المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأحساء في فترة النفوذ البرتغالي


راعي العليا
26-01-2009, 11:28
الأحساء
في فترة النفوذ البرتغالي
1507 ــ 1622

اللقاء العلمي التاسع
الأحساء 27 ـ 29 صفر 1427هـ
27 ـ 29 مارس 2006م



علي بن إبراهيم السليمان الدرورة
عضو الجمعية التاريخية السعودية
مارس 2006م



قيام إمارة الجبور في الأحساء والبحرين
البحرين كان يطلق قديماً على مناطق الأحساء والقطيف وأرخبيل جزر البحرين بالإضافة لبقية شرق الجزيرة العربية، فقد كانت العرب تسمي الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية الممتد من البصرة جنوب العراق إلى عُمان باسم (الخط)، ويطلق عليه أحيانا ((خط عبد القيس والبحرين))، ويذكر الحموي أن ((البحرين أسم جامع لكل البلاد على ساحل بحر الهند بين البصرة وعُمان وقيل (هَجُر) قصبة البحرين))( )، وذكر كثير من المؤرخين على أن ساحل كاظمة امتداد حتى بينونة هي ساحل الخط.
واعتبر المؤرخون والمصنفون العرب الأوائل أن منطقة البحرين بالمعنى الجغرافي المذكور، منطقة مستقلة من مناطق شبه الجزيرة العربية الخمس وهي (الحجاز، نجد، اليمن، عُمان، البحرين)( ). وظهرت القطيف كعاصمة لإقليم البحرين الغني بالزراعة والمياه العذبة، واستمرت كذلك لفترات تاريخية مختلفة. ثم تقلص اسم البحرين تدريجياً حتى انحصر في الأرخبيل الذي يضم ((أوال)) والجزر المحيطة بها في العصور المتأخرة. ويتكون هذا الأرخبيل من ثلاثة وثلاثين جزيرة وسط الخليج، وتبلغ مساحتها حوالي 265 (مائتين وخمسة وستين) ميلاً مربعاً، وتبعد عن الساحل الإيراني بنحو (مائتين وخمسين ميلاً) وعن ساحل شبه الجزيرة العربية بثمانية عشر ميلاً، وكان لها شأناً تجارياً كشأن سيراف وهرمز وقيس عبر فترات تاريخية مختلفة.
وقد اكتسبت البحرين أهميتها الاقتصادية منذ القدم، فقد كانت تصدر اللؤلؤ إلى الممالك المجاورة لها. وقد اشتهرت هذه الجزيرة بجودة اللؤلؤ ووفرة المياه العذبة، وهذا بدوره مما جعلها محط أنظار القوى المجاورة بسبب المورد الاقتصادي المهم آنذاك، وهو اللؤلؤ. الطبيعي، الذي يتميز عن سواه من اللآلئ من حيث المواصفات والوزن، لأنه كما يقول أحد الرحالة الأجانب: ((أنصع بياضاً وأكثر استدارة من غيره، وهو يشكل جزءاً مهماً من تجارة هرمز))( ).
وبسبب تولي تجار هرمز أمر التعامل في اللؤلؤ البحريني عندما كانت تسيطر مملكتهم على واردات الخليج وصادراته في عصرها الذهبي، فقد وقع كثير من الخلاف والصدام بين حكام الأحساء والبحرين في القرن الخامس عشر الميلادي وبين مملكة هرمز( ).
وبسبب الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية للبحرين، فقد طمع فيها الغزاة من داخل الخليج وخارجه. وتوالت على حكم هذه الجزر عدة دول وأسر استمدت سلطتها ونفوذها من عشائرها وقبائلها في شبه الجزيرة العربية. ومن تلك الأسر التي حكمت البحرين، العيونيون في القرن الثالث عشر، والعصفوريون بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر، ثم أعقبت دولة العصفوريين، دولة آل جبور التي سوف يأتي الحديث عنها.
آل جبور في البحرين والأحساء:
ينتسب آل جبور قبلياً إلى مجموعة البطون التي جاء منها (العصافرة) أيضاً، وينحدرون من عقيل بن عامر بن عبدالقيس بن ربيعة، وعرفوا باسم (العمور أو العماير) وينتسبون إلى بني خالد. وحين تدهور نفوذ أبناء عمومتهم العصافرة، صار الجبور يسيطرون على أفضل مصائد اللؤلؤ وبذلك تمكنوا من اقتصاديات البحرين. وبفضل تلك السيطرة الاقتصادية ووجود الثروات بين أيديهم فقد أصبحوا يتحكمون سياسياً بالمنطقة بعد ذلك لمدة تزيد على مائة وخمسين عاماً حتى مجئ البرتغاليين( ).
وعندما طرق الغزاة البرتغاليون بسفنهم لأول مرة المياه العربية في سواحل عُمان والخليج العربي في مطلع القرن السادس عشر، لفت انتباههم النفوذ الواسع والقوة الضاربة التي حازها الجبور، فتحدثوا عنهم في تقاريرهم بكثير من الاحترام الممزوج بالرهبة والخوف. وحين اطلع (Miles) على بعض ما كتبه البرتغاليون ــ أمثال البو كيرك ــ عن الجبور، علق على ذلك بقوله: ((إنه ليبدو حقاً بأن بني جبر كانوا خطرين إلى حد كبير، وأن أمرهم قد بقي حتى الآن لغزاً لم يحل))( ).
وقد كتب البرتغاليون في ذلك وهذا مما أثار دهشة هذا الكاتب لسبب مهم جدا، وهو أن إمارة أو دولة الجبور كانت هي الوحيدة من بين الكيانات السياسية العربية في المنطقة التي لم تستسلم للبرتغاليين أو تخضع للبرتغاليين بل واجهتهم بتحدٍ واضح منذ وطأت أقدامهم أرض عُمان عام 1507م( ).
والجبور أو آل جبر بن زامل، يعود أصلهم إلى قبيلة من قبائل نجد نزحت إلى الأحساء سنة 821هـ/1418م. واستأثر بحكم الأحساء سيف بن زامل بن حسين العقيلي الجبري، وبعد أن انتصر على آخر ولاة الجراونة بقايا القرامطة في الأحساء. ولما مات سيف بن زامل تولى الحكم في الأحساء بعده أخوه أجود بن زامل بن حسين الجبري الذي استنجد به السلطان سرغل بن نور شاه ملك هرمز ضد أخيه الذي نازعه الملك سنة 880هـ/ 1475م. ولما أعانه أجود بن زامل في استرداد ملكه وهبه حكم القطيف والبحرين. وبعد وفاة أجود تولى ابنه سيف بن زامل الذي وسّع أطراف امارته على حساب جيرانه، فاستولى على عمان من أميرها سليمان بن سليمان بن نبهان سنة 893هـ/ 1487م، وولى عليها أميرا من قبله هو عمر بن الخطاب الأباضي أو الخروصي( ).
واما الابن الآخر لأجود بن زامل واسمه مقرن فقد حكم البحرين وعمان في النصف الأول من القرن العاشر الهجري. وفي عهده استولى البرتغاليون على البحرين سنة 928هـ/ 1521م وقتلوه بعد عودته من الحج في تلك السنة( ).
وينتسب الجبور الذين أسسوا الإمارة إلى جدهم الأكبر (جبر العامري) الذي كان قد قضى على ملك بني جروان وانتزاع الأحساء من ملك هرمز، واتخذها قاعدة لتوسعاته في شرق شبه الجزيرة والبحرين وذلك في حدود عام 1417م( ). إلا أن المؤسس الحقيقي والفعلي لتلك الإمارة الكبيرة هو زامل بن حسين بن ناصر بن جبر العامري بين عام 1439 ـ 1440م، وذلك بعد أن فرض سلطانه الفعلي على الأحساء والقطيف وأجزاء واسعة من إقليم نجد( ). كما استطاعت قبائل بني عامر بقيادة الجبور في عهد زامل الجابري هذا، من التغلغل في مناطق عُمان الشمالية باعتبارها أكثر الأجزاء انفتاحاً على البحرين والأحساء وأقرب المناطق إليها، وبذلك كان الجبور آخر مجموعة قبلية استقرت في عُمان في القرن الخامس عشر الميلادي( ).
وازداد النشاط التجاري بين سواحل بلاد البحرين والجاز إثر تدهور الأوضاع الأمنية بسبب انتشار الفوضى والاضطرابات والدمار في كل من العراق وإيران والأناضول وشمال الشام بعد حروب المغول ضد القوى القبلية في إيران وبينهم وبين الدولة العثمانية. وقد رفع هذا الوضع المضطرب من شأن ومركز إمارة الجبور الفتية في المنطقة وزاد بالتالي من قوتها وسيطرتها على طرق تجارة القوافل في شبه الجزيرة العربية فتطور مصدر رزقهم وازدادت فوائده المادية الكبيرة لإمارتهم، وربما كانت حاجة الدول المتحاربة في الشمال الشرقي حول الخليج العربي لوسائل المواصلات في الحرب آنذاك (الخيول العربية والجمال)( ) قد أدى إلى أن يجني بنو عامر فوائد مادية كبيرة من ذلك.
حكام إمارة الجبور:
شهد عهد الجبور مجموعة من الحكام قام على أكتافهم عملية تأسيس الدولة التي دامت حوالي قرن ونصف القرن من الزمن، وشهدت البلاد في عهد بعضهم تطوراً ونماء ورخاء في أكثر من مجال، وأهم هؤلاء الحكام:
أجود بن زامل العامري: يعد المؤسس الأول (زامل بن جبر العقيلي) الذي توفي على الأرجح في 866هـ/ (1460م)، حكم الإمارة الشيخ أجود بن زامل، ويمثل عصره مرحلة ازدهار وقوة واتساع لإمارة الجبور التي بلغت إلى أقصى مداها في شبه الجزيرة العربية والخليج. وقد حمل أجود بن زامل لقب ((السلطان)) بسبب هذا الملك العريض، كما حمله أيضا من جاء بعده من أمراء الجبور. وكان هذا اللقب يعني آنذاك أن حامله هو حاكم مستقل يتمتع بكامل السيادة في بلاده( ).
قال شمس الدين السخاوي في ((الضوء اللامع))( ) عن هذا السلطان ((أجود بن زامل العقيلي الجبري النجدي الأصل المالكي، مولده ببادية الحساء في رمضان سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، وقام أخوه سيف بن زامل على آخر ولاة بني جروان حين رام قتله. وكان الظفر لسيف، ولما مات خلفه أخوه أجود واتسعت مملكته، بحيث ملك البحرين وعُمان، وانتزع مملكة هرمز من ابن أخ الصرغل، وكان رئيس نجد ذا أتباع يزيدون على الوصف، مع فروسية، وقد تعددت في بدنه جراحات كثيرة، وله إلمام ببعض فروع المالكية، واعتناء بتحصيل كتبهم، استقرت في قضائه بعض أهل السنة منهم بعد أن كانوا شيعة، وأقام الجمعة والجماعات، وأكثر من الحج في أتباع كثيرين يبلغون آلافاً مصاحباً للتصدق والبذل)).
وقد وصف المؤرخ (السمهودي) السلطان أجود ـ وكانت له صلة قوية به ـ بأنه ((رئيس أهل نجد ورأسها، سلطان البحرين والقطيف، فريد الوصف والنعت في جنسه صلاحاً وأفضالاً وحسن عقيدة، أبو الجود أجود بن زامل بن جبر))( ).
وقد قام السلطان أجود بتقوية صلاته التجارية مع ساحل المليبار بالهند، وذلك ما نستشفه من بين ثنايا الرسالة التي أرسلها له الوزير عماد الدين حمود بن أحمد الشهير (بخواجه جيهان) وهو من أشهر رجال السلطنة البهمنية في الهند حوالي عام 1470م( ).
وقد كانت فترة أجود البجري مليئة بالصراعات الداخلية القريبة من مملكته، كما حدث بين أفراد الأسرة الحاكمة في هرمز، واستعانة أحد الأخوة من أمراء هرمز بأجود لتثبيت حكمه، والصراع المستمر بين النباهنة والأئمة الأباضية في عهد ملكهم سليمان بن سليمان مما وفر للسلطان أجود الأجواء المناسبة لمد طموحه ونفوذه للخليج وعُمان الداخل، فأرسل قوات كبيرة إلى عُمان بقيادة ابنه سيف لمساندة الإمام عمر بن الخطاب الخروصي، الذي فقد ملكه عام 1487م في صراعه مع النبهانيين. وقد نجحت قوات الجبور ـ كما يذكر ابن ماجد ـ في طرد زعيمهم سليمان وتنصيب الخروصي مرة أخرى إماماً على عُمان، وكان ذلك في نظير أن يقدم الأئمة جزءاً من حاصلات مناطقهم الزراعية إلى الجبور سنوياً( ).
ولا أدلَ على قوة الجبور وانتشار نفوذهم مع مطلع القرن السادس عشر الميلادي أكثر من مواجهتهم للبرتغاليين في أول دخولهم للمياه العربية في الجنوب العُماني. مما يذكره ما يلزم (Miles) أنه عندما حاصر البوكيرك مسقط عام 1507م، سارع أحد زعماء الجبور على رأس قوة كبيرة لنجدة المدينة( ). وكذلك إرسالهم قوة أخرى لنجدة صحار لما لها من صلات وعلاقة قوية بالداخل العُماني الذي كانت أجزاء منه تحت سيطرة الجبور فعلاً آنذاك. وكان لصحار أهمية في تجارة الخيول. ومما ساعد على امتداد نفوذ الجبور إلى عُمان الداخل وبعض أجزاء من الساحل هو نزاع الأئمة الأباضيين في عُمان في تلك الفترة. وتسجل لنا المصادر البرتغالية حينها انه وصلت لصحار قوة حربية قوامها سبعة آلاف مقاتل من قبيلة الجبور، انه لولا استسلام حاكمها المبكر للبرتغاليين لكان لوصول هذه القوة شأن آخر في تغيير وضع صحار( ).
