل على سوء أخلاقه وفساد طويته وطبعه مهما تكلف أمام الناس وأمام الاقوى منه..

إن من طبيعة الإنسان رجلاً كان أو امرأة، والمرأة أكثر في هذه الناحية، الاهتمام بالشكل حين الخروج، ولكن ليس إلى درجة التفريط أمام الزوج بحيث لا تفكر في أناقتها أمامه، فهذه ازدواجية سيئة ونفاق اجتماعي على حساب السعادة الشخصية..

كذلك يقال عن الرجل المرح مع أصدقائه، والذي يعاملهم باحترام شديد، ولكنه في بيته عابس قاطب، لا يحترم مشاعر زوجته وصغاره، انه نوع من ازدواجية الغباء فمثل هذا يخلق الشقاء في بيته ولا يجد السعادة، من لا يجد السعادة في بيته فلن يجدها في مكان آخر،

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «شر الناس ذو الوجهين يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه»فكيف بمن وجهه القبيح لاهله؟».

إن صاحب الازدواجية الكريهة له في أعماق نفسه رأي لا يسر، وكفى بهذا بؤساً،

انه يبيع رأيه في نفسه لرأي الآخرين - من البعيدين والمهيمنين عليه -

رأيهم فيه.. هذا هو همه.. وهذا يوصله إلى (احتقار الذات)..

٭ ٭ ٭

إن الازدواجية تشبه إلى حد كبير (الرياء) وهو موجود في الدين والتعامل، ومذموم بل انه يحبط العمل وقد سمَّاه الرسول صلى الله عليه وسلم «الشرك الأصغر»..

فاذا كان الإنسان يتظاهر بالدين لينال رضا الناس ومكاسب أخرى تأتيه منهم فهو المرائي اللئيم الذي حبط عمله وانقلب وبالاً عليه..

فالرياء مصطلح شرعي وهو التظاهر بعبادة الله دون اخلاص بل لينال اعجاباً أو مغنماً.. والازدواجية تشمل المرائين وهم الاسوأ على الاطلاق، ولها أنواع اخرى من التعامل مع الناس بعدة صور ووجوه، كالنفاق الاجتماعي الذي يختلف عن المجاملة المطلوبة، فالنفاق يضر الذي تنافقه، أما المجاملة فتنفع ولا تضر ، والنفاق هدف صاحبه نفع نفسه وضر الذي ينافقه ، والمجاملة نوع من التشجيع لا يضر ولا يضر، ويحسن علاقة الناس بالناس، فهي أمر لابد منه بعض الأحيان..

٭ ٭ ٭

إن الازدواجية حين تنتشر في المجتمع وبين الناس، تختفي معها القيم الإنسانية

الأصيلة، وتموت المواهب والآراء الفذة، وتصبح الحياة قلقة، وقد يصاب

المجتمع كله بازدواج الشخصية..



---- منقول ---

احمد الفضيلي
17-10-2007, 01:11
نعم اخوي الشرقاوي إن الازدواجية حين تنتشر في المجتمع وبين الناس، تختفي معها القيم الإنسانيةالأصيلة، وتموت المواهب والآراء الفذة، وتصبح الحياة قلقة، وقد يصاب المجتمع كله بازدواج الشخصية..
اعاذنا الله واياكم من شر ذلك
اشكرك اخوي على الاختيار الموفق
وبنتظار جديدك

نمر بن عبيدالله
17-10-2007, 01:27
إن الازدواجية حين تنتشر في المجتمع وبين الناس، تختفي معها القيم الإنسانية

الأصيلة، وتموت المواهب والآراء الفذة، وتصبح الحياة قلقة، وقد يصاب

المجتمع كله بازدواج الشخصية..


