المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موقف الاسلام من الديمقراطية ؟؟؟؟؟؟


الصقررر
21-12-2007, 04:48
موقف الاسلام من الديمقراطية ؟؟؟؟؟؟
==================

من المعلوم أن خلط المفاهيم يُعتبر وسيلة من وسائل التضليل، وأن التضليل هو أحد أهم ركائز الغزو الثقافي والفكري الغربي للبلاد الاسلامية وذلك للتناقض الواضح بين الاسلام والمفاهيم الغربية عن الحياة . فعن طريق المغالطات نجح الغرب في تسويق مفاهيمه عن الحياة في بلاد المسلمين، فسوق الديمقراطية باسم الشورى، والحريات العامة باسم الحرية، والنفعية باسم المصالح المرسلة، أي روج لها على اعتبار أنها من الاسلام أو على اعتبار أنها لا تتناقض مع الاسلام، مع أن الديمقراطية غير الشورى المنصوص عليها في القرآن، والحريات العامة غير الحرية التي جاء بها الاسلام، والنفعية غير قاعدة المصالح المرسلة التي قال بها بعض العلماء. فحتى لا يختلط الأمر على المسلمين فيأخذون مفاهيم الغرب عن الحياة ويتركون مفاهيم الاسلام، كان لا بد من التفريق بين المصطلحات الشرعية وبين المصطلحات الغربية، وكان لا بد من ابراز وجه التناقض بينهما.

أولا- الديمقراطية مصطلح غربي، ومعناها عند الغرب حكم الشعب للشعب ومن الشعب، وكما يُقال لا مُشاحّة في الاصطلاح. فالسيادة في الديمقراطية للشعب لا للشرع، والشعب هو مصدر جميع السلطات، السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية. فالشعب هو المرجع الأعلى في كل شيء، فالحاكمية له وليست لله تعالى، والسيادة له وليست لشرع الله تعالى. وهذا المعنى الذي للديمقراطية يتناقض مع العقيدة الاسلامية تناقضا واضحا وصريحا.

ثانيا- أما الانتخابات في النظام الديمقراطي فهي لاختيار وكلاء ينوبون عن الشعب في التشريع والتنفيذ والقضاء، فالانتخاب عندهم هو أسلوب أو آلية تطبيق الديمقراطية بعد التعديل والتأويل الذي أجروه على الديمقراطية. ذلك أن فكرة ( حكم الشعب للشعب ومن الشعب ) فكرة خيالية وغير قابلة للتطبيق إلا بالتعديل والتأويل، إذ أن الشعب بمجموعه يستحيل أن يجتمع للتشريع أو للتنفيذ أو للقضاء فكان لا بد من أن يختار لجان تنوب عنه في حكم نفسه بنفسه.

وبما أن الانتخاب هو أسلوب فالحكم الشرعي فيه يكون بحسب الموضوع الذي وُضع لأجله، فمثلا انتخاب مجلس لأجل أن ينوب عن الشعب في وضع التشريعات حرام شرعا لأن التشريع حق لله تعالى وليس للانسان، وأما انتخاب مجلس ينوب عن الأمة في محاسبة الحاكم فجائز لأن الشرع أوجب على الأمة القيام بهذا العمل. والشرع قد جعل للأمة حق اختيار الخليفة، إذ جعل السلطان للأمة، فمن الناحية الشرعية السلطان هو ملك للأمة تُعطيه لمن تُريد بالرضا والاختيار، فالانتخاب كاسلوب لاختيار الخليفة جائز شرعا.

وعليه فالديمقراطية من حيث أنها تعني حكم الشعب للشعب وبالشعب هي مصطلح يتناقض مع الاسلام تناقضا تاما. وأما بالنسبة للانتخابات فإن الانتخاب أسلوب أو آلية ، وحكم الأسلوب يأخذ حكم أصل الفعل من حيث كونه جائزا أو حراما . فالديمقراطية هي حكم الشعب للشعب وبالشعب وليست هي الانتخابات، والانتخابات هي فقط أسلوب أو آلية وليست هي الديمقراطية. وهذا الأسلوب أخذ به الشيوعيون وأخذ به المسلمون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فليس هو حكرا على النظام الديمقراطي. فربط الديمقراطية بالانتخابات والانتخابات بالديمقراطية مغالطة تُضلل عن حقيقة الديمقراطية، وعن وجه التناقض بينها وبين الاسلام كأسلوب لتسويقها في بلاد المسلمين .