وهاتان الحادثتان في مسقط وصحار تدلان بشكل واضح على أن الجبور ـ رغم إمكاناتهم ـ كانوا أول القوى العربية في المنطقة التي بدأت تقاوم الغزو البرتغالي منذ اللحظة التي وصل فيها للسواحل العربية لأول مرة. ولذا تحدث البرتغاليون بتعظيم وأهمية عن هذه الدولة وهم في بداية مشروعاتهم العسكرية لضرب تجارة العرب في الخليج العربي. ويذكر البوكيرك في مذكراته اليومية أثناء فترة غزو الجنوب العُماني ((أن مسقط كانت جزءاً من مملكة هرمز، أما الجزء الداخلي من البلاد فيخضع لحاكم يدعى بن جابر (Ben Jabar) ولهذا الحاكم شقيقان لذا فقد قسمت السلطة بين جابر وأخويه. وتمتد سلطة ابن جابر إلى عدن، ومن الشمال تمتد إلى ساحل بحر الخليج، ومنه إلى حدود مكة))( ). وهذا ما يؤكده مؤرخون برتغاليون آخرون مثل باروس الذي يصف الشيخ ابن جبر بأنه كان يحكم المساحة التي تمتد من البحرين إلى ظفار في عُمان وهي في حدود خمسمائة فرسخا( ). وربما كانت الحقيقة وراء هذا القول ـ خصوصاً وأن البرتغاليين لا يعلمون الكثير عن داخل شبه الجزيرة العربية ـ مرده إلى أن الجبور كانوا يغيرون على هذه المناطق ومنها موانئ ساحل عُمان ويجبرونها على دفع نوع من الضريبة أو الأتاوة لهم( ).
وقد تزامن وصول الغزو البرتغالي للجنوب والخليج العربي وانتشاره في تلك المناطق والبحار مع وجود السلطان (محمد بن أجود) على رأس السلطة في إمارة الجبور. وكان لابد أن يترك اضطراب التجارة في المياه الشرقية أثره على الوضع السياسي والاقتصادي لإمارة الجبور في أعقاب ذلك الغزو، إذ كانت الأحداث أكبر من أن تستطيع هذه الدولة أن تتغلب عليها وتصمد في وجهها، خصوصاً وقد أعد البرتغاليون حملتين ضد هرمز بعد عام 1508م، كانتا على التوالي في عامي 1514 ــ 1515م، استطاعوا بعدها إحكام السيطرة على هذه المملكة وممتلكاتها وموانئها، وصاروا يتحكمون في مداخل الخليج العربي وبعض أجزاء من سواحله. وبذا أصبح البرتغاليون في صراع مباشر مع الجبور. وبما عرف عن البرتغاليين من تفوق في قوتهم البحرية، وباتباعهم حيل سياسية واضحة بالتخفي وراء ادعاءات مملكة هرمز بحقوقها في البحرين والقطيف، تراجع الجبور وضعفت قوتهم( ).
أضف إلى ذلك، تلك المصاعب التي واجهت الدولة في عهد محمد بن أجود حيث أنها كانت تقع عند حدود القوى الإسلامية الثلاث الكبرى المتصارعة آنذاك في المشرق الإسلامي في وقت ظهور الغزو البرتغالي، وهي (الصفويين ــ العثمانيين ــ المماليك). وكان لابد للجبور أن يحددوا موقفاً مما كان يدور حولهم بين هذه القوى من حروب وهزائم وانتصارات، حيث أن الحياد الإيجابي لم يكن ينفع في ذلك الوقت. وغالباً فقد كان الجبور ــ مع عدم وجود معلومات مؤكدة حتى الآن ــ يميلون للتعاون والاتصال بالعثمانيين، خصوصاً بعد خضوع الحجاز للعثمانيين عام 1517م، بعد فتح مصر وسقوط الدولة المملوكية. هاك دليلان على ذلك:
1ــ وجود عشرين جندياً تركياً (التفنكَجية) كما كان يطلق عليهم آنذاك، مع جيش السلطان (مقرن الجبري) حين تصديه للغزو البرتغالي على البحرين ولكن كما يبدو فأن دورهم اقتصر على تدريب جيش الجبور على الأسلحة الحديثة من بنادق ومدافع( ).
2ــ وجود ارتباط غير مباشر بين العثمانيين والجبور في قيام علاقة المصاهرة بين شريف مكة الذي يدين بالولاء للعثمانيين وبين زعيم الجبور مقرن بن زامل حيث زوج الأخير إبنته لهذا الشريف( ).
وسوف نبدأ الحديث من عام 913هـ وهو العام الذي تلى حج أجود بن زامل الذي أرخه بعض أعلام التاريخ المعاصرين لهذا الحدث( )، تبدأ أحداث جسام خيمت على مياه الخليج كان أعظمها هو وصول الغزاة البرتغاليين حيث بدأ مرحلة عصيبة لم يشهد أبناء الخليج مثلها.
مقرن بن زامل الجبري: وهو الحاكم الخامس في سلالة أسرة الجبور الحاكمة في شرق الجزيرة العربية وعُمان الداخل، وقد صار مقرن سلطاناً على الجبور في العقد الثاني من القرن العاشر الهجري السادس عشر الميلادي. ويعتقد أنه ربما لجأ إلى العنف في بعض الأحيان ليصحح وضع الإمارة المعوج في ظل وجود أعمامه الضعاف الذين اقتسموا بعض الأملاك، وخاله صالح بن سيف الجبري الطامع في الحكم. ويبدو أن صالحا كان قد استولى على الأحساء لفترة من الوقت بمساعدة بعض القبائل المناهضة لمقرن، ولذا سمي (السلطان بن السلطان)( ).
ويبدو كذلك أن السلطان مقرن استطاع بقوته وحنكته السياسية أن يحافظ على وحدة البلاد وعلى هيبة الجبور، فقد نجح في إخضاع قبائل كبيرة كانت متمردة( ).
وقد كان سبب ذيوع صيت مقرن وانتشار شهرته واسمه بين آفاق شبه الجزيرة العربية والخليج هو نجاحه في إفشال هجوم (خواجه عطار) وزير بلاط هرمز على البحرين في نفس عام تولي مقرن السلطة (1511م). وقد وصف ابن إياس مقرناً بأنه ((أمير عربان بن جبر، متملك جزيرة ما بين النهرين (البحرين) إلى بلاد هرمز الأعلى،سيد عربان الشرق على الإطلاق))( ).
وقد قامت عدة حملات برتغالية في عهد مقرن لغزو البحرين منذ عام 1514م حين حاول بيرو البوكيرك ذلك وفشل، ثم الحملات اللاحقة حتى حملة عام 1521م التي أدت إلى سقوط إمارة الجبور في البحرين والى تدهورها في الأحساء بعد ذلك.
العلاقة بين دولة الجبور ومملكة هرمز:
كان للعلاقة ما بين البحرين أو إمارة الجبور تحديداً، وبين مملكة هرمز وحكامها في القرن الخامس عشر الميلادي، أثر كبير في الأوضاع السياسية والاقتصادية بمنطقة الخليج العربي وقد أدى تدهو تلك العلاقة ووصولها إلى قمة مراحل التنافر، إلى احتلال البحرين من قبل البرتغاليين والهرامزة معاً عام 1521م.
لابد أن نشير هنا إلى أنه منذ بداية النصف الثاني من القرن الثامن الهجري، الرابع عشر الميلادي، كانت كل من القطيف والأحساء تدينان بالتبعية لمملكة هرمز، في حين أصبحت جزيرة البحرين تُحكم من قبل حكام يعينون مباشرة من قبل ملوك هرمز( ). وظل ملك هرمز (قطب الدين فيروز شاه تهتمن) الذي حكم حتى 1417م، يلقب بملك ((هرمز والبحرين والحساء والقطيف)). وهذا الحال استمر ما دام لملوك هرمز هيبتهم ونفوذهم في المنطقة وكان ذلك يساعد على تثبيت الأوضاع السياسية في بلاد البحرين أيضا( ).
آل شبيب يقصون آل جبر من الأحساء
تولى مقرن بن زامل زمام السلطة في إمارة الجبور في حدود سنة 921هـ/ 1515م الذي تزامن مع بداية ظهور أطماع الصفويين والهرمزيين والبرتغاليين في بلاده، والتي كانت تضم البحرين والأحساء والقطيف، إضافة إلى أجزاء واسعة من نجد وعمان، وقد تزايدت تلك الأطماع بعد أن رافقتها مخاوف عدة من تصاعد قوة مقرن واتساع نفوذه.
ولم يكن آل شبيب، وهم في البصرة، بمعزل عما يجري في إمارة الجبور، بل لعلهم متورطين في بعض أحداثها. فبعد أن أطاح مقرن بن زامل بحكم خاله السلطان صالح، لجأ الأخير، على أرجح تقدير إلى البصرة كما يرى المؤرخ الحميدان، وطلب مساعدتهم. ولعل المعارك التي خاضها السلطان المعزول ضد السلطان الجديد مقرن، كانت بدعم من آل شبيب، وذلك بالإيعاز إلى حلفائهم الأقوياء، كقبيلة بني خالد وبني لام (الفضول)، بتقديم المساعدة إليه, وإذا ما كان قد حدث هذا فعلاً، فلعله يفسر لنا سبب قيام أسطول السلطان مقرن بمهاجمة المراكب التجارية المترددة على البصرة، إن لم يكن هناك سببا آخر غير ذلك( ).
لم يقف آل شبيب في تآمرهم على السلطان مقرن عند هذا الحد، بل قاموا بمحاولة التقرب من البرتغاليين والتحالف معهم ضده، حيث نجد أن الشيخ محمد بن مغامس الفضلي، سلطان البصرة يبعث برسالة إلى دي سكويرا De Sequeira حاكم الهند البرتغالية (1518 ـ 1522م) سنة 1519م (952هـ) تتضمن استعداده لدفع مبلغ 1200 لك أشرفي إذا ما ساندوه في الاستيلاء على البحرين والقطيف، واللتين سوف يعترف بتبعيتهما لملك البرتغال. وقد قام دي سكويرا بدوره بإرسال تلك الرسالة إلى العاصمة البرتغالية لشبونة للحصول على موافقة ملك البرتغال عليها.
ومما يجدر ذكره، أن الباحث يجد صعوبة في معرفة أهداف سلطان البصرة ودوافعه من تلك الرسالة بشكل دقيق، إلا أنها لاتعدو أن تكون محاولة منه للرد على ما كان يقوم به السلطان مقرن من محاولات للإضرار بتجارة البصرة البرية والبحرية. أو أن يكون أوسع من هذا وهو الهيمنة بشكل مباشر على أهم موردي للثروة في تلك البلاد، وهما الخيول واللؤلؤ. يضاف إلى ذلك موارد طريق الحج الأحسائي. وإذا ما تحقق لآل شبيب ذلك فإنهم سيكونون، دون شك، من أكثر القوى ثراءاً في المنطقة.
على أن سلطان البصرة كان يدرك سلفا شدة طمع الهرموزيين في تلك البلاد وتكالبهم في الاستيلاء عليها، فهو يريد، دون شك إحباط مساعيهم هذه بأن يسبقهم إليها.
لكن رسالة سلطان البصرة هذه ربما كشفت للبرتغاليين أطماعه في البحرين والقطيف، والتي تمثل في الواقع، خطورة شديدة عليهم، إضافة إلى خطورة السلطان مقرن نفسه، مما دفع بهم إلى الإسراع في قطع الطريق عليه بضرب الاثنين معاً، وذلك بغزو تلك البلاد بالتعاون والتنسيق مع الهرموزيين والتي انتهت بالاستيلاء عليها سنة 927هـ/1521م وقتل سلطانها مقرن( ). لذا فإن رد ملك البرتغال الذي نقله القبطان دي ميرا De Meirat إلى سلطان البصرة، لم يصل إلا في شهر آب (أغسطس) سنة 1521م/ 927هـ( ). ويبدو أن الرد قد تضمن إبلاغ سلطان البصرة بقرب القيام بحملة عسكرية هرموزية ــ برتغالية مشتركة ضد السلطان مقرن الجبري، وهو ما كان قد تم فعلاً في الشهر المذكور أعلاه.
لقد كان لتلك الحملة آثاراً عميقة على كيان الجبور. فبعد قتل سلطانهم القوي مقرن وانتزاع أغنى ممتلكاتهم، جزيرة البحرين وميناء القطيف، الأمر الذي أربك أوضاعهم على الأصعدة كافة، خاصة بعد أن أظهر سلاطينهم الذين تولوا حكم الأحساء، عقب هذا الحدث الخطير، عجزهم وعدم جدارتهم على انتشال البلاد من وهدتها التي هي فيه، مما أفقد إمارتهم تلك المكانة البارزة التي كانت عليها في السابق.
وكان طبيعياً أن تبرز الخلافات والإنقسامات داخل البيت الحاكم( )، وأخيراً لابد أن نشير إلى أن النزاع بين آل شبيب وابن عليان الطائي، والذي كان قائماً منذ عدة سنوات( )، ليس هو بالخطر الداهم الذي قد يحدق بالبصرة.
إن آل شبيب حزموا أمرهم وقاموا بالتدخل عسكرياً في شؤون الأحساء بقيادة راشد بن مغامس، في أوائل عام 931هـ/ أواخر عام 1524م أو أوائل العام الذي تلاه( )، مما يحمل على الاعتقاد بأنَّ توقيته كان مرتبطا أشد الارتباط بالأوضاع السائدة في المنطقة، والتي أشرنا إليها، إضافة إلى أوضاع الجبور أنفسهم. إلا أننا لا نملك معلومات كافية، مع الأسف، عن خطط هذا التدخل، ولا عن الكيفية التي تم بها، فمصدرنا الوحيد هو الجزيري وما علينا سوى التأمل جيداً في ألفاظه ومراميه.
