المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العولمة وضياع الهوية


أديب الدعفس
09-05-2008, 11:03
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ؛؛؛؛
[اترككم مع هذه الوقفة للعولمة وضياع الهويه ]

ليس من شك في أن طرح قضية الهوية على مستوى التحليل النظري ليس بموضوع جديد تماماً، فما سؤال الهوية إلا الصورة المستحدثة التي فجرتها ظاهرة العولمة(1) للسؤال القديم و السابق عن <الأصالة> في اقترانها إيجاباً وسلباً بسؤال <المعاصرة>· ولا شك أن كل هذه القضايا المثارة ليست إلا ضروباً من الوسائل الدفاعية التي تصطنعها ثقافتنا في مراحل الضعف والركود، أي المراحل التي مازلنا للأسف نعيشها، بالرغم من اختلاف أشكالها وتعدد مظاهرها وصورها·
وسؤال الهوية لا ينفصل ـ في نظرنا ـ عن حركة المجتمع العربي والإسلامي ومواكبة ثقافته للتغيرات العالمية التي تشكل أي مجتمع، أي عنصراً فاعلاً أو غير فاعل فيها، وطرح هذا السؤال في إطار ثقافتنا الراهنة غالباً ما يبرز عبر صورتين ممتازتين: صورة دفاعية تتذرع بالحفاظ على الموروث وتنتهي بتجميده في أشكال وقوالب جاهزة تعتقد بأنها الثوابت التي لا يجب التخلي عنها، وصورة <دينامية> ترى في الهوية قالباً مفتوحاً يخضع لحركة التاريخ وآليات تطوره·
والهوية ومحاولة الحفاظ عليها، والتي أصبحت في مهب رياح العولمة، موضع كثير من التساؤلات، فإن الحفاظ عليها وتحديد معطياتها، مطلب تنموي وحياتي ووجودي، فلا يمكن الخروج من أزمة التبعية دون أن تتبلور هوية المجتمع، إن نظرة الإنسان إلى نفسه وإلى الآخرين وعلاقته بالمجتمع والكون تنبني على أسس فكرية تشكل خصيصة هذا الإنسان الذي كلما تحرر من التبعية، كلما استطاع أن يبني أنموذجه الخاص والملائم لواقعه، فكلما افتقدت الخصوصية كلما اتسم الإنتاج بالمماثلة، أما التعميم الثقافي الذي تحاول أن تروِّج له العولمة، فإنه سيفرض ثقافة الأقوى وهي ثقافة أحادية الجانب، لا تقبل التبادل والتنوع، أو هكذا ستشكل تلقائياً·
ومن هنا أولى الدين الإسلامي عناية فائقة لشحذ عقل وفكر الإنسان تجاه ما يحيط به من موجودات ومخلوقات وسنن كونية، وتجاه نفسه، فالإنسان في المفهوم الديني لا يعد كائناً سلبياً صنمياً، بل هو فاعل إيجابي يتأثر بما يجري حوله ويؤثر فيه، هكذا تتكون شخصية الإنسان ومنها تتبلور هويته، فالهوية ليست جموداً ولا تحجراً، بل على العكس من ذلك، هي نظرة فاعلة مع الذات والإنسان والكون والطبيعة الذي أمرنا بإعمال النظر فيها، ولذا لم يكن البحث في الهوية عند الشعوب والأمم المتقدمة إلا خطوة تسبق الإنجاز ومعه تتحرك·(2)
هنا يثار السؤال حول مدى ما تشكله العولمة من تهديد لهويتنا الثقافية والقومية، وللإجابة على هذا السؤال، لابد من التسليم باستحالة العزلة، ففسحة الفراغ التي كانت تفصل بين حضارة وأخرى أصبحت في شبه المعدوم، نتيجة لتدفق المعلومات السريع الذي اختزل الزمن عبر وسائل الاتصال الحديث، وتكنولوجيا المعلومات، وإن كانت العادات والتقاليد والقيم التي يلتزم بها المجتمع من أصعب ما يمكن التأثر فيها عوضاً عن تغييرها، فإن تلك العادات والتقاليد أصبحت عرضة للتأثير والتبدل اليومي، حتى بدأ بعضهم يتحدث عن غياب الفوارق بين الشعوب، وإن كان من العجلة التسليم بهذا الرأي، فإنه لا يمكننا التقليل من الأثر المباشر لتكنولوجيا الاتصال في القيم الحاكمة في المجتمعات·
ومن هنا يقول باحث: <أدت تكنولوجيا الطباعة مع ظهور <آلة جوتنبرج> في منتصف القرن الخامس عشر إلى تدمير النظام الإقطاعي ذي السلطة المطلقة لطبقة النبلاء ورجال الدين، وأسهمت في عملية التكوين السريع للمراكز الحضارية وتوسعة النشاط التجاري وهي التغييرات التي أدت في ما بعد إلى تصنيع أوروبا وتحول مؤسساتها نحو الديموقراطية·(3)
