المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الادعية


sweet9381
16-11-2007, 11:59
حرف الألف
عن عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أتاني جبريل ـ عليه السلام ـ من عند الله تبارك وتعالى، فقال: يا محمد إن الله عز وجل قال لك: إني قد فرضت على أمتك خمس صلوات، من وافاهن على وضوئهن ومواقيتهن، وسجودهن، فإن له عندي بهن عهد أن أدخله بهن الجنة، ومن لقيني قد انقص من ذلك شيئا ـ أو كلمة تشبهها ـ فليس له عندي عهد، إن شئت عذبته، وإن شئت رحمته".

--------------------------------------------------------------------------------
عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما
قال: "أتاني ربي في احسن صورة، فقال: يا محمد، قلت: لبيك ربي وسعديك، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: ربي لا أدري، فوضع يده بين كتفي، فوجدت بردها بين ثديي، فعلمت ما بين المشرق والمغرب، قال: يا محمد، فقلت لبيك ربي وسعديك، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الدرجات، والكفارات، وفي تقل الأقدام إلي الجماعات، وإسباغ الوضوء في المكروهات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، ومن يحافظ عليهن عاش بخيرٍ، ومات بخير، وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه".

--------------------------------------------------------------------------------
عن أنس ـ رضي الله عنه
قال: نزلت (يا أيها الناس اتقوا ربكم) إلي قوله (ولكن عذاب الله شديد) على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في مسير له، فرفع بها صوته حتى ثاب إليه أصحابه فقال: "أتدرون أي يوم؟" هذا يوم يقول الله لآدم: قم فابعث بعثاً إلي النار: من كل ألف تسع مائةٍ وتسعة وتسعين إلي النار وواحداً إلي الجنة" فكبر ذلك على المسلمين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سددوا وقاربوا وابشروا، فوالذي نفسي بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير، أو كالرقمة في ذراع الدابة، إن معكم لخليقتين ما كانتا في شيء قط إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج، ومن هلك من كفرة الجن والإنس".

--------------------------------------------------------------------------------
عن خزيمة بن ثابت ـ رضي الله عنه
قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام، يقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين".

--------------------------------------------------------------------------------
عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ابتلى الله العبد المسلم ببلاء في جسده، قال الله: اكتب له عمله الصالح الذي كان يعمله، فإن شفاه غسله وطهره وإن قبضه غفر له ورحمه".

--------------------------------------------------------------------------------
عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال الله جل وعلا: أتشتهون شيئاً؟ قالوا: ربنا وما فوق ما أعطيتنا؟ فيقول: بل رضاي اكبر".

--------------------------------------------------------------------------------
عن العرباض بن سارية ـ رضي الله عنه
عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعني عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: "إذا سلبت من عبدي كريمتيه وهو بهما ضنين، لم أرض له ثواباً دون الجنة، إذا حمدني عليهما".

--------------------------------------------------------------------------------
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه
قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم رجلا يقول: قد هلك الناس فهو أهلكهم، يقول الله: إنه هو هالك".

حاتميه
16-11-2007, 12:51
عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال الله جل وعلا: أتشتهون شيئاً؟ قالوا: ربنا وما فوق ما أعطيتنا؟ فيقول: بل رضاي اكبر". لا اله الا الله

اللهم انا نسألك رضاك والجنه

sweet9381

جزاك الله خير وبارك الله فيك

ع الادعيه الطيبه

الله يتقبل منا ومنك

ينقل للقسم الاسلامي

سلامه العايد
16-11-2007, 02:26
باارك الله فيك وتسلم يمنااك



على هذي الادعيه



وأشكرك على النقل الكريم



دم بود ...

sweet9381
18-11-2007, 09:37
مشكوررررررررررررره حاتميه

sweet9381
18-11-2007, 09:56
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون : مع الدرس التاسع والستين من دروس سير صحابة رسول الله رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ومع الدرس الأول من سيرة سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، أولاً هذا الصحابي الجليل بلغ مرتبة الصديقية ، وهي المرتبة الأولى بعد النبوات والرسالات ، والسيدة مريم أيضًا صدِّيقة ، وسيدنا أبو بكر صدِّيق ، فقد بلغ من قربه من النبي مبلغاً أن كل شيء رآه النبي ، وتكلم به إلاّ قال فيه الصدِّيق : صدقت يا رسول الله ، لأن الرؤية تشابهت ، أقرب مقام من رسول الله مقام سيدنا الصديق ، الآثار التي تتحدث عن مقامه الرفيع كثيرة جداً .
ما طلعت شمس على رجل أفضل من أبي بكر .
تسابقت أنا وأبو بكر فكنا كهاتين ، فأشار بأصبعه الوسطى والتي تليها ، وهذا الصحابي الجليل ما عبد صنماً ، ولا شرب خمراً في الجاهلية ، ودرسنا اليوم مِن سيرة هذا الصحابي الجليل يتعلق بحياته قبل الإسلام ، وها نحن مع الفصل الأول .
ونبدأ بالآية الكريمة وفيها يقول الله عزوجل :

( سورة الإسراء )
من معاني هذه الآية ، ومما فسرها به المفسرون أنّ الرسول هو العقل ، ومَن أوتي عقلاً راجحاً فهذا العقلُ من دون رسالة السماء ، ومن دون أن يتبلغ ببلاغ عن الله عز وجل ، فإنه يهدي صاحبه إلى الحق ، لذلك عندما سيدنا خالد بن الوليد أسلم ، وكان قد تأخر في إسلامه ، قال عليه الصلاة والسلام : عجبت لك يا خالد أرى لك فكراً .
نعيش في هذا الفصل وفي هذا الدرس بالذات مع المرحلة التي سبقت ظهور الإسلام ، كيف تعامل هذا الصديق مع عبادة الأصنام في الجاهلية كيف تلقى عقائدهم ؟ هل قبلها ؟ هل رضيها ؟ هل تلمس الحق ؟ هل تراءى له الحق ؟ هذا موضوع فصلنا اليوم .
أيها الإخوة الكرام :
اللات والعزة ، ومناة ، ونائلة ، وهبل ، هذه هي الأصنام التي كانت تعبد من دون الله في الجاهلية ، لكن أقول لكم دائماً : إنّ الإنسان أكرمه الله سبحانه بنعمة العقل ، والعقل الراحج في هؤلاء الذين عاشوا قبل الإسلام هداهم إلى أن ينشئوا حلف الفضول ، وهذا الحلف يقفون به مع المظلوم أمام الظالم ، لذلك ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ قَالَ أَتْقَاهُمْ لِلَّهِ قَالُوا لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ قَالَ فَأَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ قَالُوا لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ قَالَ فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي النَّاسُ مَعَادِنُ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا *
(متفق عليه)
الإنسان إذا كان يتمتّع بعقل راجح وفطرة سليمة فإنه يهتدي إلى ملامح الحق ، أو إلى خطوطه العريضة ، أو إلى مبادئه الكبرى بعقله ، وما انتفع أحد بعقله كالمؤمن ، فالمؤمن ينتفع بعقله كلّ حين .
إخواننا الكرام :
العطاء الذي لا يوصف ولا يقدر بثمن هو العقل الذي أودعه الله فيك ، نحن الآن في هذا الفصل سوف نرى قيمة العقل من دون هداية السماء ، جاهلية جهلاء ، عبادة أصنام لا تنفع ولا تضر ، ربا الجاهلية كان يجمع الأموال في أيدٍ قليلة ، ظُلم ما بعده ظلم ، سخف ما بعده سخف ، حروب طاحنة تطحن الناس لأسباب تافهة بل أقل من تافهة ، هذه هي الجاهلية ، ولا أبالغ إذا قلت هذه الجاهلية الأولى التي سبقت الإسلام وصفها الله بأنها أولى ، وعندما وصفها بأنها أولى فلا بد من جاهلية ثانية ، ولا أبالغ إذا قلت : إن جاهلية القرن العشرين أشدُّ هولاً وانحرافاً من الجاهلية الأولى ، لكن لكل عصر جاهليته ، سيدنا الصديق عاش في الجاهلية الجهلاء ، عاش في فترة عبادة الأوثان ، عاش في فترة عانى المجتمع فيها من مآسي الفرق الطبقي الكبير ، عاش مع اضطراب نظام الأسرة .
إنسان يرسل امرأته لرجل لتستبضع منه أي ليجامعها وتنجب ولداً من رجل آخر ، ثم يدّعيه زوجها لنفسه ، عشر رجال على امرأة واحدة ، نظام الزواج في الجاهلية لا يصدق من شدة انحرافه وانحلاله ، هذه هي الجاهلية .
هذا الصحابي الجليل سيدنا الصديق الذي أكرمه الله بنعمة العقل الراجح إلى أين هداه عقله ؟ لنرى .
أشخاص معددون في الجاهلية تمتعوا بعقل راجح وفطرة سليمة أنشؤوا هذا الحلف حلف الفضول ، وهذا الحلف في الأصل من أجل أن يقف مع المظلوم تجاه الظالم ، وقد حضره النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان صغيرًا ، ولما يبلغ الحلم ، فيما تروي الروايات ، وأثنى على أصحابه ، العمل الطيب طيب في كل عصر ، العمل الخيِّر خير ، البر لا يبلى ، والذنب لا ينسى ، والديان لا يموت ، والإنسان هو الإنسان في أي زمان ومكان ، قال تعالى :