إن خطط التدخل قد أعدت بتكتم شديد، ومسيرتها لم تكن توحي بمقصدها وهدفها لحين وصولها إلى الأحساء، وانضمام جميع المشاركين بها والمتحمسين لفكرتها. وهنا يقتضي القول، أنه من المستبعد أن يكون زعماء الجبور قد فكروا فيما سوف يقدم عليه الشيخ راشد عقب ذلك، حيث يحتمل أن كرههم الشديد لحاكمهم ولهفتهم إلى رؤيته وقد أطيح به، حجبت عنهم تصور ما سيحدث لبلادهم مستقبلاً. في حين كان الشيخ راشد من جهته، قد حزم أمره وبيَّت ما كان ينويه وأعد الوسيلة التي يعتزم اتباعها، وهو ما نفذه فعلاً، ونجح فيه.
ولعل كريستوفاو دي مندوزا Cristovao de Mendoca، قبطان هرموز، أي حاكمها البرتغالي، (1527 ــ 1530م)، كان يشير إلى سلوك راشد السياسي حينما تحدث عنه في رسالته لملك البرتغال واصفاً إياه بقوله: ((إنه قد تمكن بدهائه من الاستيلاء على كل البلاد التي هي بحوزته الآن))( ).
زوال إمارة الجبور سنة 931هـ ــ 24/1525م:
يعتبر عام 931هجرية أي عامي 24/1525م هو العام الفعلي لزوال إمارة الجبور كما ورد في أحداث ومجريات قتل الشيخ مقرن ودفنه في القطيف سنة 927هجرية، ولقد أفل نجم الجبور في سلطنتهم بالبحرين والقطيف( ) حيث حل محلهم آل فضل وصار شيخهم راشد حاكماً على البصرة والقطيف والأحساء في آن واحد.
بدأ من عام 931هـ ــ 1525م حيث حكم الأحساء، ثم الأحساء والبصرة عام 934هـ ــ 1528م ثم البصرة والأحساء والقطيف سنة 944هـ ــ 1537م حتى وفاته 946هـ ــ 1539م.
يرى الحميدان معلقاً على الجزيري: بأن القطيف لم تكن تحت حكم راشد سنة 931هـ ــ 24/1525م.
يرى الحميدان معلقا على الجزيري: بأن القطيف لم تكن تحت حكم راشد سنة 931هـ 24/1525م إذ إن مقتل مقرن كان سنة 927هـ وهذا يعني ان راشداً استولى على القطيف بعد عشر سنوات كما يرى الحميدان مما يدل على أن استيلاءه على القطيف كان سنة 936هـ على أقل تقدير ــ بتحليل الحميدان ــ ويقول في عبارته: (وهنا يقتضي تصحيح خطأ تاريخي وقع فيه الجزيري نفسه حينما أقحم القطيف ضمن ما استولى عليه الشيخ راشد في أثناء حملته هذه، فالقطيف كانت في الواقع قد خرجت من أيدي الجبور قبل ذلك بمدة من الوقت (يقصد سنة 927هـ) إذ هي في تلك الأثناء كانت تحت حكم الهرمزيين (يقصد إدارة هرمزية من البرتغاليين) ولم يتسن لراشد الاستيلاء عليها إلا بعد مضي أكثر من عشر سنوات من استيلائه على الأحساء( ).
وقد قال الحميدان معلقاً على قول الجزيري: (قوي عليهم وأخذ منهم الحسا والقطيف وأعمالها)( ).
وفي هذا العام وصل إبراهيم باشا الصدر الأعظم إلى مصر في أوائل عام 931هـ ــ 1525م على رأس قوة عثمانية كبيرة إثر عصيان واليها أحمد باشا، وبقي هناك فترة طويلة نسبياً، الأمر الذي جعل البرتغاليين يتوجسون من احتمال خروجه على رأس حملة بحرية من هناك تستهدفهم في بحر العرب( ) والخليج وهو ما يحتاط له البرتغاليون دائماً( ).
راشد بن مغامس سلطاناً على الأحساء
يحلل عبد اللطيف الحميدان مسألة السلطنة تحليلاً جيداً، فقال:
في البداية يجدر بنا الوقوف عند نقطة هامة تتعلق بما أثاره المؤرخ الجزيري من إشكال تاريخي حينما وصف راشد بن مغامس بأنه سلطان البصرة، عندما قام بحملته على الأحساء. ويدخل في هذا الصدد قوله أيضاً: بأن الشيخ راشد، بعد إكمال مهمته بنجاح في الأحساء.. عقد ولاية البصرة لأخيه محمد وأقام هو بالحسا والقطيف( ).
إن استقراء الوقائع والأحداث والتدقيق في المصادر القريبة منها، يتضح خطأ التصور الذي ذهب إليه الجزيري. فراشد لم يكن في الواقع سلطاناً على البصرة أثناءها بل أخوه الأكبر محمد كان هو سلطانها( )، أما راشد فلم يكن سوى ساعده الأيمن والمشارك النشط في إقامة إمارة آل شبيب، والمتميز بشجاعته وحنكته بين أبناء مغامس. أما توليه قيادة حملة الأحساء فلأنه الرجل الكفء لهذه المهمة بما اشتهر عنه كقائد قدير للمنتفق، بل وقد يكون إسناد قيادتها له قد تم برغبة شخصية منه، وباتفاق مع زعماء الأحساء، أنفسهم والذين هم على اتصال معه. ويدخل في هذا التعليل أيضاً احتمال أن تكون العلاقة بين الأخوين محمد وراشد قد أصابها توتر، وفتور خلال هذه الفترة، كما سوف نشير إليها بعد بضعة اسطر، الأمر الذي دعا راشد إلى أن يبتعد عن البصرة برغبته الشخصية، أو أن أخيه محمد هو الذي رغب بذلك.
ويلاحظ أن أقوال الجزيري تفتقر إلى الدقة أيضاً، في جانب آخر غير ما ذكرنا، فهو قد جعل استيلاء الشيخ راشد بن مغامس على القطيف قد تم جنباً إلى جنب مع استيلاءه على الأحساء( ). فالوقائع تناقض ذلك،إذ أن القطيف، وكما سبق أن مر بنا، كان قد تم استيلاء الهرموزيون عليها بمشاركة البرتغاليين سنة 927هـ/ 1521م، وأنها بقيت تحت حكمهم، فترة طويلة نسبياً إلى أن انتزعها الشيخ راشد منهم في سنة 945هـ/1538م.
إن السلطان راشداً كان قد تعرف جيداً على احوال الخليج العربي وعلى الأهمية الاقتصادية للبحرين، وذلك أثناء إقامته الطويلة في تلك الجهات، وأدرك حاجته للقوة البحرية أكثر من ذي قبل. لذا فإنه حذا حذو السلطان الشهيد مقرن الجبري، وباشر بإنشاء تلك القوة مستفيداً من الكفاءات في ميدان البحرية التي بقيت في بلاد البحرين بدون عمل إثر تدمير البرتغاليين لأسطول السلطان مقرن إضافة لخبرة أهل الحساء، بأمور البحر، واستخدام الحرفيين من الترك في ميدان النجارة وسلاح المدفعية والبنادق( )، والذين جاءَ بهم، على الأغلب من الحجاز. لكن هذا العمل من جانب السلطان راشد، أكد مخاوف الهرامزة والبرتغاليين على حد سواء مما يضمره راشد من نوايا وأهداف. فسياسة البرتغاليين في الخليج لاتختلف عن مثيلاتها من دول الاستعمار الأوربي التي أعقبتها، فهي تسعى بشكل دائم إلى إبقاء سكان المنطقة في حالة ضعف، وذلك بمنعهم من بناء قواهم الذاتية على الأصعدة كافة، وخاصة في ميدان القوة البحرية وامتلاك السلاح الناري، والذي أخذ في الظهور والانتشار في تلك الفترة. ومن هذا المنطلق بادر مندوزا قبطان هرموز، في أواخر صيف 1528م بإرسال رسالة تهديد إلى السلطان راشد بن مغامس، مطالباً إياه بتسليم ما بحوزته من سفن وأسلحة نارية، إضافة إلى الجنود الروك (الترك)، الذين كان يستخدمهم. فحاول السلطان راشد من جانبه تهدئة مخاوف البرتغاليين وكسب ثقتهم، لكنه فشل أمام إصرارهم وغطرستهم، ألأمر الذي أدى إلى إثارة نزاع فيما بينهما، استمر بضع سنوات، من دون أن يخضع سلطان آل شبيب للضغوط العسكرية، والاقتصادية البرتغالية التي مارسوها ضده بل وقف بصلابة في مواجهتها( ).
أن فشل البرتغاليين في إخضاع السلطان راشد لمشيئتهم، رافقه فشل آخر أكبر من سابقه، وشكل كارثةعليهم، وذلك حينما عجزوا عن انتزاع البحرين من الرئيس بدر الدين الفالي وإحلال حاكم آخر بدلا عنه( )، وذلك في أعقاب اعتقالهم لابن عمه وصهره الرئيس شرف الدين لطف الله الفالي. ولابد أن تكون هذه النكسات التي أصابت البرتغاليين سنة 1529م، هي فرصة مناسبة عسكريا لكي يتحرك السلطان راشد أو ولده مانع حاكم الأحساء، نحو القطيف التي كانوا يتطلعون ــ ولا شك ــ إلى انتزاعها مع البحرين، لكنهما، فيما يبدو، فضلا التريّث لوقت آخر أكثر ملائمة. على أنه من المحتمل أن الضغط المتواصل الذي كان يمارسه آل صبيح، من بين خالد، على القطيف، وهجماتهم المتكررة عليها( ) كان يتم بتحريض غير مباشر منهما.
يشير المؤرخ الحميدان إلى إستنتاج جيد بقوله:
((ومن الجدير بالذكر أن الذين كانوا يتولون أمر الدفاع عن القطيف بشكل رئيسي، في هذه الأثناء، ويتصدون لهجمات بني خالد (آل صبيح)، هم بنو جبر أنفسهم بقيادة الشيخ فضيل الزامل الجبري. على أن هذا الحدث ذاته يمثل أقدم إشارة وجدناها تخص استقرار بني خالد في المنقطة، إضافة إلى استمرار الجبور أيضاً، كقيادة مستقلة وقوة نشطة، تمارس دوراً سياسياً وعسكرياً مؤثراً في المنطقة)).
إن السلطان راشد وولده الشيخ مانع شغلا عن أمر القطيف لفترة طويلة نسبياً بما هو أدهى وأمر، ذلكم أن حلفاء الأمس، وهم بنو خالد وبنو لام، قد توترت العلاقات معهما، وقد إنتهي الأمر إلى صدامات متكررة بينهما.
ولعل الوثيقة الهرمزية كانت تشير إلى بعض وقائع هذا الصدام، حينما ذكرت أن هاتين القبيلتين قامتا في أوائل سنة 941هـ/ أوائل صيف 1534م، بمهاجمة قافلة الحج الأحسائي. ولعل هذا قد حدث بعد انفصالها عن قافلة الحج البصري، فنهبوا منها أموالاً طائلة، مما حمل السلطان راشد وولده الشيخ مانع على القيام بمحاربتهما من دون أن نعرف نتائج هذا الغزو( ).
ثم أن هناك هاجساً أكبر شغل به آل شبيب، عن أي أمر آخر، ذلكم هو استيلاء السلطان العثماني سليمان القانوني على بغداد في شتاء عام 941هـ ــ 1534م وطرده.
الاحساء سنة 933هـ / 1527م:يبدو أن الأمور في الأحساء قد استقرت تماماً وأن تجارتها قد انتعشت في ظل الشيخ راشد بن مغامس ويروي الجزيري بأن الشيخ راشد بن مغامس قاد ــ شخصياً ــ سنة 933 هجرية إحدى قوافل الحجيج وكانت تضم خمسة آلاف حاج وقد وصفهم الجزيري بأنهم (من بلدان شتى) ولاشك بأن قافلة الحاج القطيفي ضمن الركب كما هو المتبع وهي عادة سكان السواحل في الخليج، ولاشك أن اجتياز هذه القوافل لمناطق نجد المختلفة دليل على هيبة حاكم الأحساء وصلاته الحسنة مع تلك الزعامات التي تمر بديارهم ويرى الحميدان بأن ذلك يعني أن نفوذ آل شبيب بدا يحل محل الجبور في أجزاء واسعة من نجد، بل إن بعضاً من تلك المناطق قد خضعت لحكمهم المباشر( ).
ويبدو أن الشيخ راشد قد عاد إلى البصرة بعد الحج مع قافلة حجاج البصرة في أخريات عام 933 هجرية وتولى الحكم فعلاً بعد وفاة أخيه محمد.
السلطان راشد في حجه سنة 933هـ كما يرويه الجزيري بقوله:
ونضع هنا نصاً أورده الجزيري عن السلطان راشد بقوله( ): ((سلطان الشرق: الشيخ راشد بن مغامس بن صقر بن محمد بن فضل، سلطان البصرة والحسا والقطيف، حج في سنة ثلاث وثلاثين وتسع مئة (هجرية) في ولاية الأمير تنم بن مغلباي على الحج، في نحو خمسة آلاف نفس على رواحل، ونزل الأبطح. وكانت ولايته على الشرق في سنة إحدى وثلاثين وتسع مئة هجرية، فاستقل بالبصرة واستعان به بنو جبر لضعف حالهم، فقوي عليهم، وأخذ منهم الحسا والقطيف وأعمالهما. وذلك لما استولى الأعداء من الفرنج المخذولين (يقصد البرتغاليين) على بلادهما( )، وقتلوا سلطانهم الشيخ مقرن بن زامل بن حسين بن ناصر الجبري في سنة سبع وعشرين وتسع مئة هجرية ثم وليها بعده عمه علي بن أجود نحو شهرين، فأخذها منها بن أخيه ناصر بن محمد بن أجود، فأقام ثلاث سنين، وأعطاها بيعاً لقطن بن علي بن هلال بن زامل، فأقام فيها نحو سنة، ثم مات فخلف ولده، ثم عجز عنها، ودفعها لغصيب (قضيب) بن زامل بن هلال فأقام بها نحواً من سبعة أشهر، فأخذها منه بالحرب الشيخ راشد بن مغامس وولى البصرة أخاه محمداً، وأقام هو بالحساء والقطيف، وخرج للحج منها صحبة الشيخ يحيى بن أخيه محمد، والشيخ مهنا، وقاضيهم الشيخ العلامة جمال الدين محمد بن عبدالعزيز الشهير برفرف (زقزاق) المكي البصري، الشافعي. ولحقهم السلطان الشيخ راشد بالطريق بعد نصف شهر، ورافقهم قوم كثير من بلدان شتى.