كما يستعرض الدكتور نبيل علي في كتابه الموسوم <العرب وعصر المعلومات> أمثلة كثيرة للتأثير بين التكنولوجيا والثقافة العامة للمجتمع، وهو ليس أثراً سطحياً كما يذهب بعضهم إلى ذلك، بل هو تأثير عميق وثوري، يتصل بالأبعاد الثقافية المختلفة للمجتمع، وما نستورده من الغرب اليوم ليس منتوجاً فقط، أو آلات مجردة، بل سلوك وقيم ومعايير، وبقدر حاجاتنا لاستيراد تلك المنتوجات، فإننا سنستورد معها الأفكار والفلسفات، وقد لا يتم ذلك برغبتنا ولكنه واقع الانفتاح والتطور، الذي حوَّل عملية الاستيراد إلى أحد أهم شؤون الحياة المعاصرة·
وهذا صحيح إلى حد بعيد، فإن المنتوجات المادية ما هي إلا تطبيقات عملية وتكنولوجية لأفكار ونظريات ومفاهيم سبق اعتناقها والاقتناع بها ولا تنفصل الجوانب المادية والحسية من الحضارة عن الجوانب الثقافية والمعتقدات الماورائية، بل إننا نرى التلازم بين النواحي المادية والمفاهيم والمعاني المجردة المعنوية، هما وجهان لعملة واحدة وهي التجسيد الحي والواقعي لما يسمَّى بالحضارة الإنسانية·
ومن البدهي أن الثقافة المصدرة لن تكون محايدة ولن تتصف بالعالمية، بقدر ما هي تصدير لثقافة الأقوى، المتمكن من زمام التقدم العلمي والصناعي، وهنا ستكون العولمة هي الظاهرة المتسيدة وليست العالمية، وثمة فوارق واسعة بين كلا المفهومين·
فبينما تحقق العولمة تنميط الشعوب، وتوحيد الأذواق، وإلغاء الأنموذجات، وفرض الاختيارات بالقوة والجبر والتهديد، بما يصعِّد من سلسلة الصراعات· يغذي النزعات العدائية بين الأمم والحضارات، تتقدم العالمية لتقريب العالم، عن طريق حفاظها على الأعراف السائدة طالما هي أعراف إنسانية ويتفاعل كل عالم من العوالم إيجابياً في رسم اللوحة العالمية، وإن كان هناك مفكرون غربيون مثل <إنيت شونفلونج>(4) يرون أن العولمة أصبحت تمثل تحدياً للتعلم الإنساني، فسرعة التغيرات والتطورات تتجاوز وسائل التعليم التقليدية وتسابق الخبرات المكتسبة القديمة، ويرون أن العالم لم يتأقلم بعد مع مفاهيم العولمة الجديدة، وخصوصاً أن التغيرات العالمية الراهنة سريعة ومتلاحقة، ولم تألفها الإنسانية من قبل، فتطوير المجتمع العالمي يتقدم بطرق مختلفة تماماً، عما كان سائداً من قبل، وبينما أصبح الأفق العالمي للتفاعل ضخماً في قطاعات معينة من المجتمع ـ مثل عالم الصناعة والمال، والعلوم الطبيعية، وصناعة الترويح والجريمة المنظمة ـ فإن عدداً من النظم الاجتماعية الأصغر مازالت تُدار فيدرالياً أو وفق مبادئ الأمة ـ الدولة، مثال ذلك السياسة والقانون والتعليم، وبسبب أن المجتمع العالمي في طور التشكيل بسرعات متباينة، فإن من الصعب فهمه واستيضاحه بصورة جلية، وبالإضافة لذلك، فإن هذه الأنماط المختلفة من التنظيم تسبب مشكلات فبينما ـ وعلى سبيل المثال ـ تحكم السيطرة على مستوى الأمة <لأسباب وجيهة> على الأنظمة التشريعية والأمنية ومنع الجريمة من خلال القضاء والأمن العام، فإن المافيا بالمقابل لا تزال تعمل ومنذ مدة طويلة بشبكات منظمة عالمياً، وبينما تقوم الشركات المتعددة الجنسيات بإعادة نشر العاملين حول العالم، وتغيير المدارس من دولة إلى أخرى، مع ما يلازم ذلك من الحصول على الاعتراف اللازم بالشهادات، فإن كثيراً ما يسبب المتاعب والصعوبات، لأن التعليم كما قلنا يتم تنظيمه وطنياً، بينما يكون تنظيم الصناعة وإلى درجة عالية عالمياً، ويمكن إدراج أمثلة كثيرة مشابهة·
ويرى <إنيت شونفلونغ> أنه نتيجة لهذا التطور الاجتماعي نحو المجتمع العالمي، فإن على كل فرد أن يتزود بالكثير حتى يتهيأ لهذا التوجه، فما كان مألوفاً له في السابق في البيئة المجاورة، أصبح غريباً عليه <نتيجة لهجرة الناس من ثقافات أخرى، مثلاً، أو الشعور بالغربة في بلد أجنبي>، كما أصبح وبشكل مفاجئ، ما تعود عليه أن يكون غريباً عنه، مألوفاً له، وفي مثل هذه الحال، لا يحتاج المرء إلى وقت طويل للتساؤل عن هويته الخاصة، وهنا أيضاً فإن المجتمع العالمي ليس فقط ذا فائدة للفرد، ولكنه كذلك يؤدي للتشويش وعدم الاستقرار·