( سورة النساء )
النفس لها بنية واحدة ، الظلم مؤلم والعدل مريح ، والإحسان يرفع قدر صاحبه ، والتواضع يعلي شأنه ، ثم إن الأشهر الحرم التي كانت متبعة ومعمول بها في الجاهلية ، هذه أيضاً لا تقل عن حلف الفضول ، لأن الحرب تطحن الناس طحناً ، وقد يكبر على المتحارب أن يلقي السلاح ، فتأتي هذه الأشهر الحرم كي تحفظ للمتحاربين ماء وجوههم ، كان محرَّماً أن يقتتل الناس في هذه الأشهر ، فالطرفان المتحاربان حفاظاً على ماء الوجه يوقفان الحرب من دون أن يكون هناك غالب أو مغلوب ، وحينما يتوقف إطلاق النار كما يقال اليوم ، فربما تعود الأمور إلى مجاريها .
من منجزات العقل الراجح في الجاهلية موضوع الأشهر الحرم ، وهناك شيء آخر ، الجاهلية كان فيها بعض الفضائل ، منها السخاء والكرم ، وحاتم طيئ معروف بسخائه ، والنجدة ، والشجاعة ، والحلم ، والتواضع ، والبيان .
كان الجاهليون يقولون : موت ألف من العِلْية خير من ارتقاء واحد من السفلة ، لذلك عندما سئل سيدنا علي كرم الله وجهه فقال :
واللهِ واللهِ مرتين ، لحفر بئرين بإبرتين ، وكنس أرض الحجاز بريشتين ، وغسل عبدين أسودين حتى يصيرا أبيضين أهون علي من طلب حاجة من لئيم لوفاء دين .
السافل إذا ارتقى فارتقاؤه شيء لا يحتمل ، سوق عكاظ مَعْلَمة من معالم الجاهلية ماذا كان في هذه السوق ؟ النوابغ والعباقرة ، والحكماء ، كانوا يتبارون في إلقاء الأشعار والكلمات ، يعني ملتقى فكري ، ملتقى أدبي ، النوابغ الذين يعنون بشؤون الفكر كانوا يأتون إلى سوق عكاظ ليتناشدوا الأشعار وليتبادلوا الآراء .
إذاً حلف الفضول ، والأشهر الحرم ، ومكارم الأخلاق التي عُرِفتْ في الجاهلية ، وسوق عكاظ ، هذه كلها من ملامح الجاهلية التي نبغ بها بعض العقلاء ، لكن كلكم يعلم أن هناك من يعبد الشمس وهناك من يعبد الملائكة ، وهناك من يعبد الجن ، وهناك من يعبد الكواكب ، وهناك من يعبد الدهر هذه هي العقائد الوثنية التي كانت سائدةً في الجاهلية ، والأدلة قال تعالى :

( سورة يونس )
وقال تعالى :

( سورة النجم )
هذا النجم الذين تعبدونه من دون الله سبحانه وتعالى اللهُ ربه ، وهناك الدَّهريُّون ، قال تعالى :

( سورة الجاثية )
وسط هذه العقائد الوثنية ووسط هذا الاضطراب الفكري ، ووسط هذه الجاهلية الجهلاء ، ووسط هذه الفوضى في الزواج ، ووسط هذا القهر الاقتصادي في أكل الربا أضعافًا مضاعفة ، ووسط هذه الطبقية المقيتة في المجتمع الجاهلي ، وسط هذه الجاهلية كان أناس قلة على دين إبراهيم .
إخوانا الكرام : هناك من يتوهم أن الإنسان إن لم يبلغه الشرع لا يحاسب ، لكني أقول لكم ، وأنا أعني ما أقول : الإنسان محاسب دائماً على ما أودعه الله فيه قبل التبليغ ، ألم يمنحك الله عقلاً ؟ إذاً العقل مناط التكليف ، أليس لك فطرة عالية ؟ هذه الفطرة تحاسب عليها ، العقل تحاسب عليه ، أجلْ ستحاسب على العقل الذي أودعه الله فيك ، وعلى الفطرة التي فطرك الله عليها ، إذاً بالعقل تتعرف إلى الله وبالفطرة تتعرف إلى الخطأ ، الخطأ من يكشفه لك ؟ الفطرة ، الفطرة النقية الطاهرة النظيفة قبل أن تنطمس ، فالإنسان إذا انحرف ، وإذا كذب ، وإذا اعتدى ، وإذا أساء ، وإذا أخذ ما ليس له ، فالفطرة السليمة تشعره بخطئه ، فهل في القرآن الكريم آية تؤكد هذا المعنى ؟ قال تعالى :

( سورة الروم )
هناك آية أقوى وأوضَح ، قال تعالى :

( سورة الشمس )
معنى ألهمها فجورها ، أي أنها إذا فجرت تعرف أنها فجرت ، إذاً إياكم أن تصدقوا أن الإنسان إذا لم يبلغه الشرع أو التكليف هو معفى ، أو هو كما يقولون بعضهم من أهل الفترة .
إنك محاسب على ما أودعه الله فيك من عقل يهديك إلى الله ، ومن فطرة تهديك إلى سواء السبيل ، والإنسان إذا لم يبلغه الإسلام أو لم يبلغه الشرع أو التكليف ربما كان معفى من تفاصيل التكليف ، لكن أن يهديك عقلك أن لهذا الكون إلهاُ عظيماً وأن هؤلاء المخلوقات هم مخلوقاته ولا يرضيه أن تؤذيهم ، فإذا اهتديت بأنّ لهذا الكون إلهاً عظيماً وإذا حرصت على ألاّ تسيء لهذه المخلوقات ، فهذا هو جوهر الدين ، إذاً بالعقل والفطرة يمكن أن تصل إلى كليات الدين ، إلى مقاصد الدين الحنيف ، بالتكليف والتبليغ عليك أن تنفِّذ تفاصيل الشرع ، الصلوات الخمس ، الزكاة ، أحكام البيع ، أحكام المضاربة ، أحكام الإيجار ، أحكام الإحالة نحن إذا بلغنا الشرع مطالبون بتفاصيل الشريعة ، أما إذا لم يبلغنا الشرع مطالبون بكليات الدين .
سيدنا إبراهيم من خلال تفكره بالكون ، مرة قال الشمس ربي ، مرة قال القمر ربي ، مرة قال هذا النجم ربي ، ثم قال تعالى :

( سورة الأنعام )
هذا هو دين إبراهيم ، أن تتوجه لا إلى المخلوقين بل إلى خالق المخلوقين ، الآن في العالم هناك من يعبد البقر ، هناك من يعبد الشمس هناك من يعبد المرأة ، هناك من يعبد الحيوانات ، في جنوب شرق آسيا يعبدون التنين الثعبان الكبير في احتفالاتهم وفي أعيادهم ، الإنسان لا يرقى إلا إذا وجَّه وجهه للذي فطر السماوات والأرض .
أضع بين أيديكم الآن أقوالاً لأناس جاهليين ، والدرس محوره قوله تعالى :

( سورة الإسراء )
وأنا أميل إلى أن أفهم هذه الآية على أن الرسول هو العقل ، فهذا عامر ابن الظرب العدواني يقول لقومه مفصِحًا لسانه عما يدركه عقله :
إني ما رأيت شيئاً قط خلق نفسه ولا رأيت موضوعاً إلا مصنوعاً ، ولا جائياً إلا ذاهباً ، ولو كان الذي يميت الناس داء لكان الذي يحييهم الدواء.
إذاً هناك قوة كبيرة جداً بيدها الأمر ، المتلمِّس بن أمية الكناني يقول عند الكعبة في الجاهلية :
أطيعوني ترشدوا ، لقد اتخذتم آلهة شتى ، وإنّ الله ربكم ورب ما تعبدون .
فلا رسالة ، ولا وحيًا ، ولا قرآنًا ، ولا نبوةً كان لها وجود ، لكن هذا العقل السليم يدرك أن للناس ربًّا ، وهو خالقهم ، زهير بن أبي سلمى يمسك أوراق الأشجار التي اهتزت خضراء بعد أن كانت يابسة ويقول :
لولا أن يسبني العرب لآمنت بالذي أحياك بعد جفاف سيحيي العظام وهي رميم .
زهير بن أبي سلمى من شعراء الجاهلية أمسك ورقة خضراء في الربيع ، وله هذا البيت الشهير :
***
فلا تكتمن الله في نفوسكم ليخفى فمهما يكتم الله يعلم
***
أبو قيس بن أنس اعتزل قريشاً وأصنامها ، واتخذ في بيته مسجداً لا يدخله امرأة طامث ولا جنب ، وقال : أنا أعبد رب إبراهيم .
شيء رائع جداً ، الإنسان في لحظات تأمل مع نفسه ، لحظات تفكير عميق ، يجد أنّ كل شيء ينطق بوحدانية الله ، وكل شيء ينطق بأن هذا الكون إلهاً حكيماً ، رباً رحيماً ، كريماً .
وهناك أشخاص ثلاثة ؛ هم قس بن ساعدة الإيادي ، وزيد بن عمرو بن نفيل ، وورقة بن نوفل ، هؤلاء انعقدت قلوبهم على دين إبراهيم عليه السلام .
ثم إنّ سيدنا الصديق الذي نحن نتحدث عنه والذي هو موضوع هذا الدرس والذي عاش في الجاهلية ولم يعبد صنماً ولم يشرب خمراً ما الذي حمله على ذلك ؟ عقله الراجح ، وكان صديقًا للنبي عليه الصلاة والسلام ، يعني نشآ معاً ، وأَلِفا بعضهما ، قال ذات يوم بعد أن تلقى محمد رسالة ربه وآمن معه أبو بكر: كان عليه الصلاة والسلام جالساً بين أصحابه يستعيد ذكرى أيام شبابه ، فقال عليه الصلاة والسلام :لست أنسى قس بن ساعدة ممتطيًا جمل أورق في سوق عكاظ ، وهو يتحدث حديثاً ما أحسبني أحفظه .
النبي عليه الصلاة والسلام ذكر قس بن ساعدة الإيادي ممتطيًا جملاً أورق في سوق عكاظ ، وقال عليه الصلاة والسلام : ما أحسبني أحفظه ، فقال سيدنا أبو بكر : إني أحفظه يا رسول الله ، كنت حاضراً هذا اليوم في سوق عكاظ ، ومن فوق جمله الأورق وقف قس يقول : أيها الناس اسمعوا وعوا وإذا وعيتم فانتفعوا ، من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت ، إن في السماء لخبرًا وإن في الأرض لعبرًا ، مهاد موضوع ، وسقف مرفوع ، ونجوم تمور ، وبحار لن تغور ، ليل داج ، وسماء ذات أبراج .
يقسم قس قسماً حقاً إن لله ديناً هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه مالي أرى الناس يذهبون ولا يرجعون أرضوا بالمقام فأقاموا ، أم تركوا فناموا ، ثم أنشد فقال :
***
في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصــائر
لما رأيت موارداً للموت ليس لها مصـــادر
ورأيت قومي نحوها يمضي الأكابر والأصاغر
أيقنت أني لا محالة حيث صار الناس صائـر
***
هذا كلام قس بن ساعدة الإيادي في الجاهلية دون أن يتلقى رسالة ولا دعوة ، وقبل أن تأتي النبوة ، وقبل أن يتنزل الوحي على النبي عليه الصلاة والسلام ، هذا من إنجاز العقل البشري ، العقل يا أيها الإخوة يتوافق مع النقل ، وما جاء به النقل يتوافق مع العقل الصريح .
أما زيد بن عمرو بن نفيل يقول وقد أسند ظهره إلى الكعبة منادياً الناس : يا معشر قريش ، والذي نفسي بيده ما أصبح أحد على دين إبراهيم غيري ، إني اتبعت ملة إبراهيم وإسماعيل من بعده ، وإني لأنتظر نبياً من ولد إسماعيل ، ما أراني أدركه ، ثم تقع عينه على عامر بن ربيعة فيناديه يا عامر بن ربيعة إن طالت بك الحياة فأقرئه مني السلام .
العلماء قالوا هذه إرهاصات ، معنى الإرهاصات جمع إرهاص ، يعني دلائل قرب مجيء النبي عليه الصلاة والسلام ، وكان سيدنا الصديق يزداد طمأنينة وأمناً ، كلما رأى زيد بن عمرو يشق صفوف الناس المتحلقين حول الكعبة ويرفع عقيرته في غير تهيب قائلاً :
لبيك حقاً حقا تعبُّداً ورِقًّا .
أحياناً بعض العلماء في الحج يلبون بهذه التلبية ، والتلبية المعروفة لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك ، هذه تلبية أخرى ويقول هذا الرجل الذي هداه الله بعقله إلى الحق والهدى ، واتبع ملة إبراهيم حنيفا :
***
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له الأرض تحمل صخراً ثقالا
دحاها فلما رآها استـوت على الماء أرسى عليها الجبالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذبــاً زلالا
***
الإنسان على دين خليله ، سيدنا الصديق إذا استمع إلى قس بن سعد الإيادي يتفاعل معه ، إن استمع إلى عامر بن ربيعة يتفاعل معه ، فقال سيدنا الصديق عندما سمع هذا الكلام : هذا ورب إبراهيم هو الحق ، ولكن كيف ، ومتى نصبح منه على يقين .
ممكن أن نسمي هذه الأشياء تلمسات ، هؤلاء الرجال الكبار الجاهليون الذين استعملوا عقولهم الراجحة ، فعرفوا أن لهذا الكون إلهاً عظيماً وأن هذا الدين الذي عليه الناس اليوم في الجاهلية ليس دين الله عز وجل ، هذا ظلم ، سخف ، خرافة دجل .
أما ورقة بن نوفل فكان عاكفاً على الأناجيل يتلوها ويدرسها عساها تدله على دين إبراهيم ، أما زيد فكان هائماً مع أشواقه المؤمنة منطلقاً في بطاح مكة لائذاً بالكعبة تارة ، مناجياً ربه تارة أخرى ، يقول زيد : اللهم لو أني أعرف أي الوجوه أحب إليك لعبدتك به ، ولكني لا أعلمه .
صار لديهم شوق إلى الحقيقة ، أقول لكم هذا الكلام : كلكم إن شاء الله تعالى من طلاب العلم الشرعي ، وكلكم فيما يبدو تبحثون عن الحقيقة واللهِ الذي لا إله إلا هو ما هدى الله شاباً إلى الحقيقة إلا بعد أن طلبها .
لا ترى مؤمنًا يهتدي إلى الحقيقة إلا إذا كان طالباً لها ، كل إنسان يستعرض حياته السابقة يقول لك أبحث عن شيء لا أعرف أين هو ، ما هو هذا الشيء ؟ الحقيقة ، الحقيقة الكلية ، الحقيقة الكبرى أن تعرف أين أنت موجود ، أين كنت وأين المصير ، ما فلسفة الوجود ، ما فلسفة الحياة ، طلب الإنسان إلى الحقيقة هو الذي هداه إليها ، وما من آية أصدق على هذا الموضوع من قوله تعالى :