مانع حاكما للاحساء سنة 934هـ ــ 27/1528م:
عاد الشيخ راشد إلى البصرة وذلك لأسباب كثيرة منها أن وفداً أقنعه بالعودة لكبر سن أخيه حاكم البصرة، وهذا يعني أنه ولى حاكماً في الأحساء ينوب عنه، إنه ابنه مانع( ).
السلطان راشد بن مغامس يتلقى رسالة برتغالية سنة 935هـ / 1528م:.
إن مخاوف البرتغاليين تكمن في امتلاك العرب الأسلحة النارية التي انتشرت بين العرب منذ أكثر من قرن من الزمان وبدأوا يصنعونها، وفي ظل هذه المخاوف بادر القبطان مندوزا (قبطان هرمز) في أواخر صيف 1528م بإرسال رسالة تهديد إلى السلطان راشد بن مغامس، مطالباً إياه بتسليم ما بحوزته من سفن وأسلحة نارية، إضافة إلى الجنود الروم (الأتراك) الذين كان يستخدمهم، فحاول السلطان تهدئة مخاوف البرتغاليين وكسب ثقتهم، ولكنه فشل أمام إصرارهم وغطرستهم، الأمر الذي أدى إلى إثارة نزاع فيما بينهما، استمر بضع سنوات دون أن يخضع سلطان ال شبيب للضغوط العسكرية والاقتصادية البرتغالية التي مارسوها ضده بل وقف بصلابة في مواجهتها( ).
يشير الحميدان إلى: أن فشل البرتغاليين في إخضاع السلطان راشد لمشيئتهم، رافقه فشل آخر أكبر من سابقه، وشكل كارثة عليهم، وذلك حينما عجزوا عن انتزاع البحرين من الرئيس بدر الدين الغالي وإحلال حاكم آخر بدلاً عنه، وذلك في أعقاب اعتقالهم لابن عمه وصهره الرئيس شرف الدين لطف الله الفالي( ).
ولابد أن تكون هذه النكسات التي أصابت البرتغاليين سنتي 1528 و1529م فرصة مناسبة عسكرياً لكي يتحرك السلطان راشد حاكم البصرة أو ولده حاكم الأحساء نحو القطيف التي كانوا يتطلعون ــ ولاشك في ذلك لانتزاعها ــ هي والبحرين من سيطرة الهرامزة، لكنهما فضلا التريُّث، فيما يبدو لوقت آخر يكون أكثر ملاءمة، على أنه من المحتمل أن الضغط المتواصل الذي كان يمارسه آل صبيح من بني خالد على القطيف وهجماتهم المتكررة عليها كان يتم بتحريض غير مباشر منهما( ).
ملك الأحساء يتوجه إلى القطيف سنة 935هـ/ 1529م:
في عام 1529 ميلادية تواترت الأصداء بأن هناك محاولات من ملك الأحساء للسيطرة على القسم الشمالي من الخليج وذلك من خلال رسالة بعث بها وزير هرمز ركن الدين إلى الوزير المعزول شرف الدين والرسالة لاتحمل تاريخاً. ولقد عرفت الرسالة بأنها تعود للعام المذكور من خلال وجود شرف الدين بالمنفى ووجود القبطان (مرتين أفونصو دوميلو) على رأس إدارة هرمز حيث خص الوزير جل رسالته لأحوال الخليج وعلى رأسها البحرين والقطيف والبصرة، وأهم ما يتجلى في قراءتها المحاولات الجادة التي بذلها ملك الأحساء ابن راشد للسيطرة على تلك المواقع المهمة، فقد أكد الوزير في رسالته على: (أن ملك الأحساء مقبل على القطيف وعازم على الاستيلاء على البحرين) وقد كان هناك تدخل لأعيان الأحساء والقطيف، إلا أن إبن راشد استمر في عناده واستقر بالقطيف( ) ليسهل عليه الانقضاض على البحرين، وقد استاء أهالي الأحساء لذلك فعندما علموا بذلك وخصوصاً رجاله وباقي مرافقيه من سكان الأحساء حتى فر عنه أغلبهم بصحبة أبنائهم وزوجاتهم وكان من بين الأحسائيين الفارين إلى البحرين الشيخ محمد بن مسلم يرافقه صحبة من قومه. ومحمد بن رحال مع ذويه يرافقه كثير من الأحسائيين وطلبوا الحماية من والي البحرين وقد أجبرت هذه الهجرة ملك الأحساء إلى الالتحاق بالبصرة التي كان يطمع في حكمها، إلا أن سكانها هزموه حتى أنه لم يستطع الفرار إلا بصعوبة، وفي هذه الأثناء مات ملك البصرة وهذا الحدث جعل أهلها يغيرون موقفهم ويفتحون له الأبواب ويبايعونه ملكاً عليهم( ).
فتوسعت مملكته، وهذا يعني أن البصرة قد انضمت إلى مناطق حكمه، وقد جاء في مصطلح (شمال الخليج) أن (البصرة والقطيف والأحساء والبحرين) كانت تحت حكومة واحدة. وتشير أحداث عام 1529م إلى أن أهالي البحرين ثاروا لنفي المستشار الأول لشيخ هرمز إلى البرتغال، حيث أرسل الملك حملة لقمع هذه الثورة غير أنها فشلت نتيجة نقص استعداداتها، وكان السبب في ذلك نونو دي كونها حاكم المستعمرات البرتغالية في الهند( ).
ربما كان السلطان مانع يفكر في السيطرة على البحرين ولكنه أرجأ ذلك ولهذا هرب بعض الأحسائيين إلى البحرين( ).
ويضيف الحميدان قائلاً: ((فالهاجس المسيطر على الشيخ مانع في هذه الأثناء لم يكن البحرين، بل هو الاستيلاء على البصرة،إذ قد يكون قد خطط لذلك لكي يفاجئها بهجوم من جهة لا تتوقعه وهو طريق البحر والنهر. ولربما كان توقيته لمثل تلك العملية قد حسب بدقة لكي تحقق نجاحاً في أسلوب المباغتة، وهو أن يتزامن إبحار سفنه مع دخول عداد كبيرة من السفن إلى شط العرب لنقل تمور البصرة)).
ويمكن أن يضاف إلى ذلك أن من مزايا تلك الحملة على البحرين ــ إذا ما نفذت ــ، هو تحاشيها المقاومة البرية القوية إضافة إلى متاعب الطريق الصحراوي. وعلى وفق هذا التصور فإن الشيخ مانعاً سعى لكي يزج بسفن بلاده في تلك الحملة، دون الكشف عن نواياه واتجاهاته، الأمر الذي أثار التكهنات حول مقاصده. وبما أن البحرين هي الأقرب إليه، لذا فإن ورودها كهدف لذلك الحشد هو أمر متوقع، بل قد يكون الشيخ مانع نفسه هو الذي أشاع ذلك الخبر إبعاد الأنظار عن هدفه الحقيقي.
الشيخ مانع سلطاناً على البصرة والأحساء والقطيف سنة 949هـ ــ 1542م:
إن الوقائع والأحداث التي واجهها الشيخ مانع، تمثل دون شك فشلاً ذريعاً لسياسته ونياته، وكان يفترض فيه أن يعيد النظر فيها، لكنه أدار ظهره وصمم على تنفيذ ما كان قد اعتزمه، فظعن من القطيف ويمم شطر البصرة، عله يحظى بالفوز بآماله كافة.
إن حملته التي كان يريد لها أن تكون مباغتة هي التي فقدت ذلك العنصر، فتعرضت لهجوم مباغت جوار البصرة، مما أدى إلى تمزيقها وإصابة الشيخ مانع نفسه بجروح بليغة حيث لم ينج إلا بشق الأنفس( ). ومن غرائب الأقدار أنه لم يمض على اندحار الشيخ مانع وعودته خائباً إلى الأحساء، سوى فترة قصيرة حتى وافته الأنباء في أواخر سنة 949هـ ــ 1542م بوفاة الشيخ عثمان بن محمد الفضلي حاكم البصرة وتنصيب أبنه محمد خلفاً له، رغم صغر سنه. فما كان من راشد إلا أن انتفض مجدداً ونسي كل ما عاناه من نكسات وما تحمله من متاعب، وأخذ في حشد أتباعه، وتنظيم صفوفهم بصورة أفضل من سابقها، ثم سار بهم يحث الخطا نحو البصرة. وقد حالفه الحظ هذه المرة وفتحت له البصرة أبوابها فور وصوله، فدخلها دون أدنى مقاومة. بل لقي استقبالاً حاراً من أعيانها وكأنهم يقرون بأحقيته في حكمها الآن، حيث نصب فوراً حاكماً عليها( ).
نجح الشيخ مانع بن راشد الفضلي في تحقيق حلم طالما راوده وأمضى زهاء ثلاث سنوات وهو يكافح لكي يتوج على البصرة والأحساء والقطيف معاً، مثلما كان والده من قبل. لكن فرح السلطان مانع بفوزه هذا لم يدم طويلاً إذ لم يهنأ بمنصبه الجديد ما كان يأمل. فتوحد إمارة آل شبيب تحت قيادته أثار حسد خصومه في الداخل مثلما أثار مخاوفهم في الخارج، وعلى الأخص أثرياء الأحساء والقطيف الذين لجأوا إلى البحرين حيث لم يعد يشغلهم شاغل سوى التفكير بالانتقام منه، لذا وضعوا كل إمكاناتهم تحت تصرف حاكم البحرين محمود الفالي لكي يلحق الأذى بالشيخ مانع، الذي اختار أن تكون القطيف هدفاً له فقام بهجوم مباغت استهدف السفن الراسية في القطيف، فأحرق منها ما يقارب المئة والخمسين سفينة ما بين كبيرة وصغيرة( ) مما ألحق ضرراً كبيراً بأصحابها وبالنشاط التجاري لميناء القطيف.
ومن الطبيعي أن يثير هذا العدوان المبيت ثائرة الشيخ مانع، ويسارع إلى الرد عليه، فأمر بالاستيلاء فوراً على سفن أهل البحرين الراسية بالبصرة وشط العرب ومصادرة حمولتها( )،مما يعني أن ميدان الصراع بين محمود الفالي ومانع الفضلي قد امتد إلى البصرة.
على أن المهم في الأمر هو أن الإجراءات التي اتخذها الشيخ مانع ضد تجار البحرين لم تقابل فيما يبدو بارتياح في البصرة نفسها، وخاصة بين أوساط تجارها، حيث من المحتمل أن يكون بينهم عدد مؤثر من أصول أحسائية وقطيفية، فرأوا أن تلك التدابير سوف ينتج عنها ضرر بتجارة البصرة نفسها، فضلاً عن أن معارضيه استغلوها واتخذوها ذريعة لإثارة السخط والاستياء ضده( ).
وتعزو الوثيقة التي نستند إليها بهذا الخصوص سبب الإطاحة بحكم الشيخ مانع إلى تلك التدابير التي كان قد اتخذها بحق تجار البحرين، إلا أن هذا السبب الذي ذكر لا يكفي لتفسير ما وقع للشيخ مانع لاحقاً، إنما التأثير الضار لتلك التدابير على النشاط التجاري بالبصرة وعلى مصالح تجارها بالذات إضافة إلى أنه يكشف بوضوح عن الثقل السياسي الذي يتمتع به التجار في البصرة، وخاصة من ذوي الأصول الأحسائية والقطيفية، والدور الكبير الذي استطاعوا ان يلعبوه في الأوساط المختلفة، وفي خلق الأجواء التي ساعدت على الإطاحة بحكم الشيخ مانع( ).
ويقول عبداللطيف الحميدان: يفترض أن يكون أشد المتربصين بالشيخ مانع، هم أكثرهم قرباً وطمعاً بالسلطة، مما يحتم أن يكون أبناء عمومته على رأس المتآمرين عليه، وأن أخطاء الشيخ مانع وهفواته ساعدتهم على الاقتراب من مبتغاهم( ).
إن المعارضين نجحوا سريعاً في إرغام الشيخ مانع بن راشد على التخلي عن الحكم في البصرة، وذلك سنة 951هـ ــ 1544م وهو لم يكمل عامه الأول فيه، وأن يقبل اقتسام المملكة مع أبناء عمه، حيث تكون الأحساء والقطيف من نصيبه، أما البصرة فتكون من نصيب ابن عمه يحيى بن محمد بن مغامس الفضلي، والذي تم تنصيبه سلطاناً عليها إثر ذلك، في حين عاد الشيخ مانع إلى الأحساء( ).
الشيخ مانع يستعين بالبرتغاليين:
لم ينته التآمر على الشيخ مانع عند هذا الحد، بل لاحقه حتى وهو في الأحساء أيضاً. فما أن تولى ابن عمه يحيى بن محمد الفضلي، حكم البصرة، والذي وصف بأنه متحمس جداً لكسب صداقة البرتغاليين( )، حتى بادر إلى إعادة سفن البحرينيين المصادرة إلى أصحابها وعوضهم عما فقدوه من مال وأضرار( )، وكأن مبادرة أمير البصرة الجديد هي رسالة غير مباشرة لحاكم البحرين خاصة وللهرموزيين عامة، يعلن فيها تبرؤ أهل البصرة من أعمال أميرهم السابق الشيخ مانع، ومن تصرفاته، والذي لايزال وهو مقيم في الأحساء يمثل خطرا عليهم جميعا، مما يستوجب التعاون معها لمحاصرته هناك وفرض عزلة عليه.
وقد فهم حاكم البحرين سريعا تلك الرسالة، وحرص أمير البصرة الجديد على صداقته، فتجاوب معها وأجرى اتصالا بهذا الشأن مع قريبه الرئيس ركن الدين بهاء الدين الفالي، الوزير الأول لمملكة هرموز، ونقل اليه مخاوفه من احتمال تعرض بلاده للمخاطر نتيجة لعودة الشيخ مانع، الحاقد عليه، إلى الأحساء( ). وكان طبيعي ان يتجاوب الرئيس الفالي مع قريبه حاكم البحرين، خاصة وأن البحرين نفسه قد غدت، في واقع الأمر، إقطاعية لأسرة الرؤوساء الفالية يتقامسون منافعها وإيراداتها فيما بينهم، حيث يمتلكون قسما كبيرا من نخيلها ويسيطرون على معظم تجارتها( ). كما أن الرئيس الفالي نفسه وجد في الخطر المزعوم الذي يمثله مانع، فرصة لكي يزج بالبرتغاليين في عمل قد ينتهي إلى إضعاف قبضتهم على مملكة هرموز، مما يتيح له الفرصة لكي يتدبر مصالحه ومصالح أسرته وامر المملكة بعيدا عن ضغوطهم الشديدة.