ومن ملاحظة الواقع العالمي المتطور، نكتشف في الكثير من أجزاء العالم أنه قد أصبح التغير الاجتماعي سريعاً متجاوزاً لتغير الأجيال، ويؤدي هذا إلى مؤثرات كثيراً ما توصف على أنها صراعات أو تناقضات بين <المعاصرة والتقليدية>، وأشعر مع ذلك أن هذه المفاهيم لا تمثل بدقة هذا الصراع أو التناقض، لأن المعاصرة بحد ذاتها تخضع كذلك إلى تغير اجتماعي دائم وسريع، فالبيئة المحيطة بالفرد كثيراً ما تتغير جذراً خلال فترة حياته، ويصبح تعلم الأمس أقل استعمالاً في حياة الغد(5)·
وخلاصة القول، فإنه يمكن وصف العولمة على مستوى الهدف والمستويين الاجتماعي والزمني، ويواجه الناس بمشكلات هذه التحديات سواء كانوا يعيشون في البلدان الصناعية أو في بلدان العالم الثالث· ويحتاج إنسان اليوم إلى أن يتعلم كيفية مواكبة خبرة كبيرة التعقيد وكثيرة التنوع وعلى مستويات متعددة، وفي هذه اللحظة، فإننا نعيش في حال تاريخية تظهر فيها التغيرات في السلوك الشخصي عاجزة عن ملاحقة سرعة التغير الاجتماعي، وإن قدراتنا على حل المشكلات تتخلف عن التطور في العالم·
إضافة إلى أن هناك شبه إجماع بين أبرز المحللين والمفكرين على أن الانتشار العالمي للرأسمالية يؤدي إلى ضمور وتآكل قوة واستقلالية الدولة القومية، وهي الحافظة الأساسية للهويات السياسية والثقافية، وإن رأس المال عبر القومي يترك تأثيرات عميقة على الدول، والثقافات، والأفراد أنفسهم، ويرسم <بنجامين باربر> في كتابه <الجهد ضد السوق الكونية> صورة موحية للعولمة عندما يصفها بأنها: <ذلك المستقبل مجسداً في تلك الصورة المعمقة بالحركة لقوى اقتصادية، وتكنولوجية و<إيكولوجية> مندفعة تطلب التكامل والتناغم وتغرق وعي البشر في كل مكان في طوفان الموسيقا السريعة، والكمبيوترات السريعة، والوجبات السريعة، دافعة الأمم باطراد نحو حديقة ملاهٍ عالمية واحدة متجانسة التكوين>·
ويصف المجتمع السياسي في عصر العولمة بأنه مجتمع يعاني من الانقسام يقتصر فيه ولاء مختلف أعضاء المجتمع على مصالحهم الذاتية الخاصة على حساب أي تصور للمصلحة العامة أو الخير المشترك، والواقع أن السوق الكونية، أو <ماك وورلد> Mc World كما سماه <باربر> قوى العولمة تفضل <الأسواق الكونية، القائمة على المصلحة، والربح، تاركة جانباً قضايا الخير المشترك، والمصلحة العامة>·
والواقع أن جوهر العولمة الاقتصادي هو انتقال مركز ثقل الاقتصاد العالمي من الوطني إلى الكوني، ومن الدولة إلى الشركات والمؤسسات والتكتلات عبر القومية، وهنا تفرض العولمة الاقتصادية منطقها الخاص، حتى لو تعارض هذا المنطق مع رغبات أكبر وأعتى الدول، وقد أفضت هذه التطورات إلى انتقال اقتصادات البلدان المتقدمة من الاقتصاد الصناعي إلى الاقتصاد ما بعد الصناعي، ومن مجتمعات حديثة إلى مجتمعات ما بعد الحديثة·(6)
كما أدت ثورة المعلومات والاتصالات إلى تحولات مهمة في أنماط التبادل التجاري وفي بنية وأسلوب أداء <الأسواق> وتوجد الآن بدايات قوية لما يسمَّى <الأسواق الكونية>، و<التجارة الإلكترونية> Electronic Commerce عبر <شبكة الإنترنت>، حيث يتنامى حجم <التجارة الإلكترونية> بمعدلات كبيرة وسريعة خلال السنوات الأخيرة، ومما ساعد على نمو <التجارة الإلكترونية> عبر شبكة الإنترنت، ذلك الاستفتاء التدريجي عن سلسلة <الوسطاء> في عمليات التجارة والتوزيع، وتشير بعض التقارير والدراسات إلى أن معدل النمو السنوي لهذه التجارة خلال السنوات المقبلة قد يصل إلى نحو 16% سنوياً وقد يتراوح بين 200 مليار إلى 800 مليار دولار·(7)