لا
أيها الإخوة : إذا طلبت الحقَّ بصدق ، واللهِ الذي لا إله هو لزوال الكون أهون عند الله من ألاّ تصل إليه ، في أي عصر ، وفي أي مصر ، في عصر الفتن ، في عصر الضلالات ، اطْلُبِ الحق تجده .
الحقيقة ثمنها أن تطلبها صادقاً ، أمية بن أبي الصلت كان يقول :

***
ألا نبي لنا منا فيخبرنــــا ما بعد غايتنا من رأس مجرانا
إني أعوذ بمن حج الحجيج له و الرافعون لدين الله أركــانا
***
سيدنا الصديق يقول : أليس فينا من يجمعنا على الحق بعد أن يدلنا عليه ، صار هناك بحث عن الحقيقة ، لدى هؤلاء الذين تمتعوا بعقول راحجة ، أما ذو العقل فكما قال المتنبِّي وقد صدق فيما قال :
***
ذو العقلِ يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
***
الذين عطلوا عقولهم واتبعوا أهواءهم ، هؤلاء لا يعرفون أين هم من الحياة ، أفي المقدمة ، أم في المؤخرة ، أم على هامش الحياة ؟ أنا أذكر بيتًا من الشِّعر هو أهجى بيت قالته العرب ، ودخل الشاعر من أجله السجن في عهد عمر رضي الله عنه ، وهو قول الحطيئة :
***
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
***
هذا البيت الذي يعد أهجى بيت قالته العرب والذي دخل صاحبه السجن لأنه هجا به أحد رؤساء القبائل ، هذا البيت ربما صار في زمن الجاهلية الثانية شعار كل إنسان ، بما أن دخلك كبير ، وبيتك مريح ، تجارتك رابحة ، أولادك في عافية تامة ، مالك وللحق ، مالك ولهذه الأمور المتعبة ، الناس ينصحون بعضهم بعضا ، اجلسْ في بيتك أفضل لك ، إذا طلب رجل العلم ، وأحب أن يعرف دينه ، أحب أن يكون مع جماعة صادقة طاهرة يجد عشرات الأشخاص يحذِّرونه ، ويقولون له : مالك ولهذا دعك من هذا ، هذا الذي يعد أهجى بيت قالته العرب ، هو ديدن الإنسان المعاصر :
***
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
***
نحن في هذا الفصل نضع أنفسنا في الأجواء التي عاشها الصديق ، إنسان عاش في الجاهلية ما شرب الخمر ، ولا عبد الصنم ، هؤلاء الذين يقولون الإنسان ابن بيئته ، معطيات قاسية ، بيئة فاسدة هذا الكلام كله باطل .
ذات مرة قال لنا أستاذ في الجامعة وقد أعجبتني ، قال : قد يقولون عن إنسان إنه ابن وراثته ، فقال : صحيح ، الإنسان ابن محيطه ، صحيح ، الإنسان ابن أمه وأبيه صحيح ، الإنسان ... تكلم عشرات العبارات ولكنه بعد هذا قال : ولكن الأصح من في ذلك أن الإنسان ابن نفسه .
المعنى أن الإنسان يختار أحياناً ، فمثلاً في بيت كله فسق وفجور يتواجد إنسان صالح ، هذا الشاب الصالح الذي نشأ في بيئة فاسدة حجة على من يدعي أن الإنسان ابن بيئته ، تجد أحياناً ابنًا في بيت مال لا في بيت علم ، لكنه يطلب العلم ، أيضاً هذا الشاب حجة على من يعتقد أن الإنسان ابن محيطه ، أنت ابن نفسك يعني لك استقلالية ولك اختيارك قال تعالى :

( سورة العنكبوت )
أيها الإخوة : كلكم يعلم في الجاهلية أن هذه الكعبة كانت قامة ، كما قال الله عز وجل :