ومن هذا المنطلق، بادر ركن الدين إلى التداول مع مرتينيو دي ميلو Martinho A. de Milo قبطان هرموز (1541 ــ 1544م)، بشأن البحرين، واقترح عليه إرسال أسطول برتغالي ليرابط هناك أو القيام باحتلال القطيف وبناء قلعة فيها لتكون دعامة لأمن البحرين. لكن دي ميلو رفض ذلك، محتجا بأن الأعباء الكبيرة التي تثقل كاهل حكومته بالهند تحول دون ذلك، واقترح بدلا من ذلك أن يقوم وزير البحرين نفسه بتجهيز مثل ذلك الأسطول، معتمداً على إمكاناته الذاتية وليستخدمه في احتلال القطيف، والتي سيكون حكمها بعدئذ خالصا على إمكاناته الذاتية وليستخدمه في احتلال القطيف، والتي سيكون حكمها بعدئذ خالصا له، ومن دون أن يطالب بالتزامات مالية تجاه سلطان هرموز. وقد تم تبني هذا الاقتراح في هرموز، وبعث كل من سلطانها وقبطانها برسائل إلى حاكم البحرين، كل على انفراد، يحثانه على العمل بهذا الاقتراح. لكن الحاكم المذكور محمود الفالي لم يتجاوب مع ما طلب منه، بالرغم من مغرياته المادية وحماس كل من محمد بن الرحال والشيخ محمد بن سلطان بن مسلم لتنفيذه، وذلك بوضع إمكاناتهم المادية الكبيرة تحت تصرفه( ). ويبدو أن وزير البحرين نظر إلى الأمر من زاوية بعيدة، في ضوء تجارب تاريخية سابقة، وهي ضخامة المخاطر والخسائر الجسيمة التي يتوقع أن يواجهها في القطيف على المدى البعيد، إن لم تكن في حينه، بل والأكثر من ذلك أن يكون خلف ذلك الاقتراح نوايا برتغالية لانتزاع حكم البحرين منه الأمر الذي قد يؤدي إلى زعزعة حكمه إن لم يكن إلى زواله.
إن سلطان الأحساء والقطيف لم يكن يغافل، فيما يبدو عما يدور حوله ويحاك ضده، من أطراف عدة، فمراهنات هؤلاء الخصوم كانت على القوة البرتغالية، بعد أن أخذت معظم القيادات في الخليج تتنافس حول كسبهم إلى جانبها، فما عليه إلا أن يحذو حذوهم ويحمى كيانه، خاصة وأن القوة العثمانية، والتي كان يأمل منها الكثير، قد وقفت موقف المتفرج، منه في وقت كان يواجه فيه أصعب المواقف ويتجرع مرارة الهزائم والنكسات. وإذا ما كان هدف المتآمرين عليه، هو الاستيلاء على القطيف، فإن بإمكانه أن يستخدمها هو نفسه ورقة لخلط أوراقهم وقلب خططهم. بل وقد يصل الأمر إلى أبعد من هذا، وهو استفزاز العثمانيين أنفسهم ودفعهم إلى خضم المعركة في الخليج العربي.
وفي ضوء هذا التوجه، بعث الشيخ مانع الفضلي برسالة مثيرة في شعبان سنة 951هـ تشرين الثاني (نوفمبر 1544م) إلى لويس فلكاو بريرا Luis Falcao Pereira، قبطان هرموز الجديد (1544 ــ 1547م) يعبر فيها عن رغبته في صداقة ملك البرتغال، وحرصه على توثيقها، واستعداده لتسليم القطيف إليه، على أن يأمل في المقابل أن يمده ملك البرتغال بالدعم العسكري المؤثر لكي يستطيع استرجاع عرشه الذي اغتصب منه بالبصرة( ).
أثارت تلك الرسالة وما انطوت عليه من أمر غير متوقع تماماً ردود فعل متباين في هرموز، حيث راوحت بين الحماس لعرضها والتردد في قبولها. ففي الوقت الذي استقبلها الحاكمون في هرموز بفرح غامر، إذ جاءت متطابقة مع تطلعاتهم في استعادة القطيف، نجد من الجهة الأخرى أن القادة البرتغاليين يصابون بالإرباك الشديد والحيرة. فاتفاقياتهم مع ملوك هرموز تلزمهم في الواقع بالدفاع عنها والمحافظة على أراضيها، وتعطي لزعماءها حق طلب تلك المساعدة. ( ) إلا ان هذا الطلب قد جاء في وقت لم يكن في حوزة البرتغاليين سوى قوة عسكرية صغيرة لا يمكن الزّج بها في مثل هذه المغامرة التي قد تكلفهم الكثير وتعرضهم لمساءلة رؤسائهم في الهند، إن لم يكن معاقبتهم. لذا فإن قبطان هرموز رأى أن أفضل طريق يمكن أن يسلكه للتعامل مع هذا الموقف المحرج هو بالتريث والمماطلة. ومن هذا المنطلق فإنه قام بإرسال مبعوث برتغالي إلى الشيخ مانع، حاملاً إليه رد القبطان على رسالته، إضافة إلى تكليفه بجمع المعلومات العسكرية عن المنطقة. فقام ذلك المبعوث البرتغالي بالتوجه نحو الأحساء وقابل الشيخ مانع هناك، حيث عرض عليه شخصياً الشروط التي يراها القبطان لدعمه عسكرياً من أجل استعادة عرشه. وكانت تلك الشروط تتلخص في فقرتين رئيستين. أولاهما: ضرورة تسليم القطيف قبل الشروع بتقديم الدعم العسكري المطلوب، وثانيهما: أن يتعهد الشيخ مانع بدفع مبلغ معين من المال في كل عام إلى خزانة مملكة هرموز، بعد استعادة عرشه( ). ومن الواضح أن الشروط التعجيزية التي تضمنها رد القبطان أريد بها التملص من الموقف الذي وضعه فيه الشيخ مانع عندما بعث إليه بتلك الرسالة، لأنه يدرك سلفاً بأن مانع سوف لن يقبل بها. كما قد يكون القبطان استهدف من إرسال مبعوث برتغالي هو لغرض استكشاف دوافع الشيخ مانع الحقيقية من رسالته تلك. على أن ما نجهله هو رد الشيخ مانع على تلك الشروط، لكن من المتوقع أنها اتسمت بالحذر لإخفاء حقيقة ما كان يضمره.
ولعل من المفيد إيراد بعض مما انطوت عليه رسالة القبطان إلى ملك البرتغال، خاصة وأن تلك الرسالة لاتزال مخطوطة، إذ لم تظهر في المجموعات الوثائقية البرتغالية المنشورة، وهي مؤرخة في تشرين الثاني (نوفمبر) 1544م (ذو القعدة: 951هـ). إذ يقول قبطان هرموز فيها:
((.. وصلتني قبل بضعة أيام رسالة من ملك الأحساء (الشيخ مانع) يعبر فيها عن رغبته في صداقة مولاي، ويبين بأنه لم يقم بالاستيلاء على القطيف إلا من أجل تسليمها إليه، ويطلب أن يحظى من مولاي بالدعم والمساعدة ضد البصرة لأنه كان ملكها الشرعي، إلا أنها انتزعت منه بالقوة. فقمت بالرد على رسالته، والتي حملها إليه مبعوث برتغالي، حيث تضمنت الاشتراط عليه بتسليم القطيف قبل كل شيء، لكونها دوماً تابعة لمملكة هرموز، وإذا ما فعل ذلك عندها سوف ينال مساعدة مولاي ضد ملك البصرة لأنه أحق منه بالملك. ثم إذا تم تحقيق ذلك فعليه الالتزام بدفع مبلغ من المال كل عام لخزينة مولاي، لأن من يدفع لملكنا أكثر سينال صداقته، خاصة وأن جلالته لايستفيد أبداً الآن من ملك البصرة))( ).
وهناك أمر مهم تضمنتها رسالة القبطان، إذ تشير إلى حرصه الشديد في الحصول على أكبر قدر ممكن من إيرادات خزينة هرمز، الأمر الذي يقتضي السعي من اجل الحصول على جزء من ايرادات البحرين. فوزيرها لا يدفع شيئاً لخزينة هرموز منذ أكثر من عشرة سنوات، بالرغم من عقد اتفاق معه بهذا الخصوص. لذا فمن المحتمل أن رسالة الشيخ مانع قد أوحت له إمكانية اتخاذ القطيف، فيما لو استرجعت من الشيخ مانع، كقاعدة يمارس منها الضغط لضمان الحصول بانتظام على جزء من إيرادات البحرين، بل وحتى إمكانية رفع يد أسرة الفالي عنها، خصوصا أن هناك العديد من الأشخاص الذين أبدوا استعدادهم لذلك فيما لو أعطيت لهم وزارة البحرين.
يبرز أمامنا سؤال حول مدى جدية الشيخ مانع في تنفيذ وعده بتسليم القطيف للبرتغاليين؟
ويرى المؤرخ الحميدان: أن الأمر مستبعد جداً ولا يعدو ن يكون الهدف من وراء تحقيقه أمور ثلاثة، أولاها: منع حاكم البحرين من معاودة التعرض للقطيف أثناء انشغاله في حملة البصرة المزمع أن يقوم بها بدعم برتغالي، بل والأكثر من ذلك إثارة مخاوف ذلك الحاكم من أن يهيأ ذلك فرصة للبرتغاليين وملك هرموز من انتزاع البحرين منه.
وثانيها: دق إسفين في العلاقة بين البرتغاليين والشيخ يحيى أمير البصرة، والذي راهن على صداقته للبرتغاليين.
وثالثها: استفزاز العثمانيين، مما قد يدفع بهم إلى الحضور بثقلهم إلى البصرة، وهو ما سوف يخلق بالتالي وضعا جديداً في الخليج سيكون الشيخ يحيى هو الخاسر فيه بالتأكيد، في حين أن القوتين الكبريين البرتغالية والعثمانية سوف تتنافسان على كسبه شخصياً إلى جانبها.
وأخيراً لابد أن الشيخ مانع قد فكر في إمكان التنصل من الاتفاق مع البرتغاليين حول تسليمهم القطيف، مثلما تنصل والده من اتفاقه معهم حول تسليم سفنه إليهم، قبل ما يزيد على خمسة عشر عاماً( ).
إن هذه الأفكار والتطلعات، التي إن صح أنها راودت مخيلة أمير الاحساء والقطيف فانها تحمل في طياتها،دون شك، درجة كبيرة من المغامرة والمراهنة والتي قد تنتهي إلى خسارته هو نفسه أكثر من غيره فتكون سيرته عندئد سلسلة متصلة من الفشل والإحباط.
العثمانيون يقصون آل شبيب عن القطيف والأحساء:
كما أقصى أل شبيب آل جبر جاء الدور على آل شبيب في الإقصاء فمن الطبيعي ان يبحث العثمانيون عن وسائل وطرق تؤدي إلى تعزيز موقفهم الدفاعي، بل وممارسة الضغط على البرتغاليين لرفع حصارهم التجاري على البصرة. لذا فمن المحتمل جداً أنهم وجدوا ذلك في حكام الأحساء من آل شبيب الذين أبدوا استعدادا لدعمهم ومؤازرتهم منذ وصولهم إلى البصرة. ويبدو أن الشيخ عبدالله ((عبيد الله)) بن مانع الفضلي، والذي خلف والده( ) في حكم الأحساء، كان قد أجرى حواراً مباشراً مع بلال محمد باشا، أول ولاة العثمانيين بالبصرة (953 ـ 956هـ/ 1547 ــ 1549م). حول سبل التعاون بينهما، ولا يستبعد أن يكون موضوع استرجاع القطيف أحد الموضوعات التي تناولها الطرفان والتقت أهدافهما حول أهمية تحقيقها.
ويتضح من رسالة مانوئيل دى ليما Dom Manuel de Lima، قبطان هرموز (1547 ــ 1551م)، المؤرخة في حزيران 1547م (جمادى الثاني 954هـ) إلى دي كاسترو، نائب ملك البرتغال في الهند، بأن هذا هو ما تم بينهما فعلاً. فقد حصل دي ليما على معلومات تتعلق بأوضاع العثمانيين بالبصرة من الحاج فياض العقيراوي أحد كبار تجار البصرة. ( ) الذي قال له: بأن محمد باشا قرر الاستيلاء على القطيف وتسليم حكمها لأمير عربي Rey( )، والذي قد يكون المقصود به هو الشيخ عبدالله ((عبيدالله)) بن مانع بعينه. على أن ما نقل على لسان الحاج فياض العقيراوين يجب أن لا يفهم، على أنه أمر قد تم تنفيذه فعلاً، بل لا يعدو الأمر سوى كونه خطط ونوايا لم يقدر لها أن ترى النور إى بعد مضي ثلاث سنوات على ذلك التاريخ، أي في ولاية قباد باشا آل رمضان على البصرة، (956 ــ 961هـ/ 1549 ــ 1554م)، الذي هو ثاني ولاتها.
أن تعيين قباد باشا والياً على البصرة يمكن أن يفسر على أنه اهتمام خاص بها م نقبل قادة اسطنبول، ومثله ذلك بمنطقة الخليج. فالوالي الجديد يحمل معه تطلعات العثمانيين وخططهم في الخليج العربي، ومن بينها الاستيلاء على القطيف وبسط نفوذهم على الأحساء. فكان أن بوشر أولاً بتنفيذ خطة للاستيلاء على القطيف وبسط نفوذهم على الأحساء. فكان أن بوشر أولاً بتنفيذ خطة للاستيلاء على القطيف، والتي نفذت في أواخر سنة 957هـ/ 1550م، حيث تضمنت بأن يتولى الشيخ عبدالله بن مانع أمير الأحساء مهاجمتها ومحاصرتها براً، في حين يقوم العثمانيون بإمداده برماة البنادق وإسناده بقوة بحرية. وقد تكللت تلك الخطة بنجاح غير متوقع، نظراً لقيام وزير القطيف بتسليمها إلى المهاجمين من دون أدنى مقاومة. وقد أعقب ذلك قيام الرئيس مراد، قائد القوة البحرية العثمانية، بتولي مقاليد السلطة في المدينة مباشرة( ). إن تصرف الرئيس مراد يعني تجاهلاً للشيخ عبدالله (عبيد الله) بن مانع الفضلي واحقيته في حكم القطيف، خاصة وأنه بذل جهداً كبيراً ورئيساً من أجل الاستيلاء عليها، إضافة إلى تجاهله للاتفاق المبرم بينه وبين والي البصرة السابق بلال محمد باشا، كما يفهم من أقوال فياض العقيراوي السابقة، والتي تتضمن تسليم القطيف اليه.