ثالثا- لو فرضنا جدلا أن للديمقراطية أكثر من معنى، وأنها في احد معانيها لا تتناقض مع الاسلام، فأيضا لا يجوز للمسلمين استعمال هذا اللفظ فضلا عن القيام بالترويج له، فقد نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عن استعمال كلمة ( راعنا ) وأمرهم أن يستعملوا كلمة ( انظرنا ) بدلا عنها، على الرغم من أن الكلمتين معناهما واحد، والنهى عن الأولى إنما كان لأنها تعتبر سباً في لغة اليهود، قال الله تعالى :
{ يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم }.

وروى القرطبي في تفسيره عن ابن عباس قوله :
( كان المسلمون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم : راعنا . على جهة الطلب والرغبة – من المراعاة – أي التفت إلينا ؛ وكان هذا بلسان اليهود سبا ، أي اسمع لا سمعت ؛ فاغتنموها وقالوا : كنا نسبه سرا فالآن نسبه جهرا ؛ فكانوا يخاطبون بها النبي صلى الله عليه وسلم ويضحكون فيما بينهم ؛ فسمعها سعد بن معاذ وكان يعرف لغتهم ؛ فقال لليهود : عليكم لعنة الله ! لئن سمعتها من رجل منكم يقولها للنبي صلى الله عليه وسلم لأضربن عنقه ؛ فقالوا : أولستم تقولونها ؟ فنزلت الآية ، ونهوا عنها لئلا تقتدي بها اليهود وتقصد المعنى الفاسد فيه ).

فهنا كلمة ( راعنا ) تحمل نفس معنى كلمة ( انظرنا )، وكان المسلمين يستعملون هذه الكلمة ويقصدون بها معنى ( انظرنا ). لكن لما كان لكلمة ( راعنا ) معنى آخر كان اليهود يقصدونه في مخاطبتهم للرسول صلى الله عليه وسلم جاء النهي للمسلمين عن استخدام الكلمة مع أنهم يقصدون بها غير ما يقصد بها اليهود .


والديمقراطية لها معنى فاسد يتناقض مع الاسلام وهو أن التشريع حق للانسان وليس للخالق عزّ وجل، والحريات العامة أيضا لها معنى فاسد يتناقض مع الاسلام إذ تعني التحلل من كل نظام ومن كل قيد، ولذلك لا يجوز لنا أن نستخدم هذين المصطلحين حتى لو قصدنا بهما معان أخرى لا تتناقض مع الاسلام .

رابعا- قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الحلال بين والحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه . ألا إن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه ).
فلو سلمنا جدلا بأن لفظة الديمقراطية تحمل معنيين أحدهما يتناقض مع الاسلام والآخر لا يتناقض مع الاسلام، فإن الواجب شرعا عملا بالحديث الشريف تجنب استعمال هذا اللفظ، لأن الدعوة للديمقراطية تضع المسلم أو الحركة الاسلامية في دائرة الشبهات في أنها تتبنى المعنى المخالف للشرع.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : ألا يوجد في اللغة العربية أو في الشرع ألفاظ أو اصطلاحات أخرى غير المصطلحات الغربية كي نُعبر بها عن المعانى التي نظن أنها لا تتناقض مع الاسلام فلا نقع في الشبهات ؟!

فإذا كنا نقصد بالديمقراطية الانتخابات مثلا فلماذا لا نستخدم لفظة ( انتخاب ) أو لفظة ( اختيار ) بدل الديمقراطية، بل لماذا لا نستخدم مصطلح البيعة، فإن البيعة شرعا هي عقد بالرضا والاختيار بين الحاكم والمحكوم. ألا يكفينا أن رسول الله صلى الله علية وسلم قد استعمل لفظة الاختيار ولفظة البيعة، ففي بيعة العقبة الثانية قال صلى الله عليه وسلم لزعماء المدينة وقادتها : ( اختاروا لي منكم اثني عشر نقيبا يكونون على قومهم كفلاء). وقال صلى الله عليه وسلم: ( ومن بايع اماما فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه..)، وقال : ( كانت بنو اسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول..).