وهذه التدفقات التجارية ستكون متحيزة للعلامات التجارية المعروفة Brand names وأسماء المحلات ذات الشهرة، لأنها توحي بالثقة للمشتري، وتحمل نوعاً من ضمان الجودة، ما يجعل تدفقات التجارة الإلكترونية لصالح منشآت وشركات البلدان المتقدمة، ومن ثم تتضاءل فرص النمو الاقتصادي أمام اقتصادات دول العالم النامي في ظل منافسة عولمية غير متكافئة·
ولا شك أن تلك الأموال الضخمة الناتجة من الاقتصاد المعولم سوف تؤدي إلى مزيد من الهيمنة للرأسمالية الغربية، وبخاصة أميركا، ومن هنا تبدو العولمة مقلقة إذا كانت تعني زيادة توظيف الشركات الاحتكارية لقدراتها المالية والتنظيمية <معظم الشركات الاحتكارية أميركية> من أجل استغلال ثروات الشعوب وزيادة تغلغلها في اقتصادات الدول النامية ـ ومنها الدول العربية والإسلامية ـ والتي عانت ما فيه الكفاية من الاستغلال والنهب الاستعماري والإمبريالي·
ومن هنا نرى أن العولمة مقلقة بالفعل، حيث تهدد بالكثير من التجاوزات على مستوى العالم وخصوصاً فيما يتصل بدول الجنوب والعالم النامي ومن بينها العالم العربي والإسلامي، فالعولمة مقلقة إذا كانت تتضمن زيادة الفجوة الاقتصادية والحضارية القائمة حالياً في العالم بين الدول الغنية التي تزداد غنى والدول الفقيرة التي تزداد فقراً، والعولمة أيضاً مقلقة إذا كانت تتضمن هيمنة ثقافية واحدة ووحيدة مهما كانت مغرية ومسنودة بالنجاحات المادية والمعنوية، وقيامها بتهميش الثقافات الأخرى في العالم، ما يؤدي إلى مزيد من الغربة والاغتراب، وفقدان الهويات·
والعولمة مقلقة إذا كانت تعني <الأمركة> واستفراد الولايات المتحدة الأميركية بالشأن العالمي، ونشر أنموذجها الحياتي وتعميمه على الصعيد العالمي، وإذا كانت تعني المزيد من اغتراب الإنسان المعاصر الذي بدأ يفقد السيطرة على التحولات الحياتية والفكرية السريعة حتى بمعايير عصر السرعة، ويظهر جهازه النفسي والذهني العجز عن مجاراة المستجدات العلمية والتكنولوجية التي تؤسس حالياً للحظة حضارية جديدة، ولعصر مختلف كل الاختلاف عما كان سائداً حتى الآن·
وإذا كانت العولمة توحي بكل هذه الإيحاءات المقلقة، فهذه هي العولمة المتوحشة، والتي ستجد الرفض كل الرفض من سائر الشعوب، ويتأكد لنا هذا إذا علمنا أنه في ظل آليات الهيمنة العالمية تحولت الثقافة الاستهلاكية Consumer Culture، إحدى مجالات تدويل النظام الرأسمالي، إلى آلية فاعلة لتشويه البنى التقليدية، وتغريب الإنسان وعزله عن قضاياه، وإدخال الضعف لديه، والتشكيك في جميع قناعاته الوطنية والقومية والأيديولوجية والدينية، وذلك بهدف إخضاعه نهائياً للقوى والنخب المسيطرة على القرية الكونية، وإضعاف روح النقد والمقاومة عنده حتى يستسلم نهائياً إلى واقع الإحباط، فيقبل بالخضوع لهذه القوى أو التصالح معها·(8)
وهكذا تعد العولمة ـ في نظر كثير من الباحثين ـ إحدى التحديات التي تقف أمام بناء المجتمعات التقليدية لأنها تحطم قدرات الإنسان فيها، وتجعله إنساناً مستهلكاً غير منتج ينتظر ما يجود به الغرب من سلع جاهزة الصنع، بل تجعله يتباهى بما لا ينتجه، فهو القادر على استهلاك ما لا يصنعه، مما يشكل لديه قيماً اتكالية، والتواكل والتطلع إلى اقتناء السلع الاستهلاكية التي تتغير يومياً، لا في سبيل التطوير فقط، بل في سبيل زيادة حدة الاستهلاك على المستوى العالمي·(98)
وحتى على مستوى النخب القومية والوطنية، فإننا سنجد مسألة الولاء والهوية سمة أولى، حيث يبدو من كتابات أهل النخبة وسلوكياتهم وممارساتهم أن الأولية في الولاء تحتلها العولمة· وهي تأتي قبل الدين والدولة والحزب والجماعة <حتى لو كانت الجماعة جماعة رجال أعمال أو جمعية لخبراء الاتصال تنتمي هي نفسها للعولمة>· ولكن هذه الأولية لا تفرض التزامات بقدر ما تقدم ضمانات وتسهيلات·