إن استحواذ الرئيس مراد على السلطة في القطيف بهذه الصورة، والذي اعتمد، فيما يبدو، على دعم قبلي (الجبور وبني خالد)، قد ولد استياءً شديداً لدى الشيخ عبدالله بن مانع الفضلي، خاصة بعد أن أدرك أن تصرف مراد هذا ما هو إلا أمر ((قد بيت بليل))، وأن الآمال العريضة التي كان قد علقها على العثمانيين لمساعدته في استرجاع ملكة في القطيف، ما هي سوى أضغات أحلام، فكان طبيعيا أن ينسحب إلى الأحساء بقواته ويقطع صلاته بهم.
إن التوسع العثماني جعلهم يقتربون من معقل البرتغاليين الرئيس في هرموز، ويجاورون جزيرة البحرين الغنية باللؤلؤ، والتي سوف تكون هدفهم القادم( ).
لقد أثار ما حدث فزع كل من البرتغاليين والهرموزيين على حد سواء، وأن يحفزهم للتصدي له. لذا فإنهم سرعان ما قاموا بحملة عسكرية مشتركة في أواخر صيف 958هـ/ 1551م. نجحت في انتزاع القطيف من أيدي العثمانيين، الذين اضطروا للانسحاب منها متروكة تواجه مصيرها لوحدها. لكن الغزاة ادركوا سريعاً صعوبة الاحتفاظ بها بعد أن رأوا بوادر المقاومة العربية بارزة للعيان. ولعل قيام شيخ قبيلة بني جبر، الذي تصفه المصادر البرتغالية بأنه كان مشهور بشجاعته، بحشد أتباعه استعداداً للقيام بهجوم معاكس( )، هو إنذار بما سيواجههم مستقبلاً من متاعب وصعوبات، ليس في القطيف فحسب، بل في مناطق أخرى من الخليج، حيث لمسوا أن مشاعر سكانها متوجهة نحو العثمانيين ومعادية لهم.
وقد عبر الفونسو دي البوكيرك Afonso de Albuquerque، أحد كبار موظفي حكومة الهند، في رسالته المؤرخة في شهر كانون الثاني (يناير) 1552م، عن مناخ الكراهية الشديدة السائدة في الخليج تجاه الوجود البرتغالي، بقوله ((... إن الطغيان الذي مارسه قباطنة هرموز ضد ملوك البلدان المطلة على الخليج، وكذلك ضد زعماء المسلمين فيه، قد جعلهم يرغبون في تسليم بلدانهم للترك، مثلما سلموا القطيف إليهم، وإنهم ينوون الآن تسليم البحرين إليهم أيضاً))( ).
انتهى هؤلاء الغزاة أخيراً إلى قرار بالانسحاب السريع من القطيف، مكتفين بنسف أجزاء من أسوارها وأقسام هامة من قلعتها( )، وهي تعود لأيدي العرب، والذين قاموا بدورهم بتسليمها للعثمانيين، مقدمين لهم الدعم وللمرة الثانية في الاستيلاء على القطيف.
تنبه العثمانيون، بعد المهانة العسكرية التي لحقت بهم في القطيف إلى ضرورة إعطاء مزيد من الاهتمام للخليج العربي وتدعيم مركزهم فيه. لذا فإنهم قاموا بتحويل القطيف إلى وحدة إدارية هي اللواء (السنجق)، وأن تكون تابعة لولاية البصرة، وتعيين محمد بك، أخو إياس باشا، والي بغداد وفاتح البصرة، لكي يكون أميراً على اللواء المذكور( ).
تم الإيعاز إلى الرئيس بيري بك، قبطان الاسطول العثماني بمصر، بالإبحار بأسطوله من السويس لضرب المواقع البرتغالية في الخليج العربي والاستيلاء على البحرين، إن أمكن ذلك( )، رداً على ما قاموا به نحو القطيف، ولإظهار القدرة العسكرية العثمانية على مجابهة التحدي بمثله، إضافة إلى استعادة الهيبة العثمانية المثلومة في المنطقة.
من الواضح أن المهمة الموكلة إلى محمد بك، لم تكن تهدف إلى تعزيز النفوذ العثماني في القطيف فحسب، بل إنها تتجاوز ذلك إلى العمل على مد نفوذهم إلى كافة أنحاء المنطقة، وضم الأحساء نفسها للدولة العثمانية( ). لذا فإن محمد بك ((باشا)) باشر منذ وصوله إلى هناك باتخاذ كافة التدابير والاستعدادات العسكرية لإنجاز تلك المهمة، حتى تهيأ له الظرف المناسب، بعد مرور حوالي عام تقريباً، فقاد حملة عسكرية نجحت في احتلال الأحساء في أواخر سنة 960هـ/ 1553م، على أرجح تقدير( ).
يشير المؤرخ عبداللطيف الحميدان بقوله: أنه لا يوجد حتى الآن أي معلومات بخصوص الحملة العثمانية التي فتحت الأحساء أو تاريخها والأحداث التي رافقتها( )، إضافة إلى موقف حاكمها الشيخ عبدالله ((عبيد الله)) بن مانع بن راشد الفضلي، وكيف انتهى به المصير، لكن من المرجح أنه اتجه إلى اليمامة حيث ممتلكاتهم في معكال.
إن صفحات من تاريخ الأحساء والقطيف قد طويت بزوال إمارة عربية فيها وحلول الأتراك العثمانيين محلهم، وليصبح محمد باشا أول ولاتها، حيث استمر في حكمها إلى أن توفي في الأحساء في أواخر سنة 963هـ/ 1556م( ).
أن سلطة العثمانيين في الخليج العربي بقيت مقتصرة على الأحساء والقطيف، إضافة إلى البصرة، ولم يقوموا بمحاولة تذكر لمدة نفوذهم إلى أبعد من ذلك، أو لتحجيم الوجود البرتغالي فيه، باستثناء محاولتين فاشلتين، الولى كانت في سنة 1552م( ) وهدفها الاستيلاء على هرمز، والثانية كان هدفها احتلال البحرين سنة 966هـ/ 1559م( ). وكأن القوتين العثمانية والبرتغالية قد اعتزمتا على إقامة سلام هش بينهما، حيث يتقاسما فيه النفوذ ويراعي كل منهما مصالح الطرف الآخر إلى حد ما مع التيقظ لما يحيكه كل منهما للآخر خفية.
مصطفى باشا:
محافظ الاحساء يغزو البحرين في رمضان سنة 966هـ ــ 1558م:
مازال العثمانيون في جهودهم في تحرير الأراضي العربية من نير الاستعمار البرتغالي وكان الوالي في الأحساء يريد أن يضم البحرين لقربها، لكنه فشل وطرد من منصبه وقد ورد أمر أو فرمان سلطاني إلى مراد شاه حاكم البحرين: أنك أرسلت أشخاصاً مرات عديدة إلى بلادنا السامي وعرضت علينا طاعتك لنا ومنحنا لك شهادة إثباتاً بأننا أعطيناك البحرين كولاية وأخطرنا بذلك جميع المحافظين المجاورين وسمعنا الآن بأن مصطفى باشا محافظ الأحساء قام بغزو البحرين دون إذن منا وإنك اتخذت بعض الإجراءات ضده وكذلك حجز البرتغاليين بعض السفن العثمانية وقد طردنا مصطفى باشا من منصبه بسبب هذه الاعتداءات وعينا محافظاً جديداً يحل محله. وعليك أن ترد الجنود إلى المحافظ في الأراضي العثمانية وتعاقبهم بما يستحقونه وهكذا يكون محافظونا في الأحساء والأقاليم الأخرى مجمعين على تنفيذ إرادتنا حتى لا يتمكن العدو (البرتغاليين) من إلحاق أضرار بتلك الأقاليم، ويقصد بالأقاليم الأخرى القطيف والبصرة، وقد حررت في 28 ذي الحجة 966هـ( ).
بعد حملة مصطفى باشا الفاشلة:
البرتغاليون يعيدون العثمانيين إلى القطيف سنة 967هـ ــ 1559م:
يبدو أن الأمور انعكست على العثمانيين فقد تغلب عليهم البرتغاليون في سنة 967هـ ــ 1559م، ففي أثناء قتال العثمانيين (القطيفيين والاحسائيين) في البحرين ضد مراد شاه الموالي لهرمز إذ جاءته الإمدادات من هرمز (400 جندي) والوثائق التركية تشير إلى أنه أمكن الوصول إلى اتفاق بين الطرفين وإيقاف القتال، فقد انسحب الجيش العثماني بعد أن دفع علي بك أمير لواء القطيف للبرتغاليين 10 أقجات دراهم عثمانية وكل أقجة تحتوي على مئة ألف درهم (مليون درهم) وبعض الخيول وذلك في شهر صفر 967هـ نوفمبر 1559م وعاد بقية الجيش العثماني إلى القطيف وهذه المرة من العجب العجاب!!! أن يكون على متن السفن البرتغالية على خمس دفعات بعد أن كابدو الجوع والحصار نحو أربعة أشهر وبلغ عدد الجنود العائدين 200 جندي من أصل 1200 جندي توجهوا مع والي الأحساء مصطفى فروخ باشا في بداية الحملة التي يفهم من سياق الوثيقة أنها استمرت ستة أشهر( )، كما هو مدون في أحداث العام السابق 966هـ حيث بدأت الأمور في 13 من شهر رمضان. لقد كانت هزيمة نكراء ضد الأتراك في القطيف والأحساء!! لقد خسروا مليون درهم و1000 جندي وعدداً غير معروف من السفن بما فيها من أسلحة إلى جانب الخيول!!.
ويورد فالح حنظل تفاصيل أخرى حول هذا الحدث فيقول: إن عام 1559م شهد تحركاً عثمانياً عسكرياً جديداً في الخليج، إذ قام كل من حاكم الأحساء و(بكلربي) البصرة مصطفى باشا بإعداد حملة عسكرية هاجما فيها حاكم البحرين المدعو (ريس مراد)، ويسود الغموض تفسير الدافع الرئيسي لهذه الحملة بين قائل إنها كانت رغبة شخصية من مصطفى باشا لتوسيع نفوذه إلى البحرين، وبين قائل آخر إنها قامت لنجدة أهالي البحرين من تعسف ريس مراد أو مراد ريس، كما تختلط التعريفات في شخصية مراد ريس، أهو ممثل حكومة هرمز البرتغالية، أم هو فارسي، أم وال تركي؟
إن المصادر البرتغالية تقول: إنه فارسي ويمثل حكومة هرمز في البحرين، بينما تقول المصادر التركية إنه والي الأتراك على البحرين واسمه الأمير جلال الدين مراد خان ويسمى أيضاً (مراد شاه) وأن سبب الحملة العثمانية كانت بدافع شخصي من مصطفى باشا وبدون موافقة الباب العالي( ).
وعلى كل حال فقد تشكلت الحملة من سفينتين مدمرتين كبيرتين و70 سفينة خفيفة من سفن تقل الجنود والمدمرات الخفيفة على متنها 1200 جندي يشكل الانكشارية عدداً كبيراً منهم إضافة إلى المؤن والذخيرة بكميات كبيرة، وتقول المصادر التركية إن الحملة وصلت أمام قلعة البحرين في 13/9/966هـ الموافق 2/7/1559م، وحاصرتها، كما تقول المصادر البرتغالية إن (الريس مراد) أرسل نداء مستعجلاً إلى أنطونيو دي نورونها الحاكم العسكري البرتغالي في هرمز يخبره بأمر محاصرته من قبل قوات مصطفى باشا، فقام دي نورونها بتجهيز حملة بقيادة أخيه جوادي نورونها مكونة من عشر سفن هرع بها إلى البحرين، إلا أن البحرية التركية تصدت له في مشارف الجزيرة وقاتلته وأجبرته على الانسحاب إلى الشاطئ المقابل والاختفاء في الأخوار المائية هناك، ثم لم يلبث حاكم هرمز أن أوفد حملة أخرى بقيادة الفارو دي سلفيرا ومعه عدد من السفن بحيث بلغ تعداد الحملتين 22 سفينة، وتمكن الاثنان من دحر المقاومة التركية وتوجها نحو سواحل البحرين التي كانت مطوقة ببقية الأسطول التركي( ).
اشتبك الطرفان بالحرب وقام محمد بك وهو قائد سنجق الأحساء بقيادة عدد من الفرسان الانكشارية جيء بهم من بغداد، فهاجم بشدة من حاول النزول براً من البرتغاليين، أما مصطفى باشا فقد كان يدير المعركة من منطقة المنامة، وبعد سلسلة من المعارك شارك فيها مراد ريس بثلاثمئة جندي إيراني لنجدة البرتغاليين يعاونه قائد محلي عرف باسم (ابن رحال) فإن البرتغاليين أوشكوا على الانكسار، وقد قتل في إحدى المعارك جوادي نورونها، وهو الأمر الذي لم يشعر به العثمانيون لأنه غير موجود في تقاريرهم، لذلك فقد قام حاكم هرمز بإيفاد القائد بيرو بيتشو ليحل محله، ثم لم يلبث أن تبعه بنفسه، وبذلك فقد تم تطويق القوة العثمانية بين دفاعات البحرين الأرضية والأسطول البرتغالي، كما أن مصطفى باشا قتل في أثناء المعارك فانهارت معنويات الجيش العثماني ودبت المجاعة بين صفوفه، لذلك فقد قرر قادة الجيش إجراء مفاوضات مع البرتغاليين للانسحاب إلى البصرة، وعليه فقد جرت المفاوضات التي اشترك فيها محمد بك وسلطان علي بك قائد القطيف.