بس الناس الي فيهم هالمرض تنعرف من اول نظره


الله يعطيك العافيه اخوي الشرقاوي ع الموضوع الطيب

طــربـــان
17-10-2007, 02:39
فترى الأب يطالب أولاده بالمثالية وهو أبعد ما يكون عنها، ويبدو أمامهم بشخصية لا صلة لها البتة بشخصيته الحقيقية، فيصيبهم بالتعقيد، ويزرع فيهم بذور الازدواجية منذ الصغر، فهم لا يستطيعون أن يكونوا صريحين معه، ولا واضحين امامه، فقد تعلموا من سلوكه، ومن مبدأ العقاب والثواب لديه، أن يقوموا بالتمثيل أمامه، ويبدو له كما يريد - جهد استطاعة الممثل والمتكلف - فاذا خلوا إلى أنفسهم مارسوا ما يريدون، وقالوا ما يشاءون..

موضوع رائع

وتشكــر علييييييييه ياشرقاوي


طــربـ نجد العذيه ـان

سلامه العايد
17-10-2007, 04:45
فالرياء مصطلح شرعي وهو التظاهر بعبادة الله دون


اخلاص بل لينال اعجاباً أو مغنماً



أشكرك على الموضوع



الطيب لاكن هذا اللي صاير في مجتمعنااا



تقبل مروري ...

شرقاوي
17-10-2007, 05:08
أشكر لكم مروركم الطيب



ودمتم


شرقــــــــــــــــــــــاوي

ناصر السيف
17-10-2007, 05:20
شرقاوي







تسلم على الموضوع ياالغالي










دمت بخير

شرقاوي
17-10-2007, 06:32
أخوي ناصر


أشكر مرورك _ لك مني كل أحترام وتقدير


شرقاوي

عطـــــر الخزامـــــى
18-10-2007, 06:51
يبدو من الوهلة الأولى أن الازدواجية اللغوية هي تدعيم للثقافة وإثراء لها؛ وهذا من الناحية الصورية صحيح، ولكن من الوجهة الواقعية نرى أن الاختلال الحاصل على نطاق عريض يجعل من هذه الازدواجية المزعومة أداة هدم لا بناء؛ ولا سيما في حالة عدم حصول توازن من حيث الإجادة والاتقان للُّغة الأم؛ ففي هذه الحالة تُحدث الازدواجية صراعاً خطيراً قد يؤدي إلى الانفصام الثقافي أو الانسلاخ الثقافي مثلما هو حاصل في بعض الأقطار المغاربية كالجزائر على الخصوص؛ حيث ينص دستورها وقوانينها على أن العربية هي اللغة الوطنية الرسمية؛ ومع ذلك فإن اللغة الفرنسية لا تزال تحتل الصدارة على المستويين الرسمي والعرفي، ومثل هذه الازدواجية المختلة تتسبب في إذكاء ذلك الصراع والتناقض بين القيم الثقافية التي تتضمنها كل لغة بالضرورة؛ فنجد على سبيل المثال تعارض قيم الحرية المسؤولة في الثقافة العربية مع قيم الإباحية والتهتك في الثقافة الفرنسية الحديثة، قيم الإيمان بالألوهية مع قيم الإلحاد!

إن الشخصية في علم النفس التحليلي تتكون من جانب موروث وجانب مكتسب. وفيما يتعلق بالشخصية الجمعية وشخصية الأمم فإن الجانب الموروث هو التراث؛ فإذا كانت اللغة الدخيلة أي الاستعمارية تعمل جاهدة على تشويه التراث وإزاحته عن الميدان؛ فإنها بذلك تعمل على إذكاء ذلك الصراع الذي يهدف إلى تدمير حصون المقاومة حتى يتحقق لها الانتشار والسيادة.

واليوم وقد رحل الاستعمار عسكرياً فإن الصراع الثقافي لا يزال مستعراً؛ ومن أهم مظاهره تلك الازدواجية اللغوية المختلة، ومن ثَمَّ المرض الثقافي؛ حيث ينعدم ذلك التوازن المطلوب الذي يعطي اللغة الأم حق السيادة في عقر دارها.