( سورة آل عمران )
سيدنا إبراهيم لا أقول هو الذي أنشأها ، هو الذي جددها ، أما أول بيت وضع للناس قاطبةً هي الكعبة ، لذلك : الكعبة مكان مقدس حتى في الجاهلية فلما أرادوا إعادة بناءها اختلفت القبائل في موضوع الحجر الأسود من يحمله ويضعه في مكانه الصحيح ، ولا يغيب عن أذهانكم أن العرب في الجاهلية كانت تنشب بينهم الحروب الطاحنة التي تدوم عشرات السنين من أجل عمل تافه ، ذات مرة رجل في سوق عكاظ مد رجله ، وقال : مَن كان أشرف مني فليضربها ، فقام إنسان وضربها ، يعني قطعها ، فنشأت حرب ضروس طحنت الناس عشر سنين ، هنا قضية كبيرة جداً ، الخلاف بين بطون قريش قد ذرَّ قرنه ، وأمية بن المغيرة ، أكبر قريش حكمة وسناً ، يشير على الناس أن يحكِّموا أول قادم ، وعليهم أن يرتضوا حكمه ، سيدنا الصديق يذكر من الذي كان أول قادم ؟ قال كان محمد الأمين عليه الصلاة والسلام هو أول من قدم على هؤلاء وهم في زحمة خلافاتهم ، كان اسمه الأمين ، قالوا : هذا الأمين محمد ، نِعْم الحكم هو ، قف هنا قليلاً ، فالنبي عليه الصلاة والسلام لو أن الناس الذين عاشوا معه وعاصروه ، واللهِ لو أنهم رأوا في سلوكه وفي تعامله مأخذاً يسيراً لصرَّحوا به بعد البعثة ، لكن هؤلاء ما رأوا منه إلا عفة ، وطهراً ، واستقامة ، وأمانةً ، وهكذا يجب أن يكون المؤمن .
وكان الصديق يقول نعم الحكم محمد عليه الصلاة والسلام ، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان فتىً شاباً ، فلما رآهم مختلفين ومحتدمين وعلى وشك أن تقع فتنة بينهم عمياء ، قال : هلمّوا إليَّ ثوباً ، فجاءوا بثوب ، فوضع الحجر به ونادى لتأخذ كل قبيلة بطرف من الثوب ثم ارفعوه جميعاً ، فاستجابوا له حتى اقترب الحجر من موضعه فأخذهُ محمد صلى الله عليه وسلم بيده ، ووضعه مكانه ، قال وانتهت هذه الفتنة أسعد نهاية ، فكان من الممكن أن تنذر بشر وبيل .
سيدنا الصديق لما رأى هذا الشاب الفتى ، العفيف ، الطاهر ، الصادق ، الأمين ، حسم الخلاف بهذه الطريقة البسيطة فكان له قول شهير ، قال : لعل أول رجل يجيء فيحسم الخلاف مرة أخرى ، ويبين للناس ما اختلفوا فيه من الحق ، مرة ثانية وثالثة ورابعة ، كان هناك تشوُّف وتطلُّع وترقُّب للحق ، والإنسان لما ينتظر الحل يأتي الحل ، إذا انتظر الفرج يأتي الفرج .
ثم لا تظنوا أن الإيمان يأتي فجأةً ، فهناك شيء يسمى تراكمات ، تراكم قناعات ، فالإنسان يتأمل ، ويراقب الأحداث ، ويستمع إلى الأقوال ، كلما تلقى الإنسان شيئًا ء خزَّنه في العقل الباطن ، فالإنسان مثلاً عندما يحضر مجلس علم ، ولا أحد يطالبه بالاستقامة ، لكنه ارتاح لهذا المجلس فحضره ، هذا الدرس أدّى إلى تراكمات عنده تختزن في العقل الباطن ، هذه الحقائق ، وهذه الأفكار الصحيحة ، وتلك الآيات الكريمة ، والأحاديث الشريفة ، والتعليلات ، والتوجيهات ، ووضع النقاط على الحروف ، هذه كلها تترسب في العقل الباطن ، إلى أن يكون هذا العقل الباطن إن صح التعبير أو تلك العقيدة هي الموجّه لهذا الإنسان ، ويجب أن تعلم أن كل المخزون الثقافي في النهاية يتفاعل معك و يوجِّه سلوكك ، هذه أخطر فكرة أذكرها لكم .
كنت مرة أضرب مثلاً طريفًا ، (ترمس) الماء الذي يستخدمه الناس في النزهات له فتحة علوية وله صنبور سفلي فالذي تضعه في الفتحة العلوية هو الذي تأخذه من الصنبور السفلي ، فالإنسان أخطر شيء في حياته مصادر التغذية الثقافية ، طالب علم يسمع يوم الاثنين ، يوم الأحد ، يوم السبت ، يوم الجمعة في الخطبة ، ببيته ، يقرأ كتابًا ، كل مصادره الثقافية عن الحق ، عن الدين ، عن السنة ، عن الصحابة ... إذا أحب أن يتكلم فماذا يقول ؟ يتكلم الحق ، أما إذا أحضرت إنسانًا آخر تغذيتُه الثقافية أخبارُ الفنانين والفنانات مثلاً ، والمسلسلات والأعمال الفنية الرخيصة والساقطة ، والمجلات والأمور التي تغذي عقول الناس ، هذا الإنسان الذي تلقى هذه الثقافة لو أحب أن يتكلم فماذا يقول ؟ كما لو أنك وضعت في فتحة هذا الوعاء صنبورًا لم يعطِكَ إلا الذي وضعت فيه .
الإنسان لديه مغذيات ثقافته ، فإذا عاش وطلب العلم عن الصحابة فقد أخذ من مخزونهم ، وكذلك إذا عاش مع الفن ومع الفنانين والفنانات ، الأحياء منهم والأموات ، إذا عاش مع أخبار سقط الناس ، مع الخيانات الزوجية ، ومع الانحرافات الأخلاقية ، ومع الشهوات المستعرة ، فكل تصوراته ، وساحة نفسه ، وثقافته ، وقناعاته ، وطموحاته كلها من هذه المجارير ، ومن هذه الأقنية الفاسدة ، أما إذا طلب الإنسانُ الحقَّ ، وأحب أن يتكلم فلديه آية وحديث ، وسيرة صحابي ، وحكم فقهي ، والبطولات التي في ذهنه بطولات المؤمنين ، هذه كلها تكون المغذِّي الأول والأخير لحديثه للناس .
كنت أقول لكم دائماً أنت في حياتك شئت أم أبيت ثلاثة أشخاص ؛ واحد منهم هو أنت ، شخصية تكونها ، وشخصية تتمنى أن تكونها ، وشخصية تكره أن تكونها ، قل لي ما الشخصية التي تتمنى أن تكونها أقل لك من أنت ، لا يوجد إنسان قبل أن ينام إلاّ ويتصور شخصًا ما ، فالباعة يتصورون أنهم تجار كبار ، والمحامي الناشئ يتصور محاميًا قديم ، والطبيب الناشئ يتصور نفسه طبيبًا قديمًا ، كل واحد بحسب حرفته ، وبحسب منبته الطبقي يتصور شخصًا أعلى منه ، أما المؤمن فليس في ذهنه إلاّ النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام ، دائماً له حساب مع نفسه ، لذلك أيها الإخوة الإنسان عندما يغذي نفسه بالفكر الديني والبطولات الإسلامية لن ينطق ولن يتكلم إلا بالحق ، وتصوراته مبنية على ما سمع ، يحب أن ينجد الفقير والملهوف ، وأن يكون كريماً ، أخلاقياً ، موضوعياً ، كل الفضائل أساسها هذه التغذيات الثقافية ، إذا الإنسان قرأ أدبًا رخيصًا ، وإذا عاش في الأجواء الموبوءة تحدثه نفسه أن يقلد هؤلاء ، خطورة الأعمال الفنية الرخيصة أن تعيش الفتاة أو هذا الفتى في أجواء الانحراف الأخلاقي ، أجواء الشهوة الجسدية ، فإذا أُحيط الإنسان بهذه المغذيات الهابطة فأمرُه كما يقول أحد الأدباء : إذا قرأت قصةً أو قصيدةً وشعرتَ أنها حركت المشاعر السفلية فأنت أمام فن رخيص ، وإن مجتمعًا بأكمله يمكن أن يدمر عن طريق هذا الفن الرخيص ، نحن قبل كل شيء يجب أن نختار الزاد الثقافي ، فالمساجد والحمد لله الزاد الثقافي فيها هو القرآن والسنة وسيرة الصحابة الكرام ، فإذا حرص الإنسان على أن يغذي نفسه بهذه الأفكار الرائعة وتلك القيم ، وهذه المُثُل ، فأغلب الظن أنّ حركته الحركة اليومية ، والحركة إما أنْ تكونا كلامًا أو سلوكًا ، فالكلام والسلوك يقوده إلى ما كان قد غذي به من قبل ، فهذا الفصل الأول أمضيناه في الحديث عن هذا الصحابي الجليل الذي هو أول الصحابة قاطبةً وهو الصدِّيق الذي قال عنه عليه الصلاة والسلام ما ساءني أبو بكر قط .
والله هذه الكلمة حينما أرددها أشعر برعشة تهزُّني هزًّا ، دون أن أتكلم أبدًا ، يقول عليه الصلاة والسلام : ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا وكانت له كبوة إلا أخي أبا بكر .
لذلك قرأت سيرة هذا الصحابي الجليل وهذا يقع في قمة الصحابة ، أعلى درجة بالصدق والإخلاص والتفاني في حب الله عز وجل والتفاني في خدمة رسول الله ، لذلك مقامه عند رسول الله عظيم ، إخواننا الذين يذهبون إلى العمرة يقفون وقفة أما النبي ، ويناجونه ، ويسعدون ، فوالله الذي لا إله إلا هو يتنحّونَ قليلاً ، ويقفون تجاه قبر الصديق رضي الله عنه ، وهناك كلام طيب يقال في حق هذا الصحابي الجليل ، تشعر بسعادة لا توصف أنت الآن أمام الشخص الأول بعد رسول الله الذي ما ساءني قط ، سدوا كل خوخة إلا خوخة أبي بكر في الحرم المكي الشريف في جانب باب السلام لوحة في الأخضر مكتوب عليها : هذه خوخة أبي بكر ، أي هنا كان بيته.
طبعاً أحاديث كثيرة جداً عن هذا الصحابي الجليل ، لكن ما يعنينا أن نقف عند دقائق سيرته ، وسوف نمضي معه أسبوعين أو أكثر إن شاء الله تعالى ، لكن اليوم آثرت أن نبقى مع ملامح الحياة الجاهلية التي عاش بها هذا الصحابي الجليل وكيف أنه بعقله الراجح وفطرته السليمة ما عبد صنماً ولا شرب خمراً ، وكان ينتظر هذه البعثة على أحرَّ من الجمر وكان صديقاً وفياً للنبي عليه الصلاة والسلام ، وبينت لكم كيف كان في الجاهلية بعض الرجال على دين إبراهيم ، وكيف أن العقل يهديك لله عز وجل وأن الفطرة تحجزك عن المعصية والسقوط .
والحمد لله رب العالمين
***

sweet9381
18-11-2007, 10:03
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة المؤمنون : مع الدرس السبعين من دروس صحابة رسول الله رضوان الله تعالى عنهم أجمعين ، ومع الدرس الثاني من سيرة سيدنا الصديق رضي الله عنه وأرضاه .
أيها الإخوة هذا الصحابي الجليل هو الصحابي الأول ، لذلك إذا قرأتم سيرته يمكن أن يكون قدوة لأي مؤمن في طريق الإيمان ، فكان في نفسه تساؤل مستمر ، تساؤل عن يقين للحق ، وتساؤل عن طريق الهدى ، فكان هذا الصحابي الجليل صديق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعنى ذلك أنه قريب جداً منه ، كلما ارتفع مستوى الرجل إلى مستوى صنوه صار صديقاً له .
النبي عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح عَنْ عَمَّارٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإِسْلامِ إِذَا فَقِهُوا "
(متفق عليه)
حتى هذه الأمة العربية التي اختارها الله لتكون أمة وسطاً ، هذه الأمة وهي في جاهليتها تنطوي على مكارم للأخلاق عديدة ، فقد كان حاتم الطائي وهو من سادة العرب في الجاهلية يقول لغلامه :
***
أَوْقِدْ فَإِنَّ اللَّيْلَ لَيْلٌ قَــرٌّ والرِّيحَ يَا مُوقِدُ رِيحٌ صِرُّ
عَسَى يَرَى نَارَكَ مَنْ يَمُرُّ إِنْ جَلَبْتَ ضَيْفًا فَأَنْتَ حُرُّ
***
أي إن جئتني بضيف ومكنتني من إكرامه فأنت حر ، فبعضهم يوقد النيران الشاهقة في الليل كي يستدل بها الضيوف على مكان القِرى والإكرام ، والعرب في الجاهلية كانون يحمون الذمار ، ويكرمون الضيف ، وينصرون المظلوم، ويعينون على نوائب الدهر فلديهم مكارم أخلاقية حقًّا .
أيها الإخوة : العرب في الجاهلية كانت لهم أشهر حرم ، أنا لا أنسى أنه كانت لهم نواقص كثيرة ، وهناك حروب ، ولكن هناك مكارم أخلاق رغم الجاهلية التي كانوا يعانون منها " ...خِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإِسْلامِ إِذَا فَقِهُوا "
ففي هذه الأشهر الحرم تتحوّل السيوف إلى أغصان ، وتتوقف الحرب ، ويتوقف سفك الدماء ، هذه ميزة كانت عندهم ، بينما نسمع الآن أن الحرب دامت ثلاثة عشر عامًا و ... وحروب أهلية لا تبقِي ولا تذر ، هناك مكارم أخلاقية في الجاهلية ، وكان الصدِّيق عليه رضوان الله في قِمَّة هذه النماذج التي عاشت في الجاهلية ، والتي جاءها الإسلام ، وهي على نقاء فطري ، هذا الصحابي الجليل كما قلت لكم لم يشرب خمراً ولم يعبد صنماً وكان في مخيلته تساؤل كبير عن الحق الذي يعد شفاء للنفوس كان مرة في بلاد الشام في عمل تجاري ، وقبل أن يغادر الشام إلى بلده مكة رأى رؤيا ، رأى قمراً قد غادر مكانه في الأفق الأعلى ، ونزل على مكة حيث تجزأ إلى قطع وأجزاء ، تفرقت في جميع منازل مكة وبيوتها ثم تضامنت هذه الأجزاء مرة أخرى ، وعاد القمر إلى كيانه الأول ، واستقر في حجر أبي بكر ، صحا هذا الصديق من نومه ، وقد رأى هذه الرؤيا ، فسار إلى أحد الرهبان المتقين الذين ألفهم ، وعقد معهم صلات بالشام ، وقص عليه الرؤيا ، فتهلل وجه الراهب الصالح ، وقال لأبي بكر : لقد أهلَّتْ أيامُه ، قال : من تعني ؟ قال : النبي الذي يُنتَظَر ، لقد أهلّت أيامه ، ويجيبه الراهب : نعم ، وستؤمن معه ، وستكون أسعد الناس به .
هذه يسميها علماء السيرة إرهاصات ، والأشياء الجليلة العظيمة لا بد لها من إشارات تؤكدُ قدومها ، وتبشِّر بها ، سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام كلم الله في المهد قال إني عبد الله ، طفل ولد لتوه هل يقول إني عبد الله ؟ فلما كبر وأرسله الله رسولاً لقومه تذكروا أن هذا الغلام هو الذي تكلم في مهده ، فالمعجزات التي تظهر على أيدي الأنبياء في وقت مبكر جداً من إرسالهم للناس ليست معجزات بالمعنى الدقيق ولكنها كما يقولون علماء السيرة إرهاصات ، يعني إشارات مبكرة ، وحينما يبعث النبي برسالته إلى أمته يذكر الناس أن لهذا الإنسان وضعاً خاصاً حينما كان صغيراً ، فيربطون بين ذاك الحدث القديم وبين البعثة الجديدة ، وهذا الربط لديهم مما يؤكد أن العناية الإلهية اختارت هذا الرجل ليكون نبياً وهذا معنى قوله تعالى :