المراجع والهوامش
(1) ياقوت الحموي، معجم البلدان، مج4، ص412.
(2) السلمان، محمد: الغزو البرتغالي ص115.
(3) طارق الحمداني، ((الرحالة البرتغاليون في الخليج العربي))، مجلة الوثيقة، العدد 15، السنة 7 (البحرين، 1989م)، ص163.
(4) الغزو البرتغالي، المرجع السابق، ص116.
(5) علي أبا حسين، ((الجبور عرب البحرين أو عربان الشرق))، مجلة الوثيقة، العدد 3، السنة 23 ((البحرين، 1983))، ص80، فضل العماري، ابن مقرب وتاريخ الإمارة العيونية في بلاد البحرين، (الرياض، د. ت) ص، 108، 1131.
(6) Miles, Op. Cit. p. 155.
(7) الغزو البرتغالي ص 117.
(8) عبدالله السالمي، نهضة الأعيان، ورقة 79، السخاوي، الضوء اللامع، ج1، ص190، ابن ماجد، كتاب الفوائد ص302، الاحسائي، تحفة المستفيد، ج1، ص120.
(9) الصيرفي، نوال: النفوذ البرتغالي ص54.
(10) عبدالرحمن آل ملا، تاريخ هجر، ص187 .
(11) عبداللطيف ناصر الحميدان، ((التاريخ السياسي لإمارة الجبور في شرق الجزيرة العربية))، مجلة كلية الآداب. العدد 16، السنة 14، (جامعة البصرة، 1980)، ص40.
(12) المرجع السابق، ص54.
(13).المرجع السابق، ص118
(14) الغزو البرتغالي ص119.
(15) الإمام شمس الدين محمد بن عبدالرحمن السخاوي، الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، (القاهرة، 1355هـ)، ج19.
(16) نور الدين علي السمهودي، وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى، (بيروت، د. ت)، ج2، ص228.
(17) عبداللطيف الحميدان، ((مكانة السلطان أجود بن زامل الجبري في الجزيرة العربية))، مجلة الدارة، العد 4، السنة 7، (الرياض، 1982)، ص64.
(18) شهاب الدين أحمد بن ماجد، كتاب الفوائد في أصول علم البحر والقواعد، تحقيق إبراهيم خوري وعزة حسن، (دمشق، 1971)، ص302، ولكن ليس هناك في المصادر العُمانية المعاصرة للحدث ما يشير إلى ذلك، وذلك لما عُرف عن الإمامة الأباضية وعدم قبولها بمساعدة خارجية لتنصيب الأئمة، وربما الإمام تلقى المساعدة بعد تنصيبه.
(19) iles, op. Cit. p, 155 M.
(20) صادق حسن عبدواني، الدولة العُمانية، نشأتها وازدهارها، حاصد ندوة الدراسات العُمانية، (عُمان، 1980)، المجلد الثاني، ص20.
(21) The Commentaries of the Great Afonso D'LBoqucerquce, Op. Cit. Vol. 1. p. 66 .
(22) س. بكنجهام، بعض الملاحظات عن البرتغاليين في عُمان، حصاد ندوة الدراسات العُمانية (عُمان، 1980م)، ص192.
(23) الغزو البرتغالي ص122.
(24) الغزو البرتغالي ص123.
(25)عبداللطيف الحميدان، (التاريخ السياسي لإمارة الجبور)، ص107.
(26) الحميدان، ص73 و74.
(27) أمثال الشيخ المؤرخ عبدالملك العصامي المكي في تاريخه، وأنظر، منطقة الأحساء عبر أطوار التاريخ، ص148، ط1، س1407هـ.
(28) عبدالرحمن آل ملا، مرجع سابق، ص190.
(29) الغزو البرتغالي ص124.
(30) الحنفي، إبن إياس: مصدر سابق، الجزء الخامس (1516 ـ 1522م) ص431.
(31) الحميدان، عبد اللطيف: (إمارة العصفوريين ودورها السياسي في تاريخ شرق الجزيرة العربية)، مجلة كلية الآداب، العدد 15، السنة 13، (جامعة البصرة، 1979)، ص106 ــ 113.
(32) الغزو البرتغالي ص125.
(33) الحميدان، ذات المرجع السابق، ص43.
(34) الحميدان، عبداللطيف، التاريخ السياسي لدولة الجبور، مرجع سابق، 51 .
(35) Smith, Joao ale Meira.
(36) الجزيري السابق، 3/1728 .
(37) Barros,Joãode, Da Asia, Lls boa, Ed. 1979,. IV Liv. III cap. XIII p. 334 .
(38) الجزيري ذات المرجع السابق، ذات الصفحة .
(39) الحميدان، إمارة آل شبيب، ذات المرجع السابق، ص46.
(40) تحفة المستفيد، ج1، ص121 وانظر الغزو البرتغالي للجنوب والخليج العربي، ص208 و209، وانظر أيضاً إمارة آل شبيب ص128 .
(41) إمارة آل شبيب في شرق جزيرة العرب ص47، وانظر ايضاً تاريخ الاحتلال البرتغالي للقطيف ص222 .
(42) السابق الصفحة نفسها. الحميدان، ذات المرجع السابق، ذات الصفحة.
(43) إمارة آل شبيب في شرق جزيرة العرب، ص45.
(44) الدرورة، علي: تاريخ الاحتلال البرتغالي للقطيف ص223.
(45) الجزيري، 3/1728.
(46) ابن عراق، ص37 ويحيى بن ابراهيم البصري، تمائم الدرر، ص74.
(47) الحميدان، ص48.
(48) الحميدان، الصراع على السلطة في دولة الجبور..
(49) الوثيقة، 1983م، ص12 و129، صالح اوزبران، ص35.
(50) الوثيقة، 1986م، 4/128.
(51) الحميدان، ص63.
(52) ذات المرجع السابق، ذات الصفحة.
(53) إمارة آل شبيب في شرق جزيرة العرب، ص49.
(54) الدرر الفرائد المنظمة، ج3، ص1728 نسخة دار الكتب المصرية، ص326 الرقم 926 تاريخ تيمور، نقلاً عن إمارة آل شبيب في شرق جزيرة العرب، ص130. وانظر أيضاً: مجلة العرب ص2035، ج11، س2، في ج1، س 1388هـ.
(55) تاريخ الاحتلال البرتغالي للقطيف، ص224.
(56) إمارة آل شبيب في شرق جزيرة العرب، ص52.
(57) ذات المرجع السابق، ص62، وانظر أيضا: تاريخ الاحتلال البرتغالي للقطيف، ص225.
(58) المصدر نفسه.
(59) إمارة آل شبيب في شرق جزيرة العرب، ص62 و63.
(60) تشير الوثائق أنه أمر بهدم قلعة قديمة وبناء أخرى جديدة ولم تحدد الوثيقة اسم القلعة ومكانها، انظر تاريخ الاحتلال البرتغالي للقطيف، ص226.
(61) الوثيقة العدد 4س 2 ربيع الآخر 1404هـ، ص125 و 126.
(62) الخليج العربي (تط. حد. مع) ص65. وانظر ايضاً تاريخ الاحتلال البرتغالي للقطيف، ص227.
(63) إمارة آل شبيب في شرق جزيرة العرب، ص82 .
(64) تاريخ الاحتلال البرتغالي للقطيف، ص247.
(65) إمارة آل شبيب في شرق جزيرة العرب ص83 (نصاً).
(66) انظر تفصيلاً أوفى في كتابنا: تاريخ الإحتلال البرتغالي للقطيف، ضمن أحداث سنة 1529م.
(67) إمارة آل شبيب في شرق جزيرة العرب، ص84، وانظر أيضاً: تاريخ الاحتلال البرتغالي للقطيف، ص248.
(68) المصدر السابق.
(69) تاريخ الاحتلال البرتغالي للقطيف، ص249.
(70) إمارة آل شبيب في شرق جزيرة العرب ص85.
(71) ذات المصدر السابق (نصاً) من الصفحة ذاتها.
(72) الحميدان: امارة آل شبيب ص43.
(73) ذات المرجع السابق، ذات الصحفة.
(74) بوشرب، (رسالة الرئيس ركن الدين إلى الرئيس شرف الدين)، مرجع سابق.
(75) لرؤوساء الفاليون نسبة لمدينة فال (بال في كرامسيرات من بلاد فارس والتي في مواجهة ساحل بلاد البحرين، وترتبط فال والتي هي في الداخل بساحل الخليج العربي عن طريق ميناء شيلاو، الذي أخذ يطلق على ميناء سيراف القديم. ويسلك طريق شيلاو ــ فال ــ خنج القادمون من القطيف والمتجهين نحو شيراز أو بالعكس. وقد ازدهرت الثقافة العربية وآدابها في فال منذ القرن السادس/ الثاني عشر إضافة إلى كونها مركزاً لدراسة الفقه الشافعي في الخليج كما وأن عائلة الرؤساء كانت من أقوى البيوتات فيها منذ نهاية القرن التاسع/ الخامس عشر، حيث تزعمت الجاليات الفارسية السنية في الخليج، ومدت نفوذها السياسي والاقتصادي إلى مملكة هرموز حتى غدت صاحبة السلطة الحقيقية فيه قبيل الفترة البرتغالية وخلالها. ومن الطبيعي أن مصالحها تتقاطع مع مصالح السلطة الصفوية في داخل إيران، (نقلاً عن الحميدان).
(76)Jean Aubin, "La Survie de Shilau et la Route du khunj – o – Fal" in Iran, (1969) VII; PP. 21 – 37 وكان للفاليين مصالح اقتصادية ضخمة في البحرين، كنتيجة طبيعة للعلاقة المتينة بين ميناء شيلاو والساحل العربي المقابل لها، إضافة إلى حركة النزوح المتبادل بين الساحلين. انظر: Joao De Barros, Da Asia, Decada,IV,LIV,111,Cap.XV11,366.
كانت أوضاع البرتغاليين في الهند مرتبكة بعد الحملة التي قام بها العثمانيون والحملة المضادة والفاشلة التي قادها (داغاما) حاكم الهند في البحر الأحمر سنة 1541، راجع حولها. E.Sanceu, "Uma Narrativ da Expedicao de 1541 ao Mar Roxo" in Stvadia, 9(1962) p. 199 – 234.. (نصاً من الحميدان).
(77) إمارة آل شبيب (مرجع سابق) الوثائق رقم 44/44/82/82، ص44.
(78) الأرشيف الوطني البرتغالي في لشبونة.
Arquivo Nacional da Torre do Tombo, Lisboa, parte Moco 75 Doc 104. N. 9813.
(79) راجع، تعليقة البوكيرك. The Commentaries of The Great Afonso Dalboquerque;.
(80)Barros, Da Asia, Dec. IV Liv. 111. Cap XIII, 331 – 334, Cap. XV. 346;.
(81) الحميدان، السابق، ذات الصفحة.
(82)Salih Ozbaran, The Ottoman Turks in the Persian Gulf, p. 1534 – 1581. In Journal of Asian History. (Wisbaden, 1972) Vol. 6/1 p. 45 - 87 esp. p. 54 - 56..
(83)Salih 'O'zbaran, "Two letters of Dom Alvaro do Noroha from Hormus," In Tarih Enstitusi Dergisi (Istanbul), Sayi: IX, (1978), P 257 - 60; Do Couto, Op. Cit, Decada, VI. Liv. 1X - Cap: IV, 243 - 44..
(84) Ibid, 260 - 61; do Couto, Ibid, Cap. Xiv, p. 330 - 32.
(85) Do Couto, Ibid, Decada, VI. Liv. IX. Cap. Xiv. P. 325 - 32.
(86) Ibid.
(87) As Gavetas da Torre do Tombo, Lisboa, 1965, vol. v. p. 325 - 29.
(88) اوزبران، الاتراك العثمانيون والبرتغاليون، 43 ـ 47.
(89) راجع، سيد. لقمان العاشوري، مجمل الطومار، مخطوطة المتحف البريطاني تحت عنوان: AL-Ashuri, Lugman, Mucmal Utumar. Turkish MS. Or. 1135 fol. 80a.
(90) G. Orhunlu, Hint kaptanligi ve Piri Reis, in Bellet – en, 134 (1970), s. 235 - 54.
(91) العاشوري، سيد لقمان، زبدة التواريخ، مخطوطة Turk ve Islam Eserleri Muzesi Ktb. Nu, 1973 (مكتبة متحف الآثار التركية والإسلامية).
(92) راجع سيد لقمان العاشوري، المصدر السابق؛ كذلك، حكمنامة مجموعة سي، رقم 888 ورقة 103، 113 طوبقبو سراي، مكتبة قوشلر..
(93) Jon E. Mandaville. The Ottoman province of al-Hasa, in Journal of The American Oriental Society (1970), 90/3. p. 486 - 513.
(94) انظر حول بداية ولاية محمد باشا ونهايتها في اورهنلو، (تقرير حول الحملة العثمانية على البحرين سنة 1559)، المرجع السابق، كذلك راجع، تحفة المستفيد، 121 ـ 122.
(95) جنكيز أوهورنللو، المرجع السابق.
(96) S. Ozbaran, "Bahrian in 1559" In, Osmanli Arastirmalari, (1982), III p. 91 - 104.
(97) تاريخ الاحتلال البرتغالي للقطيف، المرجع السابق، ص112.
(98) منطقة الأحساء عبر أطوار التاريخ، ص154 و155، وأنظر أيضاً: تاريخ الخليج العربي ص87. وانظر أيضاً: تاريخ الاحتلال البرتغالي للقطيف ص289..
(99) هذا الأمر السلطاني صادر في 28 ذي الحجة 966 هجرية وهي مثبتة في دفاتر الشؤون العامة، المجلد 3، ص139 من الأرشيف الرسمي، وانظر مجلة الوثيقة في العدد 1، س1، وانظر أيضاً ص411 و412 من كتاب: العرب والبرتغال في التاريخ، وانظر كذلك: تاريخ هجر ج2، ص218.
(100) الوثيقة، ع 15، س8، 12/1419هـ ــ 7/1989م، ص79، وانظر أيضاًً: تاريخ الاحتلال البرتغالي للقطيف، ص290.
(101) تاريخ الاحتلال البرتغالي للقطيف، ص291