ومن تأثيرات هيمنة العولمة على النخب الثقافية في العالم، أننا نجدهم يرون الوطن والوطنية من رموز التخلف أو على الأقل من رموز مرحلة تاريخية انقضت، على الرغم من إدراك كثير من المفكرين السابقين لأهمية الانتماء لوطن، مما يذكرنا بعبارة وردت على لسان <المهاتما غاندي> في حوار مع <الماركسيين الهنود>، قال: <الطريق إلى الأممية لابد أن يمر بالوطن>· وهنا نجد هذا الزعيم قد ترك باب المستقبل مفتوحاً أمام كل الخيارات الإيديولوجية، شرط أن يكون الوطن ككيان رمزي أو حتى وهم عتبة هذا الباب، أي عتبة المستقبل بكل خياراته·
ومن هنا يقول الباحث <جميل مطر>(10): <لا تدهشني أحياناً دعوة بعض المتنورين من العولميين للعمل على استعادة مكانة الوطنية كهوية أولى، هؤلاء لا يستحقون التقدير لذكائهم وصواب رؤيتهم، فالوطنية ـ كالثقافة ـ مجمع أو سلة رموز· لا شيء محدد يمكن أن يحتكر مضمون الوطنية··· لا الأرض، ولا الشعب، ولا التاريخ، ولا الأحلام ولا الأوهام، ولا شيء وحده من كل هذه الرموز يعني الوطنية، فكلها أشياء أخرى كثيرة تشكل في جملتها معنى الوطنية>·
إضافة إلى أن الغزو المتدرج من جانب العولمة للدولة، هو الغزو الذي لا يميز بين دولة عظمى ودولة نامية، يقابله شعور متزايد من جانب الدول النامية عموماً بالاغتراب، إذ أصبحت النخب السياسية ومنها الحاكمة، في حال إحباط من أنها لا تشارك في القرارات الدولية المهمة، ومنها القرارات التي تخصها، بسبب الاحتكار المتزايد من جانب الدول العظمى لعملية صنع القرار الدولي· الشعور السائد والغالب هو الشعور بالإهمال، وبالتالي تصدر عن كثير من حكام هذه الدول تصرفات تعكس حال اغتراب عن النظام الدولي، هذه النخبة السياسية، وفيها النخبة الحاكمة في حال سياسية سيئة بسبب شعورها بالضعف المتزايد إزاء قوة قوى العولمة ونفوذها المتعاظم·(11)
ومن هنا فالعولمة بالمعاني السابقة هي الإعلان الرسمي عن نهاية للحضارة الغربية، وبداية ظهور حضارة كونية جديدة، وفي مواجهة بعض الأصوات المتعلقة التي تدعو إلى الاستفادة الكونية من هذه الحضارة الكونية، يحاول <هنتغتون>(12) وأمثاله تحويل هذه الحضارة الكونية إلى <أمركة>، حضارة هيمنة أميركية مطلقة عسكرية واقتصادية وتكنولوجية وإعلامية وثقافية واجتماعية·
وهي هيمنة منفلتة العقال إلى حد دفع وزير الخارجية الفرنسية <هوبير فدرين> إلى ابتكار لفظ جديد في العلوم السياسية، فكلمة دولة عظمى لم تعد برأيه تكفي وأنه يتعين من الآن فصاعداً تسمية الولايات المتحدة دولة <فوق عظمى>·
والمفارقة ـ على ما يذكر الدكتور سليمان العسكري(13) ـ أنه في الوقت الذي يروج فيه <هنتغتون> وأتباعه لمفهومه التلفيقي عن <الحضارة الغربية> فإن النخبة الثقافية والسياسية لم تعد تنظر إلى أميركا باعتبارها جزءاً من ـ أو حتى ناقلة لـ ـ الحضارة الغربية، بل ينظرون إليها باعتبارها مجتمعاً مميزاً يجسد التعددية الثقافية والعرقية، ثقافته محصلة تفاعل ثقافي بين الثقافات الأوروبية، والأفريقية، والإسلامية، والآسيوية، والسلافية··· إلخ، وتضرب هذه الثقافات بجذورها في الحضارات الأفريقية والأميركية واللاتينية والكونفوشوسية والإسلامية، وليس الأوروبية فقط·
وهكذا تبشر أميركا بأنموذجها الثقافي باعتباره الأنموذج الوحيد لعصر العولمة· وبعد أن قادت العالم قسراً إلى تحقيق التجانس الاقتصادي والتجاري والقانوني على الصعيد الكوني، فإنها تحاول تحقيق تجانس مماثل على الصعيد الثقافي· ومن هنا لا يكون غريباً أن ينتهي الباحث سليمان العسكري في مقاله السابق إلى القول: <ونحن لا نرى في أطروحة <هنتنغتون> حول صراع الحضارات سوى فكرة تعبوية ذات رائحة عنصرية لا تستند إلى أي حقائق علمية أو مبررات أخلاقية، هدفها فقط تبرير الصدامات العنيفة التي يشهدها العالم نتيجة لرفض أناس كثيرين لمنطق <الهيمنة والابتلاع> وليس لمنطق العولمة·