( سورة طه )
فهناك إرهاصات تأتي في وقت مبكر ، هذه تؤكد للناس صدق بعثة الأنبياء ، فسيدنا الصديق يحتل مرتبة الصديقية ، واللهِ الذي لا إله إلا هو حينما تقرؤون سيرته ستجدون فيها ما لا يصدق ، الحب الذي ينطوي عليه هذا الصحابي الجليل للنبي يكاد لا يصدق ، المؤاثرة ، التضحية ، الولاء ، الفهم ، الإدراك ، في أعلى مستوى ، وهذه القدرات الفذّة التي يمنحها الله للمؤمنين تقابل صدقهم في طلب الحقيقة .
كلما اشتد صدقك في طلب الحقيقة منحك الله قدرات استثنائية تعينك على تحقيق مطلبك في الحياة ، إذاً هذه كانت بالمعنى الدقيق إرهاصات لظهور النبي عليه الصلاة والسلام .
سيدنا الصديق كان مسافراً ، وعاد إلى مكة المكرمة ، لكن هذه المرة عاد إلى مكة المكرمة ، وفيها حدث جلل ، وفيها أمر عظيم ، وفيها خبر يدوِّي الأرجاء ، ما هذا الخبر ؟ اقترب أبو بكر من مكة المكرمة فشعر أن فيها حدثًا لم يكن حينما غادرها ، فلما دخل مكة ، وقابل أصدقاءه تقدَّمهم أبو جهل وتعانقا ، وبدأ أبو جهل يقول : أَوَحدَّثوك عن صاحبك يا عتيق ، سيدنا الصديق كان اسمه في الجاهلية عتيقًا ، فأجابه أبو بكر : ماذا تعني ، تعني محمداً الأمين ، فقال أبو بكر : نعم أعني يتيم بني هاشم ، انظر إلى تسمية الصديق لمحمد ، تعني محمداً الأمين ، ودار حوار سريع بين أبي جهل وبين الصديق ، قال : سمعت أنت ما يقول يا عمرو بن هشام ؟ قال : نعم سمعته ، وسمعه الناس جميعاً ، قال : وماذا يقول ؟ قال : يقول إن في السماء إلهاً ، وكانت الآلهة عندهم بين أيديهم ، يقول إن في السماء إلهاً أرسله إلينا لنعبده ، ونترك ما كان يعبد آباؤنا ، ثم إنّ سيدنا الصديق سأل ، أو قال : إن الله أوحى إليه ؟ قال أبو جهل : أجل ، قال الصديق : ألم يقل كيف كلمه ربُّه ؟ ، قال أبو جهل : قال إن جبريل أتاه في غار حراء ، وتألق وجه أبي بكر كأنه الشمس ، قال في هدوء وسكينة : إن كان قال هذا فلقد صدق .
الفصل كله حول هذه الكلمة ، إن كان قال هذا فقد صدق ، ولهذه الأسباب سمي الصديق ، لأن يقينه بصدق محمد عليه الصلاة والسلام فوق الشك إنسان عاش أربعين سنة ما جرب الناس عليه كذبة قط ، إنسان عاش أربعين سنة ما جرب الناس عليه خيانة قط ، مثل هذا الإنسان حري أن يصدق إذا قال ، طبعاً أبو جهل ما توقع هذا الموقف الهادئ ، ولا هذا التصديق ، هو يظن أنه سيلقي على أذني أبي بكر خبراً صاعقاً يظن أنه سيفصم عرى المودة بينه وبين الصديق ، وإذ بهذا الصديق يصدق النبي عليه الصلاة والسلام ، إن قال هذا فقد صدق .
قصد أبو بكر داره ليرى أهله ، وينفض عنه وعثاء السفر ، وبعدها يقضي الله أمراً كان مفعولا ، ثم إنّ سيدنا الصديق أراد أن يتصل بالنبي عليه الصلاة والسلام اتصالاً مباشراً ، وهو يعرفه معرفةً جيدة ، حينما كان النبي عليه الصلاة والسلام طفلاً صغيراً ، وقد دعاه أصدقاؤه للعب كما يلعب الأطفال عادة ، كان يقول عليه الصلاة والسلام وهو طفل صغير : أنا لم أُخلَق لهذا ، وهو في سنِّ حياته الأولى كان واعياً للمهمة الكبرى التي تنتظره .
ولكنّ الصديق عليه رضوان الله لم يصدق النبي بشكل متعجل لكن خبرته مع النبي طويلة ، وأنا أقول لكم هذه الحقيقة أنّ الإنسان المستقيم الشريف ، الطاهر الصادق ، الأمين ، من كانت أخلاقه هكذا ، إذا تكلم فحري به أن يكون صادقاً ، والانحراف السلوكي دائمًا يقابله انحراف عقائدي ، والانحراف العقائدي دائماً يقابله انحراف سلوكي هذه حقيقة مقطوع بها ، قال تعالى :

( سورة الماعون )

( سورة القصص )
هناك تلازم ضروري حتمي بين التدين الصحيح وبين الخلق الكريم ، فإن رأيت فكراً نيراً ، وعقلاً راجحاً وكلاماً سديداً ، ورأياً صحيحاً ، فظن بغلبة الظن أن صاحب هذا الكلام السديد وذاك العقل الراجح إنسان مستقيم ، وإن رأيت استقامة وورعاً ، وطهراً ، وصدقاً ، وأمانةً ، فظن بغلبة الظن أن صاحب هذه الأخلاق الرفيعة إنسان مبادئه صحيحة ، اعتقدْ هذا الاعتقاد ، هناك تلازم ضروري وحتمي بين سلامة السلوك وسلامة الفكر ، بين سلامة العقيدة والمبدأ وسلامة الحركة في الحياة .
سيدنا الصديق عاش مع النبي عمراً مديداً جاءته الرسالة في الأربعين وكان هو في الثامنة والثلاثين ، متقارب في سنه مع سن النبي عاش معه ردحاً من الزمن طويل ، الذي لا يكذب لا يخون ، لم ير في موقف يستحي به ، لم ير في موقف يعتذر منه ، هذا الإنسان إذا قال فقد صدق ، وفي القرآن الكريم هناك بعض الإشارات ، قال تعالى :

( سورة العلق )
الآية انتهت ، كيف تنتهي الآية ، ولم يأت الجواب ؟ أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى الجواب أي انظر إلى أخلاقه ، انظر إلى دناءته ، انظر إخلافه وعده ، انظر إلى اقترافه الآثام ، انظر إلى انحرافه السلوكي قال تعالى :

( سورة العلق )
انظر إلى استقامته ، هذا التلازم مهم جداً ، لعل هذا التلازم هو موضوع هذا الفصل ، سيدنا الصديق لم يبادر متعجِّلاً ، وقال : لقد صدق ، إلا لأنه خبير بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، لذلك اعتقدوا أيها الإخوة وهذا من عقيدة المسلم ، إن الأنبياء معصومون قبل الرسالة ، ولو لم يكونوا معصومين قبل الرسالة لشَكَّ الناس في دعوتهم ، لأنهم صنعوا على عين الله عز وجل ، ولأنهم هُيِّئوا لهذه المهمة العظيمة .
سيدنا الصديق انتقل من بيته بعد أن نفض عنه وعثاء السفر وتوجه إلى بيت النبي عليه الصلاة والسلام ، وجرى حديث بينهما في سرعة الضوء وصفائه ، قال أبو بكر : أصحيح ما أنبأني به القوم يا أخا العرب ، ولم يكن رسولَ الله ، فقال عليه الصلاة والسلام : ماذا أنبؤوك قالوا : إن الله أرسلك إلينا لنعبده ولا نشرك به شيئا ، قال : وما كان جوابك لهم يا عتيق ، قلت لهم : إن قال هذا فقد صدق ، يروي كتاب السيرة أنه قد فاضت عينا رسول الله من الدمع غبطةً وشكراً ، لأنه هو يظن أن هذا الإنسان هو أول من يصدقه ، وقد تحقق ظنه .
أنت أيها الأخ الكريم عندما تصدق الحق ، وعندما تعين على نشر الحق ، وعندما توظف إمكاناتك في نشر الحق فهذا عمل عظيم ، الداعية إنسان ضعيف ، لكنه قوي بإخوانه ، قوي بمَن يعاونه ، قوي بمَن يأخذ بيد الآخرين معه إلى الله ورسوله ، فعندما يلتف الإنسانُ حوله ويجد رجالاً بكل معنى الكلمة ، أشداء ، ورعين ، متحفزين ، مضحين ، مستعدين أن يقدموا الغالي والرخيص والنفس والنفيس ، من أجل هذه العقيدة السمحاء ، هذا شيء يثلج صدر أيِّ داعية ، طبعاً النبي عليه الصلاة والسلام هو سيد الخلق وحبيب الحق ، يعني إن لم تكن داعيةً فكن مع داعية معيناً ونصيراً ، لا تكن في خندق معادٍ لأهل الحق ، كن مع أهل الحق ، وكن عوناً لهم يكنْ لك عند الله أجرٌ كبيرٌ ، دائماً الجماعة المؤمنة كلها مرحومة ، وكل واحد له دور ، في الأسرة الواحدة أيُّ الأدوار أخطر ؟ وما قيمة الزوج وماله الوفير من دون زوجة تربي ، وتنجب ، وتطبخ ، وتقدِّم المعونات والخدمات لأفراد الأسرة ، الابن له دور ، والزوج له دور ، فهذه أسرة ، وجماعة المؤمنين أسرة ، لا أحد أفضل من أحد في الأسرة الواحدة ، أسرة بمعنى الكلمة ، كلهم متعاونون على تحقيق الهدف الكبير الذي من أجله جاءت هذه الرسالة .
لما فاضت عينا النبي بالدموع غبطةً وشكراً عانق صاحبه ، وقبل جبينه ، ومضى يحدثه كيف جاءه الوحي في غار حراء ، قال تعالى :