علوش الفضلي
27-01-2009, 08:40
تاريخ مشرف للفضول

جهد كبير تشكر عليه أخوي راعي العليا

الله لايهينك

مون 999
29-01-2009, 05:52
بارك الله فيك معلومات قيمه

راعي العليا
30-01-2009, 11:19
علوش ..مون

اسعدني مروركم مع ارق تحية

نمر بن عبيدالله
30-01-2009, 08:34
شكرآ راعي العليا على المجهود الطيب


وتاريخ مشرف


الله يعطيك العافيه

شكرآ لك

راعي العليا
02-02-2009, 09:14
نمر بن عبيدالله

اسعدني مرورك شكرا ياغالي

ابو وجدان
02-02-2009, 10:48
اخي الفاضل را عي العليا

شكرا على هذا الموضوع

انت مؤرخ قدير الله يعطيك العافية.

أخصائي مختبر
03-02-2009, 03:12
بارك الله فيك اخوي راعي العليا

يعطيك العافيه


شكرأ على طرحك الموضوع

راعي العليا
12-02-2009, 06:01
ابو وجدان

لك مني كل الود والاحترام
على
حضورك الطيب يابن الطيبين

راعي العليا
12-02-2009, 06:02
اخصائي

الشكر موصولك على حضورك الطيب

شكرا