إن أشهر العلماء والمفكرين والأدباء قديماً وحديثاً كانوا يكتبون ويفكرون بلغة واحدة رغم احتمال معرفة الكثير منهم بلغات أخرى؛ فهل عُرف «كونفشيوس» بغير لغته الصينية؟ وهل عُرف «سقراط» و«أرسطو» و«أفلاطون» بغير اللغة اليونانية؟ أم هل عُرف «ابن رشد» و«ابن تيمية» و«ابن خلدون» بغير اللغة العربية؟ وفي العصور الحديثة: هل عُرف «كانط» و«ماكس فيبر» بغير الألمانية؟ وهل عرف «ديكارت» و«روسو» بغير الفرنسية؟ أم هل عرف «باكون»، و«وليام جيمس»، و«جورج أورويل» بغير اللغة الإنجليزية؟ أما نحن في ثقافتنا المريضة بالفصام فإنه يفرض علينا أن نستوعب لغة غيرنا وثقافته حتى وإن كنا لم نستوعب الحد الأدنى من لغتنا وثقافتنا الثرية والأصيلة.

مثقفونا والازدواجية اللغوية
إن مثقفينا يحملون لواء الدفاع عن الازدواجية اللغوية والثقافية على الرغم من عدم براءة هذه الدعوة؛ وحتى الدول التي تشجعنا على ذلك لا تؤمن بها في بلدها مثل فرنسا؛ مع العلم أن كل الفرنسيين الذين تلقوا دراسة حكومية منتظمة يلمُّون باللغة الإنجليزية على الأقل؛ فالازدواجية عندهم وظيفية وبذلك لا تعتبر مرضاً ثقافياً كما هو الحال عندنا. ومع افتراض بعض المحاسن من هذه الازدواجية فإن الترجمة كفيلة بتحقيقها على أحسن وجه دون مخاطر الوقوع في المرض الثقافي أو الانسلاخ الثقافي؛ فالترجمة كان من المفروض أن تكون هدفاً لهذه الازدواجية.

ولكن الحقيقة المؤسفة أن هؤلاء المزدوجين - ولا سيما في الدول المغاربية - لم يحققوا ذلك الهدف، بل صاروا يكتبون ويفكرون باللغة الاستعمارية أي الفرنسية حتى إن بعضهم اعتبر الفرنسية غنيمة حرب! ولنا أن نتساءل : كيف تكون غنيمة حرب عند مَنْ فَقَدَ روحه؟ فالترجمة هي الوسيلة الصحيحة التي تدعم الثقافة الأم؛ وليست هذه الازدواجية المفروضة إلا مظهراً من مظاهر المرض الثقافي، والعبرة في النتائج، والأعمال بخواتيمها؛ فقد أصبح العديد من الأدباء المغاربيين رُواداً في الأدب الفرانكفوني المعاصر، ولذلك فإن المستفيد من ذلك هو الأدب الفرنسي والثقافة الفرنسية. ومع ذلك فإن بعضهم قد شعر بوخز الضمير، فكان دائماً يستحضر هذه العقدة عقدة الكتابة بغير اللغة الأم، ومنهم من آب ورجع بعد جهد جهيد إلى أحضان لغته وثقافته العريقة في ثرائها وتنوعها؛ في حين ارتد بعض آخر وصار يكتب باللغة الأخرى وخاصة الفرنسية.

الترجمة والدور الفعال
إن الترجمة مدعوة اليوم لأن تكون العلاج الفعال للمرض الثقافي؛ وذلك عن طريق التركيز على نقل المعارف الإنسانية والعلوم النافعة التي تخدم استراتيجيتنا الثقافية لا أن تساهم في تعميق مرضنا الثقافي والحضاري المستشري، وفي إطار هذه الاستراتيجية فهي مدعوة أيضاً إلى نقل ثقافتنا إلى الغير؛ لأن لها وزناً يوجب علينا المساهمة في تطوير الفكر الإنساني والقيم البشرية وتحقيق الواجب من الدعوة نحو الشعوب والقبائل والأمم الأخرى.