( سورة العلق )
لاحظتم أنه كان مسافرًا ، فرأى رؤيا وسأل كاهناً عنها ، وكانت هذه الرؤيا إرهاصاً ، وعاد إلى مكة ، فتلقاه أبو جهل وأخبره خبراً وفي تصوره أنه سيفصم عرى الصداقة بين الصديق والنبي عليه الصلاة والسلام ، كيف أن الصديق بخبرته الطويلة بهذا الإنسان العظيم اعتمد على أخلاقه العلية ، هل يوجد لديكم شاهد آخر ؟ شاهد يؤكد مدى الترابط بين صدق الدعوة وبين الأخلاق العالية ، وهذا الشاهد فطري ، السيدة خديجة من علَّمها ؟ وما درستْ في الجامعة ، ولا تخرَّجتْ مِن كلية شرعية في العالم الإسلامي ؟ حينما أنبأها النبي عليه الصلاة والسلام بأن الوحي قد جاءه بماذا أخبرته ؟
قالت : والله لن يخزيك الله أبداً ، إنك تقري الضيف ، وتحمل الكل ، وتعين على نوائب الدهر ، ربطت بين صدقه وبين أخلاقه ، وهذا شاهد آخر ، ربطت بين صدقه وبين أخلاقه ، وهذا هو الشاهد الفطري من دون تعقيدات ، فالإنسان الصادق ، الورع ، الأمين ، المتواضع ، أغلب الظن أنّ كلامه حق ، والذي كلامه يغذي العقل أغلب الظن أنْ يكون مستقيمًا ، فهناك تلازم ، لأن المنحرفين في عقيدتهم منحرفون في سلوكهم ، والمنحرفون في سلوكهم منحرفون في عقيدتهم .
ما كان من هذا الصحابي الجليل بعد أن قبله النبي وبكى إلا أن شد بكلتا يديه على يد صاحبه ، هناك أناس نادرون من شدة المودة والشوق تضع يديك كلتيهما حول يده ، فسيدنا الصديق أمسك بيديه مجتمعتين وصافح بهما النبي عليه الصلاة والسلام وقال : أشهد أنك صادق أمين وأشهد أنه لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله ، لذلك قال عليه الصلاة والسلام : ما دعوت أحداً إلى الإسلام قط إلا كانت له كبوة إلا أخي أبا بكر .
استمعوا أيها الإخوة إلى بعض ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام في حق هذا الصحابي ، قال عليه الصلاة والسلام : ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه بها ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يداً أرجو الله أن يكافئه بها يوم القيامة .
أحياناً يقدم لك إنسان معروفًا كبيرًا تشعر أنت أن كل إمكاناتك لا تكافئ معروفه ، تقول له : جزاك الله كل خير ، واللهِ أنا عاجز عن شكرك .
يا أيها الإخوان : المؤمن معدنه طيب ، إذا فعل خيراً فإنه سريعاً ما ينساه ، أما إذا فعل أحدٌ معه خير لا ينساه إلى الأبد ، إذا أحدهم قدم لك معروفًا ذكّره بمعروفه ، وقل له أنت فضلت عليّ ، والله لا أنسى لك معروفك حتى الموت ، كلما رأيته ذكره بمعروفه ، وهذا من طيب الأصل ، لأن اللؤم والجحود ، ونكران الجميل هذا من طبع اللئام .
***
حر ومذهب كل حر مذهبــي ما كنت بالغاوي ولا المتعصب
يأبى فؤادي أن يميل إلى الأذى حب الأذية من طباع العقـرب
لي أن أرد مساءة بمســـاءة لو أنني أرضى ببرق خــلب
حسب المسيء شعوره ومقـاله في سره يا ليتني لم أذنـــب
***
وذات مرة كان النبي عليه الصلاة والسلام بين أصحابه ، فمر رجل أمامهم فقال أحدهم : والله إني لأحبه ، فقال له النبي : قم وأعلمه بهذا الحب ، فهناك أشخاص يضنُّون بكلمة طيبة ، فمثلاً إنْ كنتَ تشعر بمودة نحو أخيك فلِمَ تبقى ساكتًا ، اذكر هذا الحبَّ ، ذكِّره بفضله عليك ، والنبي عليه الصلاة والسلام عندما انتهى من وقعة حنين ، وكان عليه الصلاة والسلام في أوجّ قوته يعني الخط البياني لقوة النبي عليه الصلاة والسلام ومدى سيطرته على الجزيرة العربية كان في الأوج ، وبلغه أن بعض الأنصار قد وجدوا عليه في أنفسهم ، يعني في منطق العصر ممكن القوي يلغي وجود المنتقدين إلغاءً ، ويمكن للقوي أن يهدر كرامتهم ، فلو أن النبي قال في حقهم : إنهم منافقون لانتهوا ، ومن الممكن أن يهملهم ، ومن الممكن أن يعاتبهم ، ماذا فعل عليه الصلاة والسلام وهو في أوج قوته ؟ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ لَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا فِي قُرَيْشٍ وَقَبَائِلِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى كَثُرَتْ فِيهِمْ الْقَالَةُ حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا الْحَيَّ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِهِمْ لِمَا صَنَعْتَ فِي هَذَا الْفَيْءِ الَّذِي أَصَبْتَ قَسَمْتَ فِي قَوْمِكَ وَأَعْطَيْتَ عَطَايَا عِظَامًا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنْ الْأَنْصَارِ شَيْءٌ قَالَ فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَنَا إِلَّا امْرُؤٌ مِنْ قَوْمِي وَمَا أَنَا قَالَ فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ قَالَ فَخَرَجَ سَعْدٌ فَجَمَعَ النَّاسَ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ قَالَ فَجَاءَ رِجَالٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَتَرَكَهُمْ فَدَخَلُوا وَجَاءَ آخَرُونَ فَرَدَّهُمْ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا أَتَاهُ سَعْدٌ فَقَالَ قَدْ اجْتَمَعَ لَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ ثُمَّ قَالَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمْ اللَّهُ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمْ اللَّهُ وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ قَالُوا بَلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ قَالَ أَلَا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ قَالُوا وَبِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ قَالَ أَمَا وَاللَّهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ وَعَائِلًا فَأَغْنَيْنَاكَ أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنْ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلَامِكُمْ أَفَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِحَالِكُمْ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنْ الْأَنْصَارِ وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْبًا لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ قَالَ فَبَكَى الْقَوْمُ حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ وَقَالُوا رَضِينَا بِرَسُولِ اللَّهِ قِسْمًا وَحَظًّا ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقْنَا *
(رواه أحمد)
ماذا قال ؟ ذكرهم بفضلهم عليه .
وأنت أيها الأخ الكريم خدمك أخٌ ، أكرمك ، أعطاك ، دلك على الله ، زوجك ، قدم لك شيئًا ثمينًا ، فإياك أن تنسى فضله ، فمن لؤم الأصل أن تنسى فضله ، أما إذا صنعت معروفاً فعليك أن تنسى ما صنعتَ ، وإذا صنع أحدٌ معك معروف فلا تنسَ ، والأشخاص المتفوقون في إيمانهم إذا فعلوا معروفاً لا يذكرونه أبداً ، وكأنهم ما فعلوه ، أما إذا فُعِل معهم المعروف لا ينسونه أبداً ما داموا أحياء ، فالكلمة الطيبة صدقة ، أحدهم قدم لك خدمة وشاهدته بعد أسبوع فقل له : جزاك الله الخير ، أنا والله لا أنسى فضلك ، شجِّعه ، هناك شخص يتلقى خدمات الآخرين ، ويتلقى المعروف وهو ساكت ، وكأن هذه الخدمات ضريبة عليهم أن يؤدُّوها له .
ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه بها ما خلا أبا بكر ، فإن له عندنا يداً يكافئه الله بها يوم القيامة .
ليس مِن صحابي من أصحاب رسول الله من دون استثناء إلا وذكره النبي بما يستحق أبداً ، هذه من عظمة النبي عليه الصلاة والسلام ، فأخلاقه ، وعظمته ، وبطولته كالشمس في رابعة النهار ، مرة قرأت كلمة لأديب من الأدباء ، قال : إنها لمضنية ومؤلمة تلك الجهود التي تبذلها النجوم لتضيء في حضرة الشمس .
حاول أن ترى النجوم في الظهر ، أين هي ؟
قال لي أحدهم : هل مِن شيء فخم أكثر من الخمس نجوم ، فقلت له : نعم ، نجوم الظهر ، فوق هذا ليس إلا نجوم الظهر .
مستحيل أن ترى النجوم عند الظهر ، طبعاً التعبير الذي يستخدمه العامة إذا أحدهم تلقى شيئًا سارًّا لا يحتمل قال : إنه رأى نجوم الظهر في رابعة النهار ، وهذا شيء مستحيل ، على كلٍّ فالنبي عليه الصلاة والسلام ما من صحابي صحبه إلا وأعطاه حقه وأنصفه ، ولكن شأن العظماء غير الأنبياء وغير المؤمنين أنهم إذا ظهروا لا يسمحون لأحد أن يظهر معهم إطلاقاً ، العظماء المتفوقون في الحياة من عادتهم أنهم إذا ظهروا تألقوا ووصلوا إلى قمة النجاح لا يسمحون لأحد معهم أن يظهر ، لكن النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي أظهرهم .
قال لسيدنا معاذ : واللهِ يا معاذ إني لأحبك ، أحد إخوانا العلماء يعد كتيبًا لطيفًا عن أقوال النبي في أصحابه ، وهذه الأقوال من كتب السيرة كلها .
أبو عبيدة أمين هذه الأمة ، خالد سيف من سيوف الله ، ارمِ سعد فداك أبي وأمي ، لو كان نبي من بعدي لكان عمر ، فما من صحابي إلا ذكره عنه النبي بكلامٍ أنصفه ، وأعطاه حقه ، هذه من عظمة النبي ، مع أنه هو أعظمهم ، وأرقاهم عند الله ، وهو البطل الأوحد ، ومع ذلك ما نسي مَن حوله ، وما نسي البطولات التي حوله ، مع أنها إذا قيست إليه فلا تعدل شيئًا ، ومع ذلك أبرَزَها ، وهذا من الإنصاف ، فقال عن سيدنا الصديق : ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه بها ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يداً يكافئه الله بها يوم القيامة .
يا أيها الأخوة الكرام : من فظاظة الإنسان ومِن ضحالته ، يقول لك : أنا لا أحد له فضل عليّ إلا الله ، وهذه كلمة حق أريد بها باطل ، صحيح أنّ لله المنة والفضل ، ولكن لا تنسَ قول النبي عليه الصلاة والسلام : مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ *
(رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ)
إذا لم ير الإنسانُ فضلَ أبيه عليه وفضلَ أمه وفضلَ أصدقائه الذين قدّموا له المعونة يوم العسرة ، وفضل الذي دلّه على الله ، وفضلَ الذي أكرمه ، وفضل الذي زوجه فهو كنودٌ جاحدٌ .
بعضُ الناس قد يتطاول على عمه ، هذا عمك الذي ربى لك زوجتك ، فهل هو مِن سنك ؟ هذا أب لك ، والآباء ثلاثة ؛ أب أنجبك ، وأب زوّجك ، وأب دلّك على الله ، وفارقُ السنِّ مهم جداً.
يقول عليه الصلاة والسلام : "ما نفعني مال قط مثل ما نفعني مال أبي بكر ".
سيدنا الصديق أعطاه كل ماله ، وما قبل النبي مال أحد كله إلا مال الصديق ، من سيدنا عمر لم يقبل إلا نصف ماله ، أما سيدنا الصديق قبل ماله كله ، قد تنشأ علاقة بين شخصين يتحابان في الله ، نابعة مِن علاقة إيمانية ، صدِّقوا أيها الإخوة ؛ إنّ الفوارق تتلاشى ، المال واحد ، والهموم واحدة ، والفرح واحد ، والحزن واحد ، أحياناً تشتد العلاقة بين المؤمنين لدرجة أن الملكية تتلاشى ، يقول مالي ومالك واحد.
سيدنا الصديق بلغ من حبه للنبي عليه الصلاة والسلام حداً لم يعُدْ يرى أنّ له مالاً إطلاقاً ، قال له : يا أبا بكر ، ماذا أبقيت لنفسك ؟ قال : أبْقيتُ لها الله ورسوله ، هذا هو الإيمان العالي ، دققوا كلما ارتقى إيمانكم أحببْتم بعضكم بعضاً ، وإنّ الحسد من ضعف الإيمان ، وتراشق التهم من ضعف الإيمان ، وأن تتمنى أن تزول عن أخيك النعمة من ضعف الإيمان ، أنا سوف أقدِّم لك مقياسًا دقيقًا جداً ، بين المؤمنين يوجد قد يكون الأخ قريبًا منك دائماً ، ويكون أيضًا أشخاص لا ينافسون ، مثلاً إذا كنت طالبَ علم فلا ينافسك تاجر ، أنت في حقل ، وهو في حقل آخر ، أما تاجران في مصلحة واحدة ، وطالبان في مدرسة واحدة ، إذا كان بينهما تماثل وجدتَ تنافسًا ، أحيانًا الأخ يكون له ندٌّ ، السنّ متقاربة ، بالمدرسة في صفه ، في السوق محله مجاور للمحل ، فانظر إلى نفسك إن جاء لأخيك خير وفرحتَ له ، وكأن هذا الخير جاء إليك فأنت مؤمن وربِّ الكعبة ، أمّا إذا حسدته وتمنيت زوالَ النعمة عنه فاعلمْ وأنك منافق قطعاً ويقيناً ، لقول الله عز وجل :