وإذا كان <هنتنغتون> يقصد من فكرته حول <صراع الحضارات> أن الحضارة الغربية تواجه الحضارات الأخرى، فإنني أجد أن معناها الحقيقي هو <أميركا في مواجهة العالم>، والمفارقة هنا أن <هنتنغتون> و<بن لادن> يمثلان وجهين لعملة واحدة، فكلاهما يمثل الوجه الإحيائي للثقافة، أي الاستناد إلى الموارث في اعتبار الآخر <بربرياً> أو <كافراً> وأفكارهما تقود لا محالة إلى تأجيج النزاعات القومية والدينية تحت شعار الدفاع عن الدين أو الهوية أو المصالح الوطنية، أو تحت شعار الدفاع عن القيم الديموقراطية والتحضر وحقوق الإنسان·
ويذهب فريق آخر إلى أن عولمة الثقافة لا تلغي الخصوصية، بل تؤكدها، حيث إن الثقافة هي <المعبر الأصيل عن الخصوصية التاريخية لأمة من الأمم، عند نظرة هذه الأمة إلى الكون والحياة والموت والإنسان، ومهامه وقدراته وحدوده>، ومن ثمَّ فلابد من وجود ثقافات متعددة ومتنوعة تعمل كل منها بصورة تلقائية أو بتدخل إرادي من أهلها على الحفاظ على كيانها ومقوماتها الخاصة·(14)
ومهما كان الموقف من العولمة إلا أن هناك حذراً شديداً عند التعامل معها· فآثارها لم تتوقف عند تكوين مستوى اقتصادي كوكبي، بل أدى تشكيل هذا النظام بآلياته المستحدثة إلى نتائج أخطرها ثقافية، حيث غيَّرت من طابع الشخصية القومية، أو ما يسميه <إريك فروم> بـ<طابع الشخصية المجتمعية>، بل تشكل عولمة الإعلام والاتصال تهديداً للتعددية الثقافية، وطمس الهويات الثقافية للشعوب، وقد ساعد على ذلك حال الثقافة في بعض المجتمعات الأقل تطوراً··· فالثقافة العربية مثلاً تعاني من ازدواجية نتيجة احتكاكها مع الثقافة الغربية بتقنياتها وعلومها وقيمها الحضارية، بالإضافة إلى التمايز الواضح بين ثقافة النخب وثقافة الجماهير··· والنتيجة، استمرار إعادة متواصلة ومتعاظمة للازدواجية نفسها، ازدواجية التقليدي والعصري، ازدواجية الأصالة والمعاصرة، في الثقافة والفكر والسلوك·(15)
ربما استطاعت العولمة أن تخترق الحواجز، وبدَّلت الكثير من الأفكار والمفاهيم والمسلَّمات القديمة، في مختلف مجالات الحياة، وزادت من شبكة الاتصالات والمواصلات والاعتماد المتبادل وفي الواقع سهَّلت العولمة الاتصال بين الناس، منذ اختراع العجلة إلى اختراع الإنرتنت، إلا أنها كانت أكبر دولة تدعو إلى العولمة تضم أكبر جاليات تعيش على أرضها منذ عقود، بعضها منذ أيام الحرب العالمية الأولى ـ وهي الولايات المتحدة الأميركية ـ إلا أن تلك الجاليات لا تزال تعيش في أحياء متميزة تتمسك بالكثير من عاداتها وتقاليدها وتحاول إبرازها في كل مناسبة·
وبعامة فقد أخذت النزعة العالمية في التفكك أخيراً، جنباً إلى جنب نزعة المركزية الأوروبية، نتيجة مجموعة من العوامل الحاسمة التي لا تزال تسهم في تقويض نفوذها وتعريتها من أوهامها الخادعة، صحيح إن هذه العوامل لم تقض على نزعة العالمية تماماً، إذ لا يزال لها حضورها الذي دعمه صعود العولمة، وذلك على نحو أسهم في استمرار تجلياتها في وعي التابع <المؤدلج> الذي لا يزال يعيد إنتاج تعبئته في مناطق كثيرة من العالم الذي تنتسب إليه·
ولكن مع ذلك لم يعد لنزعة العالمية نفوذ الهيمنة الذي كان لها منذ ربع قرن تقريباً ـ كما يذكر الدكتور جابر عصفور(16) ـ وخصوصاً بعد أن تعددت الخطابات المضادة التي انبعثت لتنقض هيمنة <النزعات المركزية> من داخل المركز الأوروبي ـ الأميركي أو من خارجه·
ولم يكن من قبيل المصادفة أن يتضافر غير واحد من هذه الخطابات مع نقد العولمة نفسها على مستويات متعددة في السنوات الأخيرة، سواء من داخل الأقطار التي انبعثت منها العولمة، وذلك بهدف تحويلها إلى عولمة إنسانية تخلو من الوحشية التي لا تزال تصاحبها، أو من دولها ـ وبخاصة فرنسا ـ إلى تأكيد وحدتها لمواجهة العولمة المركزية، في سياق لا ينفصل عن إبراز أهمية الشركة الأوروبية الغربية ووحدة ثقافة البحر المتوسط، وأخيراً من داخل الأمم المتحدة نفسها، حيث تآزر دعاة نقض الهيمنة في صياغة خطاب التنوع الخلاَّق·