والغريب في الأمر هنا أن أُولى التراجم لصحيح البخاري لم يقم بها مسلمون، بل قام بها رجل دين نصراني أسلم هو «ليوبولد فايس» «محمد أسد» وأن أول فهرسة لألفاظ الحديث النبوي الشريف في العصر الحديث قام بها جماعة من المستشرقين الغربيين؛ وهذا دليل ساطع على قوة الثقافة العربية الإسلامية حتى في أزمنة الانحطاط هذه التي يسمونها : عصر النهضة عصر الاستعمار والاحتكاك المباشر بالثقافة الغربية بإيجابياتها وسلبياتها. وكلنا يتذكر تلك البعثات التي كان الفرنسيون والألمان والإنجليز يحرصون على إرسالها إلى جامعاتهم من أبناء البلاد المستعمَرة لتعلُّم القوانين الفرنسية والإنجليزية والآداب والفنون اللاتينية؛ فماذا كانت النتيجة؟ لقد تعرضت هذه النخب إلى عمليات غسل مخ ثقافي، وعند رجوعهم إلى الأوطان عملوا على تخفيف المؤونة التي أنفقها الاستعمار المباشر بتنفيذ مقاصده وفلسفته في الميدان، ولذلك فإن أول ما عرفناه من مؤلفات مترجمة إلى العربية هي كتب القانون والفلسفة والآداب الغربية بالإضافة إلى كتب المستشرقين، ومَنْ من الباحثين لا يعرف كتاب «العقيدة والشريعة» لـ «جولد زيهر» أو كتاب «تاريخ آداب اللغة العربية» لـ: «كارل بروكلمان» أو «دائرة المعارف الإسلامية البريطانية» وما فيها من اعتداء على المنهجية العلمية وعلى تراثنا الإسلامي العريق؟

إن أول خطوة يتحتم علينا القيام بها اليوم هي الاعتراف الرسمي بالذنب الذي ارتكبته النخب المثقفة والنخب الحاكمة في عالمنا العربي والإسلامي؛ فهؤلاء ذهبوا بأنظارهم بعيداً مع أن زادهم قليل قليل في رحلة الاستغراب والخراب الفكري، فبحثوا في حقائب الغير كأنهم لصوص، واستوعبوا ما أريد لهم أن يستوعبوه، ولبسوا ما أريد لهم أن يلبسوا من أثواب الزيغ والعقوق، وركبوا كل المراكب التي تسخط الرحمن وترضي شياطين الفكر الغربي وساسته؛ وبعد ذلك ظنوا أنهم قد وصلوا، ففرحوا بما عندهم من العلم، وعندما نظروا ذات مرة إلى مواطئ أقدامهم قالوا: من نحن؟ فمنهم الذين أدركوا أنهم قد وقعوا في شراك أُجِيدَ حبكها في دوائر الغزو الثقافي ومراكز الاستدمار الفكري، ولكنهم أدركوا بعد حين من الدهر أن ثعالب الاستغراب أرادوا لهم أن يكونوا لقطاء مع أن نسبهم شريف.

إن الخدمات التي قدمتها هذه النخب المستغربة بثقافتها المهجَّنة لم تحظَ حتى باعتراف أولئك الذين يفترض أن يباركوا هذه المجهودات الانسلاخية؛ فهذا زعيم الوجودية الفرنسي «جان بول سارتر» يصف الإنتاج الأدبي لهؤلاء المهجَّنين والمدجَّنين فكرياً بقوله: «هذه بضاعتنا ردت إلينا» وكان الأجدر أن يضيف كلمة:«مشوهة».
ومع ذلك لنا أن نتساءل: لماذا منحت جائزة «نوبل» للآداب لأديب مصري كبير هو «نجيب محفوظ» سنة 1988م، ولم تُمنح لطه حسين الذي توفي سنة 1973م والذي يعتبر في رأي جمهور النقاد عميد الأدب العربي المعاصر؟ فهل كان الوقت لم يحن بعدُ؛ لأن العرب لم يخرجوا من طور الحضانة؟ أم أن هناك حسابات أخرى؟
لقد منعت رواية أولاد حارتنا من النشر، وصودرت من الاسواق بعد ما احتج عليها الأزهر لمساسها بالذات الإلهية وتنقصها من المقامات النبوية . وغضب عليها الأزهر والناس وسحلت خلايا مؤسسة «ألفريد نوبل» هذا الغضب واحتفظت به إلى غاية سنة 1988م حين منحت محفوظا جائزتها الأدبية.