( سورة التوبة )
وكلما فرحت لأخيك إذا تسلَّم منصبًا رفيعًا ، أو نال شهادة عالية ، أو تزوج ، أو اشترى بيتًا ، أو اشترى مركبة صغيرة ، افرح له، هذا أخوك ، وقد صار أقوى منك ، وقوته لكل المؤمنين.
وشعار المؤمنين : الواحد للجميع ، والمجموع للواحد ، كلنا لواحد منكم ، وأنت أيها الأخ لنا جميعاً ، أنت وإمكانياتك وقدرتك وعضلاتك ومالك للجماعة كلها .
قال ما نفعني مال قط مثل ما نفعني مال أبي بكر ، قال : وما عرضت الإسلام على أحد إلا وكانت له كبوة عدا أبي بكر فإنه لم يتلعثم ، فهذه أقوال صحيحة قالها النبي عليه الصلاة والسلام عن سيدنا الصديق ، وهناك أقوال كثيرة منها .
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبًا رَأْسَهُ فِي خِرْقَةٍ فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلاً لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً وَلَكِنْ خُلَّةُ الإسْلامِ أَفْضَلُ سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ*
(رواه البخاري)
" ما ساءني قط فاعرفوا له ذلك "
على مدى سنواتِ هذه الصحبة ما وردت منه كلمة تسيء للنبي عليه الصلاة والسلام ، وما زال أهل مكة يكذبون النبيَّ ، ويبخسون دعوته ، ويتهمونه بالكذب تارة ، وبالجنون تارة أخرى ويتهمونه بأنه كاهن وأنه شاعر ، وفي زحمة هذه الاتهامات وفي زحمة هذه المعارضات أسرى الله به إلى بيت المقدس وعرج به إلى السماء ، أنا أظن أن النبي عليه الصلاة والسلام لو كان الأمر باختياره لتمنى ألف مرة أن يسكت عن إسرائه ومعراجه لأنه من دون أن يسرى به إلى بيت المقدس ومن دون أن يعرج به إلى السماء ، الناس يكذبونه فكيف إنْ يحدثهم بالإسراء والمعراج .
دققوا في هذه القصة : كان أبو جهل ذاهباً لبعض شأنه حين مر بالكعبة فأبصر النبي صلى الله عليه وسلم جالساً وحده في المسجد الحرام ، صامتاً مفكراً ، وأراد أبو جهل أن يؤذي النبي عليه الصلاة والسلام ببعض سخرياته فاقترب منه وسأله أولم يأتك الليلة شيء جديد ؟ قالها استهزاءً ، فرفع النبي عليه الصلاة والسلام رأسه وأجاب في جدٍّ : نَعَم ، أُسرِي بي الليلة إلى بيت المقدس في الشام ، فقال أبو جهل مستنكراً : وأصبحتَ بين أظهرنا ، طبعاً كل عصر له معطياته ، الآن مثلاً سهل جداً أن تركب الطائرة من جدة الساعة التاسعة ، وتكون الساعة العاشرة في الشام ، لكن تصوروا العصر الذي عاش فيه النبي بين مكة وبيت المقدس ، أعتقد أنّ المسافة كانت شهرًا أو شهرين مِن ركوب الناقة ، فقال له : وأصبحت بين أظهرنا ، فقال عليه الصلاة والسلام : نعم ، وهنا صاح أبو جهل في جنون : يا بني كعب هلموا ، وأقبلت قريش ينادي بعضها بعضاً ، فماذا حل بالنبي ، وهو مأمور أن يبلغ الناس أنه أسري به ، من دون إسراء لم ينته منهم ، وهو مكذَّب ، فكيف بالإسراء والمعراج ، فأقبلت قريش ينادي بعضها بعضاً ، ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر أحداً من أصحابه بنبأ الإسراء بعدُ ، فتجمع الناس عند الكعبة ، ومضى أبو جهل يحدثهم في حبور بما سمع ، وقد ظنها الفرصة المواتية التي عندها سينفض الناس عن رسول الله ، وفي هذه القصة ظن أبو جهل أنّ أمْر النبي انتهى إلى الأبد ، لكن الذي انتهى وصار في مزبلة التاريخ أبو جهل وأبو لهبٍ وأمثالهما ، قال تعالى :