نقلاً عن مجلة الوعي الإسلامي

عبدالله المنحول
10-05-2008, 10:53
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اختلفت الآراء على معنى العولمة فمن قائل أن العولمة ظاهرة اقتصادية , ومنهم من يقول أنها ظاهرة ثقافية , وثالث على انها حقبة تاريخية , ورابع على أنها ثورة تكنولوجية وخامس على أنها هيمنة أمريكية

ويقول الدكتور محمد أبو يحيى وآخرون في كتابه ( الثقافة الإسلامية ) :
" العولمة نظام عالمي جديد , يقوم على الإبداع العلمي والتقني , وثورة الاتصالات بحيث تزول الحواجز والحدود بين الأمم والشعوب والدول , ويمسي العالم وكأنه قرية كونية . وعلى الرغم من ان مدلول المصطلح اقتصادي ومالي , يشير إلى ما يجب أن يكون بين الدول من إزالة للحواجز امام حرية التجارة لإتاحة حرية تنقل السلع ورأس المال , إلا أن هذا المصطلح قد تجاوز البعد الاقتادي والمالي ليمس جميع جوانب الحياة سياسيا وثقافيا وأخلاقيا وتربويا "

وبهذا المعنى فإن العولمة تمتد إلى كل مظهر وكل جانب من جوانب الحياة , بحيث يؤثر كل منهما في الآخر ويتأثر بها , ولعل أهم هذه الجوانب ثلاثة هي : الجوانب الاقتصادية , السياسية , الثقافية

و الهوية هي صفات وأحاسيس ونمط حياة هي في كل شئ في المأكل والملبس والموسيقى والثقافة في الحرية والمقاومة والصمود .
ويجب أن نعترف بأنها نمط معيشي يتفاعل مع المتغيرات المحيطة به فيتغير معه دون أن يذوب فيه يتأصل بداخله لكنه يكتسب الجديد دائماً الهوية إذا هي أحد مكونات الشخصية الوطنية فلا مكان لمن ليس له هوية في ظل عولمة بلا حدود