لقد نال «نجيب محفوظ» الجائزة؛ لأنه مؤلفها أولاً، ومجَّد الفراعنة ثانياً، وثالثاً: لأنه كان يدعو إلى رفع درجة الأقباط من مرتبة الأقلية الدينية إلى مرتبة الشريك المقاسم. لقد كوفئ لأنه ساهم في تنفيذ الخطة التفكيكية للوحدة السياسية والثقافية للأمة العربية الإسلامية؛ فقد حظي بدخول جحر الضب.. ومع ذلك نجد أكبر الأدباء الفرنسيين وهو «سارتر» يترفع عن استلام جائزة نوبل للآداب سنة 1964م؛ لأن هذه «الضفدعة اليائسة» كانت ترفض نفاق الثقافة الغربية وإنسانيتها الكاذبة أمام أعين أطفال آسيا وإفريقيا وبطونهم الجائعة عكس أخيه في فلسفة اليأس «الوجودية» «ألبير كامو» الذي لم يستطع أن يخالف عقله وقلبه عندما طرح سؤاله الجوهري: «هل الحياة تستحق منا أن نعيشها أم لا؟» فقد استلم جائزة نوبل سنة 1957م؛ إنه أراد أن يعيش؛ لأن ذلك من طبيعة «الأقدام السود» (مصطلح يقصد به في الجزائر المستوطنين الغربيين) ولا عبرة عنده بمن اختار الانتحار انتقاماً من هذه الجبرية الوجودية. هذا « الكامو » عندما سئل عن رأيه في استقلال الجزائر أجاب إجابة ذكية بقوله: لو خُيرت بين الحرية وأمي لاخترت أمي. أي فرنسا.

العولمة الثقافية والاقتصادية
واليوم وفي خضم مرضنا الثقافي يطل علينا الغرب بمشروع العولمة الاقتصادية والثقافية، وهو بذلك يريد استغلال قوته الحالية التي قد لا تدوم طويلاً من أجل تحقيق مآربه القريبة والبعيدة معاً، وأصبحنا نسمع كثيراً عن فكرة نهاية التاريخ والحوار بين الأديان والثقافات، وقد علمنا أن الحوار لا يكون ناجحاً إلا إذا كان بين أطراف متكافئة، ونحن وإن كنا أقوياء فعلاً بثقافتنا العربية الإسلامية فإننا ضعفاء إلى درجة فقدان السيادة بسلوكنا المنحرف عن الصراط المستقيم الذي هو المقياس الوحيد لرشدنا الثقافي.

وأمام هذه العولمة الجارفة فلا نملك إلا أن نقول: لا بيعة لمكرَه، إننا نرفض النفاق؛ لأن ذلك ليس من شيم قيمنا الثقافية، وأمام ضعفنا المفتعل فلا يمكن أن نقابل مثل هذه الدعوات إلا بعين الريبة والشك؛ فالاستعمار العسكري بعد أن تحول إلى استعمار اقتصادي ها هو اليوم يبدل ملابسه القذرة ليخرج إلينا في طبعة ثالثة أنيقة في ظاهرها متوحشة في باطنها هي العولمة الشاملة؛ وهذا موضوع قد ييسر الله معالجته لاحقاً. والله الموفق.
ــــــــــــــــــ
المصدر: مجلة الرابطة الإسلامية

حبيت اثري الموضوع واغطيه بجوانبه
تقبل اثرائي وبارك الله فيك

نواف الفارس
18-10-2007, 08:43
اختيار اكثر من رائع
اسمتعت جداْ بتواجدي بهذا الموضوع
واستفدت كثيرا
بانتظار منك المزيد


موفق يارب