( سورة المسد )
هؤلاء الذين عارضوا النبي أين هم الآن ؟ وتقدم واحد من المسلمين وسأل النبي : يا رسول الله أحقاً أسري بك الليلة ، فقال النبي : نعم وصليت بإخواني الأنبياء هناك ، وهذه أفظع أيضاً ، وسرى في الجمع المحتشد خليط متنافر من المشاعر المهتاجة ، ورحب المشركون بما سمعوا أشد الترحيب ، لأنهم توهموا أن هذه الحادثة تنهي النبي عليه الصلاة والسلام ، وينفض الناس من حوله ، وهذه غير معقولة .
ثم وصل هذا الجمع الغفير إلى دار أبي بكر وقالوا له : هذا صاحبك ، وهذا الذي تقول عنه الصادق الأمين ، والذي تظن به خيراً ، تعال واسمع هذا الخبر يا عتيق ، بلغوا دار أبي بكر وصاحوا به يا عتيق : كل أمر صاحبك قبل اليوم كان معقولاً ، وكان هيناً ومحتملاً ، أما الآن فاخرج واسمع ، وخرج أبو بكر دهشاً تجمله السكينة والوقار وسألهم : ماذا وراءكم ، قالوا : صاحبك ، قال : ويحكم هل أصابه سوء ؟ مِن شدَّة حبه له ، وتراجع القوم ، وقالوا : لا ، إنه هناك عند الكعبة يحدث الناس أن ربه أسرى به الليلة إلى بيت المقدس ، وتقدّم آخر يكمل الحديث ساخراً ، ذهب ليلاً وعاد ليلاً وأصبح بين أظهرنا ، فأجابهم أبو بكر وقد تهلل وجهه : أي بأس في هذا ؟ إني لأصدقه فيما أبعد من ذلك ، أصدقه في خبر السماء يأتيه في غدوة أو روحة ، إن كان قال هذا فقد صدق ، هو الصديق أدرك إدراكًا عظيمًا ، هذا الذي خلق السماوات والأرض ، وأنزل عليه جبريل من فوق سبع سماوات ، الذي فعل هذا بإمكانه أن يأخذه إلى بيت المقدس ، وأن يعيده في ليلة واحدة .
قال : أيُّ بأس في هذا ، إني لأصدِّقه فيما هو أبعد من ذلك ، أصدِّقه في خبر السماء يأتيه في غدوة وروحة أفلا أصدقه في خبر الأرض ، إن كان قال هذا فلقد صدق .
ما هذا اليقين ؟ هذا يقين الصدِّيقية ، سيدنا علي يقول : والله لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً ، المؤمن كلما ارتقى إيمانه يصبح هو والحقائق وجهاً لوجه ، يعني يقينه بالحق الذي يؤمن به أقوى من وجوده .
سيدنا الصديق ليس عنده مشكلة " كيف ذهب ، وكيف عاد" ، عقله الراجح ، وخبرته بالنبي عليه الصلاة والسلام يقينية ، ويبدو أن نظره في هذا الكون العظيم ، والذي خلق هذا الكون قادر على أن يأخذه ، ويعيده في ليلة واحدة ، ومشكلة الصديق هل قال هذا أم لم يقل ؟ لعل هذه فرية ، لعلها تلفيق ، إذاً عليه التحقق .
وهرول أبو بكر إلى الكعبة حيث الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعند الكعبة رأى الجمع الشامت المرتاب متحلقين ، ورأى نور الله هناك في جلسته الخاشعة مستقبلاً الكعبة لا يحس بهذا اللغط من حوله ولا يسمع للقوم ركزا ، وانطرح أبو بكر عليه يعانقه ، ويقول بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، والله إنك لصادق والله إنك لصادق ، لذلك فالنبي عليه الصلاة والسلام من تكريم الله له أنه أحاطه بهؤلاء الأصحاب .
فكلما كان أصحابك من علية القوم صدقاً وأمانةً ، وورعاً ، ووفاءً ، وبذلاً ، وتضحيةً ، فأنت عند الله في مكان رفيع ، و كلما كان الذين من حولك مقصرين مترددين متشككين متخاذلين أحياناً ، فهذه علامة ضعف إيمان في الذي يجعلهم حوله.
الحقيقة هذا الصحابي الجليل له مواقف ، أي حتى عندما سيدنا عمر ، وهو عملاق الإسلام تضعضع ، وكان كالجبل الأشم ، أي دائماً من تعليمات أسئلة الامتحانات أنه يوجد سؤال يحله الطلاب الضعاف ، والسؤال الثاني يحله الطلاب المتوسطون ، والسؤال الثالث يحله الطلاب فوق المتوسطين ، لكن من الحكمة أن يكون في الأسئلة سؤال لا يحله إلا المتفوقون ، فربنا يبتلي المؤمنين ، وأحياناً بعض الشدائد لا يصمد لها إلا من كان في القمة ، فالدعوة الإسلامية مرت بمحن وأزمات في ما صمد لها إلا الصديق وحده ، ففي الحديبية رأى سيدنا عمر في هذا الاتفاق وهذا الصلح مهانة للمسلمين بعد أن ذهب المسلمون ، ومعهم هديهم معلنين أنهم لا يبتغون حرباً ، وافق النبي مع سهيل بن عمرو أن يرجع هذا العام عند عزمه دخول مكة معتمرا ، ووافق النبي على أن الذي يأتيهم من قريش مسلماً يجب أن يرد إليهم ، أما الذي يرتد من المسلمين ينبغي ألا يعود إليهم ، إذًا فهو اتفاق مهين في نظرِ سيدنا عمر ، فذهب إليه و قال : يا رسول الله ، يا نبي الله ، ألستَ نبي الله حقاً ؟ قال: بلى يا عمر ، قال : فلِمَ نعطي الدنية في ديننا ؟ فقال عليه الصلاة و السلام : يا عمر إني رسول الله ، و لست أعصيه ، وهو ناصري ، أي الذي فعلته ليس من اجتهادي ، بل هو تنفيذ لأمر الله ، قال عمر : أو لمْ تَعِدْنا يا رسول الله بأننا سنأتي البيت ، ونطوف به ، فقال النبي : أو قلت لكم : هذا العام يا عمر ؟ أقلت لكم هذا العام تحديداً ؟ قال عمر : لا، قال النبي عليه الصلاة والسلام : فإنك آتيه ومطوِّف به ، انتظر هذا الحوار بين سيدنا عمر و رسول الله ، لكن سيدنا عمر لا يزال يغلي ، اتفاق مهين ، نحن أعزة و مسلمون ، والنبي عليه الصلاة والسلام نبي مرسل ، فلماذا هذا الاتفاق المهين ، فذهب إلى سيدنا الصديق وألقى عليه الأسئلة نفسها ، قال : فأخذ أبو بكر بيدي و جذبها في قوة ، وقال لي : أيها الرجل إنه رسول الله ، ولن يعصيه ، وإن الله ناصره ، فاستمسك بغرزه ، فو الله إنه على حق ، فأنزل الله السكينة على قلبي ، و علمت أنه الحق ، عملاق الإسلام عندما يتزلزل كان ملاذه الصديق ، إذاً هناك امتحانات صعبة ، كبار الصحابة اهتزوا لها ، لكن الصديق بقي ثابتاً ، و هناك امتحان صعب آخر هزّ سيدنا الصديق ، لكن النبي بقي ثابتاً ، أين هذا ؟ في الغار ، فالنبي قمة المجتمع الإسلامي ، قال له : لو نظر أحدهم إلى موطئ قدمه لرآنا ، قال : يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا ، ثقة النبي بنصر الله شيء لا يصدق ، وهو على وشك أن يقضي عليه الكفار كما في ظاهر الأمر ، وهناك شيء أدق من ذلك ، عندما كان في الهجرة ، ولحقه سراقة ، والنبي مهدور الدم ، وملاحق ، ومع ذلك يقول له : يا سراقة كيف بك إذا لبست سواريْ كسرى ، أي إنّ النبي سيصل إلى المدينة سالماً ، و سينشئ دولة ، وسيحارب الفرس ، وسينتصر عليهم ، وسيأتي بغنائم كسرى ، وسوف يلبسها سراقة ، وهذه ثقة النبي بنصر الله عز وجل .
لكن الموقف الذي لا ينسى ، والذي عصم الله به المسلمين من الشتات يوم توفي النبي عليه الصلاة و السلام ، أنا أعتقد أنه ما من أحد على وجه الأرض يحب النبي عليه الصلاة و السلام كما يحبه الصديق و مع ذلك فإنّ هذا الخبر ، خبر موت النبي عليه الصلاة و السلام لم يحتمله أحد من أصحاب رسول الله ، فسيدنا عمر كذبه ، وسيدنا الصديق كان في بعض شأنه في طرف المدينة يوم توفي النبي عليه الصلاة والسلام ، سيدنا عمر حينما علِم بنبأ الوفاة قال كلاماً اختل توازنه ، قال : إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله مات ، وإنه والله ما مات ، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران ، والله ليرجعنَّ رسول الله فليقطعنّ أيدي رجال زعموا أنه مات ، ألا لا أسمع أحداً يقول : إنه مات إلا فلقت هامته بسيفي هذا ، هذا موقف سيدنا عمر ، شيء غير معقول ، أيموت رسول الله ؟ سيدنا الصديق وهو في طريق العودة إلى مسجد النبي عليه الصلاة والسلام سمع النبأ في الطريق ، فقال : لا حول و لا قوة إلا بالله ، أقبل أبو بكر يكلم الناس ، فلم يلتفت إلى شيء و دخل على النبي عليه السلام وهو مسجى في ناحية البيت عليه بردة حبرة ، فكشف عن وجهه ، ثم قَبَّله ، وقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله طبتَ حياً وميتاً ، إن الموتة التي كتبها الله عليك قد مِتَّها ، ثم ردّ الثوب على وجه النبي ، ثم خرج وعمر يكلم الناس ، فدعاه للسكوت فأبى أن يسكت ، وتابع عمرُ كلامه ، فقال الصدِّيقُ : أيها الناس ، فلما رأى الناسُ الصدِّيق يتكلم أنصتوا ، وأقبل على الناس يكلمهم ، فلما سمعوه أقبلوا عليه منصتين ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، فأنْ تحب إنساناً إلى درجة تفوق حدَّ الخيال ، وتوحد الله إلى درجة تفوق حد الخيال ، الجمع بين التوحيد و بين الحب ، ليس أمرًا سهلاً ، فأكثر الناس إذا أحبَّ يشرك ، وإذا وقع في الحب وقع في الشرك و إذا وقع في التوحيد وقع في الجفوة ، أما أن تجمع بين الحب و التوحيد ، وتحب إنساناً إلى درجة تفوق حد الخيال ، وألا تنسى أن الله هو كل شيء فهذا الجمع شيء صعب ، وأحياناً شخص عادي ، داعية يزداد الحبُّ له لدرجة أن أتباعه ينسون الله عز وجل من أجله ، وقعوا في الشرك و هم لا يشعرون ، و إذا تعلم الشخصُ التوحيد بشكل فيه جفاء ، تجده فظًّا غليظًا ، وكلاهما غلط ، لكن سيدنا الصديق وهو في أعلى درجات الحب ما غابت عنه حقائق التوحيد ، قال أيها الناس : لو لم يكن له إلا هذه الكلمة لكفته ، قال أيها الناس : من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، فهو واقعيوعاقل ومتماسك القلب والنفس ، ومَن كان يعبد اللهَ فإن الله حي لا يموت ، والأصل هو الله ، الله حي لا يموت ، ثم تلا هذه الآية :

( سورة آل عمران )
قال : فو الله لكأن الناس يسمعون هذه الآيلة أول مرة في حياتهم ، (أفإن مات أو قتل) ، أما عمر فقد وقع على الأرض حين علم أن كلمات أبي بكر تؤكد أنه قد مات ، وما صدّق ذلك ، هذا الموقف الذي لا يُنسى لأبي بكر ، وهو يعكس قمة التوحيد مع قمة الوفاء ، فلذلك يجب أن توحدوا ، وأن تكونوا أوفياء في الوقت نفسه ، وإذا حملكم التوحيد على الجفوة فليس هذا هو التوحيد الذي أراده الله ، و إذا حملتكم المحبة و الوفاء على الشرك فليست هذه المحبة التي أرادها الله عز وجل ، اجعلوا من هذا الصحابي الجليل الصديق العظيم قدوة ، كان في أعلى درجات الحب و الوفاء للنبي ، وفي أعلى درجات التوحيد ، فما عبده من دون الله ، ولا أشركه مع الله ، لكنه أحبه حباً ما أحبه أحد من العالمين هذا هو القدوة ، لا تنسَ أن الله هو كل شيء ، قال الصديق للسيدة عائشة : قومي إلى رسول الله ، بعد التبرئة من الإفك فقالت : والله لا أقوم إلا لله ، فتبسَّم النبي ، قال : عرفت الحقَّ لأهله ، لم ينزعج إطلاقاً ، فيجب أن تجمع بين الوفاء و التوحيد و ألاّ يحملك الوفاء على الشرك و ألا يحملك التوحيد