بذلك تكون العولمه سلاح ذو حدين وعلينا التعقل في اخذها
والحرص على هويتنا حتى لا نضيع ونذوب فيما لا يكون من هويتنا ويطغى على تراثنا
ونصبح كا الغراب الذي ضيع مشيته ومشية الطاووس


الاستاذ أديب الدعفس

موضوع جميل ومعولم انجرف الكثير خلف العولمه
ومع الاسف يوجد من انجرف ورائها من غير وعي

اشكرك ايها الكريم واسال الله ان يحفظك ويرعاك

ولكم كل احترام وتقدير

حاتميه
10-05-2008, 12:47
طرح قيم وثري .. يعطيك العافيه اديب

وتسلم ايدك لروعة النقل المميز

أديب الدعفس
10-05-2008, 11:01
الأخ الغالي والمتألق
عبد الله المنحول
لاشك ... ماتفضلت به من إضافه هي مناسبة
وهي ومع الاسف يوجد من انجرف ورائها من غير وعي
ولا إدراك بمعناها التوافقي
اشكرك أبن عمي ... وتحياتي لقلمك المشوق

فاطمة بنت زيد
10-05-2008, 11:42
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أخ أديب .. طرحك جميل ولك وجهة نظر نحترمها , كما للأخ عبدالله وجهة نظر نحترمها أيضاً ..
نحن في زمن لم نعرف كيف نستغله الاستغلال الأمثل لصالح ديننا .. إن زمن العولمة فرصة لم تتح للأمم السابقة والتي تهدف لنشر الدين الإسلامي .. وتعبوا كثيراً لتحقيق هذا الهدف , بينما جاءنا هذا الزمن على طبق من ذهب !! صحيح أن مغريات الزمن كثيرة وقد نعتقد بأنها تعيقنا لعمل ماهو مفيد وجيد ولكن هذه أفكار جعلناها تسيطر على قواتنا الفكرية والحركية (عذر) نبرر به تخاذلنا وكسلنا ..
( مجرد وجهة نظر ) أرجو أن لا أكون قد أثقلت عليكم .. شاكرة لكم طرحكم المميز
دمتم بألف صحة وعافية




http://www.almhml.com/tokia/images/taw/twqi3-ma-1-2-1.gif (http://www.almhml.com/tokia/)

صلاح القويماني الفضلي
11-05-2008, 01:35
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاتة
أديب الدعفس

الله يعطيك العافيه لطرحك الجيد ،،،، بارك الله فيك يالغالي

أديب الدعفس
11-05-2008, 10:50
حاتميه
شاكرلك تواجدك
والله يوفقك

أديب الدعفس
13-05-2008, 02:22
الأخت الفاضله فاطمة بنت زيد
نعم لابد أن نستغل هذه العولمة بالإستغلال الأمثل لصالح ديننا الحنيف كما تفضلتي
ومرعاة تلك الضروف التي تحيط بنا من هُنا وهناك
بما فيها الضغوط التي تاتينا من كل اتجاه
اشكرك عزيزتي على هذه الإضافة والإشارة المجديه
بارك الله فيك

سلامه العايد
08-07-2008, 06:30
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

العولمة الحالية هو حصول تبدلات بنيوية في سوق الاستهلاك في البلدان الغربية المتطورة اقتصادياً ذلك إن البضائع والخدمات التي كانت متوفرة للأغنياء فقط في السابق كانت تدريجياً تصبح في متناول الطبقة الوسطى. أما الآن يجري تناقص فعلي في الموارد والخدمات ذات الطابع الشعبي الواسع..

لاكن نحن هناا المسلمين لا نطبق الا ماشرعه الله ورسوله وامرناا بفعله وانهنااا عن الذي لا يصح لناا
لا في دنيا ولا في مجتمعنااا ولم له من اظرار ونحمدالله خلقنااا مسلمين وبين اهلنااا وتعلمناا عن الاسلام ومتميزنااا عن غيرناا وجعلناا امة وسطى وخير امة اخرجة لناس جميعاً والله يديمنااا ويثبتناا في دينه
ان شاء الله

اشكرك اديب على هذا الطرح الطيب وارائع لاهنت

دمت بود

أديب الدعفس
09-07-2008, 12:05
الشكر لك أنت أيضاً أخي سلامه
وبإضافتك النيره
بارك الله فيكــ

أديب الدعفس
09-07-2008, 12:06
ولايهون إخوي الغالي
صلاح القويماني
أشكرك على هذا الكلاااام الطيب
دمت سالماً