فلماذا لا نستعمل المصطلحات الشرعية لاحياء معانيها في نفوس المسلمين بدل الترويج للمصطلحات الغربية التي تتناقض في معانيها أو في بعض معانيها مع العقيدة الاسلامية ؟!

خامسا- إن اضافة وصف الاسلام الى الديمقراطية كقولنا ( الديمقراطية الاسلامية ) لا يُغير من حقيقة الديمقراطية من كونها تتناقض مع الاسلام إذ هو كمن يضع لافتة على خمارة في حي اسلامي مكتوب عليها ( الخمارة الاسلامية ) أو ( خمارة التقوى ) كوسيلة لجذب المسلمين لارتيادها. فاضفاء الأوصاف على الواقع المعين لا يُغير من حقيقته شيئا. والشورى التي نص عليها القرآن ليست هي الديموقراطية، بل تتناقض مع الديمقراطية لأن رأي الأكثرية في الديمقراطية ملزم في كل شيء، مُلزم في التشريع كما في سائر الآراء الأخرى، وأما الشورى فليست ملزمة إلا في حالة واحدة فقط وهي الآراء التي تُرشد إلى عمل، فقولهم مثلا ( شورقراطية ) لا يُغير من حقيقة وجود تناقض بين الشورى والديمقراطية، وإنما هو فقط وسيلة من وسائل الخداع والتضليل .

سادسا- ان قيام بعض علماء المسلمين أو بعض الحركات الاسلامية باستعمال مصطلحات تتناقض في معانيها أو بعض معانيها مع الاسلام كمصطلحي الديموقراطية والحريات العامة من شأنه أن يوحي لعامة المسلمين أن لا تناقض بين الاسلام وبين هذين المصطلحين، وهذا من شأنه ان يُسهم في تسويق مفاهيم الغرب عن الحياة وفي فصل مفاهيم الاسلام عن واقع الحياة على حد سواء .

والى جانب أن هذا الفعل حرام شرعا فإنه يتناقض مع الغاية التي وُجدت لأجلها الحركات الاسلامية وهي دعوة غير المسلمين للاسلام ودعوة المسلمين لاستئناف الحياة الاسلامية.

سابعا- لا يجوز شرعا للحركة الاسلامية أن تأخذ الحكم إلا إذا حققت أمرين : أحدهما الرأي العام المنبثق عن الوعي العام عند الأمة على الاسلام. وثانيهما القاعدة الشعبية العريضة المؤيدة للاسلام وللحركة الاسلامية. فإذا وُجد الرأي العام الاسلامي ووجدت القاعدة الشعبية المؤيدة للاسلام فحينئذ يكون الاسلام وحده هو اختيار الأمة، وتكون ارادتها قد توحدت على تطبيق الاسلام في معترك الحياة وحمله رسالة هدى ومشعل نور للعالم أجمع، فبهذه الارادة تُبني الدولة الاسلامية، ومنها يستمد الحاكم سلطانه. إذ لا يكون حاكما شرعا إلا إذا أعطته الأمة الحكم أو السلطان.

وهذا الطريق في بناء الدولة الاسلامية وأخذ الحكم هو الطريق الذي سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا الطريق لا يوجد فيه ديمقراطية ولا اقرار أو أخذ بما تقول به الديمقراطية من جعل الحاكمية للشعب وليس لله تعالى أو جعل الشعب هو السيد لا شرع الله تعالى . والطريق الذي سار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الطريق واجب الاتباع على جميع المسلمين .
قال الله تعالى :
{ قل هذه سبيلي أدعو إلى الله . على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين }.
وقال الله تعالى :
{ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا . واتقوا الله إن الله شديد العقاب }.
وقال الله تعالى :
{ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا }.

منقول

الصقرررر