المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التصفية والتربية


أبو عساف
06-04-2005, 05:29
ما المقصود بالتصفية والتربية :
المراد بالتصفية : هو تصفية وتنقية الإسلام من أي دخيل وشائبة تُزاد فيه
المراد بالتربية : هي تربية المسلمين على الإسلام الصافي النقي
القائمون بالتصفية والتربية : هم العلماء الربانيون الذين يربون الناس على صغار العلم وكباره {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ}

إذا دبّ التحريف إلى قوم، وشحَّت مناهجهم عن التصفية، أصابتهم حيرة لا يفرّقون معها بين حلال وحرام، كما روى مسلم عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: ( ألا إن ربي أمرني أن أُعلِّمكم ما جهلتم مما علَّمني يومي هذا: كل مالٍ نَحَلْتُه عبدا حلالٌ، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجْتالتهم عن دينهم، وحرَّمَت عليهم ما أحللْتُ لهم، وأمرَتْهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا، وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم: عربَهم وعجمَهم، إلا بقايا من أهل الكتاب ).
ولما كانت الجاهلية على هذا الوصف الذي في الحديث، بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم مخلِّصا لها دينها من الشوائب (تصفية)، ومربيا لها على الإسلام الذي ارتضاه لها ربها (تربية)،
وعلى قاعدة (التصفية والتربية) كانت دعوة الإسلام ؛
ففي التوحيد لا يتربى المرء عليه سليما حتى يتخلص من رواسب الشرك، ولذلك قال الله تعالى:{فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ ويُؤْمِن بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لها}،
وفي التشريع لا يتربَّى المرء عليه سليماً حتى يتخلَّص من البدع، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في كل خطبة جمعة يأمر بلزوم الدين الصحيح المتمثل في الكتاب والسنة ويحذّر مما يَغشُّه ويُكَدِّر صفاءه وهو البدع؛ فقد روى مسلم عن جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرّت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، كأنه منذر جيش، يقول:
" صبّحكم ومسّاكم "، ويقول: ( بعثت أنا والساعة كهاتين ) ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى، ويقول: ( أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة )،
وتكراره لهذه الجملة دليل تأصيلها وشدّ العناية إليها. وخلاصة هذه القاعدة أنها تعني تصفية الإسلام من كل دخيل، وتربية الناس على هذا الإسلام الأصيل؛
أي تصفية التوحيد من الشرك،
وتصفية السنة من البدعة،
وتصفية الفقه من الآراء الحادثة المرجوحة،
وتصفية الأخلاق من سلوك الأمم الهالكة المقبوحة،
وتصفية الأحاديث النبوية الصحيحة من الأحاديث المكذوبة المفضوحة ... وهكذا.

أبو عساف
06-04-2005, 05:29
تطبيق لهذه القاعدة :
اجتمع الشيخ محمد ناصر الدين الألباني بعلي بن حاج القائد الروحي ـ كما يقولون ـ للحزب الجزائري: الجبهة الإسلامية للإنقاذ وكان الشيخ الألباني على دراية دقيقة بحوادثهم، وبلغه أن مؤيِّديهم يُعَدُّون بالملايين، فكان مما سأله عنه أن قال له الشيخ: " أَكُلُّ الذين معك يعرفون أن الله مستوٍ على عرشه؟ "
وبعد أخذ وردّ، وتهرّب وصدّ، قال المسئول: نرجو ذلك!
قال له الشيخ: " دَعْك من الجواب السياسي! "،
فأجابه بالنفي،
فقال الشيخ: " يكفيني منك هذا! "

هذا السؤال تفرضه قاعدة التصفية والتربية التي هي أدق ميزان تعرف به الدعوات الجهادية اليوم؛

لأن من عجز عن تصفية عقائد مؤيِّديه ومحبيه وتربيتهم على العقيدة السليمة، يكون أعجز عن تصفية ثمراتها من أخلاق وأحكام أمة فيها مبغضوه ومحاربوه، فكيف بتربيتهم بعد ذلك؟! والله يقول: {إنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنفُسِهِمْ}،

ثم الجهاد نفسه لا يكون إلا بأمة مؤتلفة القلوب؛ لأن الائتلاف رافد النصر كما قال الله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ}، والقلوب إن لم تجتمع على العقيدة السلفية كان أصحابها في شقاق لايجبره اجتماعهم في صناديق الاقتراع، قال الله تعالى مخاطباً أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : { فَإِنْ ءَامَنُوا بمِثْلِ ما ءَامَنتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ في شِقَاقٍ }.

ومهما تكن عليه الغثائية السياسية من تجميع، فإن بداية أمر عقيدتها إلى تمييع، ونهاية تجميعها إلى تفرّق وتبديع ؛ لأن اجتماع الأبدان لن يكون إلا مؤقَّتاً، إذا كان عقد القلوب مشتَّتاً، ولم أجد لهؤلاء أصدق وصف من قول الله تعالى في اليهود: {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جمِيعاً وَقُلُوبُهم شتَّى}.

وجماع الأمر أن الله وعد بالاستخلاف الحسن من عبده وحده بلا إشراك فقال: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِن قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذي ارْتَضَى لَهُمْ ولَيُبَدِلنَّهُم مِن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً}، ولا يجوز أن يُدفع في صدر هذا النص بضرب الأمثال التاريخية على نقضه؛ لأن المسلم وقّاف عند النص، وقد قال الله تعالى: {فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثالَ إنَّ اللهَ يَعْلَمُ وأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}.
وأما تحديد الشيخ سؤاله في مسألة الاستواء؛ فلأنها مفترق الطرق بين أهل السنة وأصحاب الأهواء، ولأنها العقيدةُ السهلة التي كان يعرفها مجتمع النبي صلى الله عليه وسلم الذي فتح الدنيا وقاد الأمم، حتى الجواري من رعاة الغنم. وامتحان الشيخ بها جبهة الإنقاذ، مسلك سلفي وإن رغم أنف كل خلْفي، فقد روى مسلم وغيره عن معاوية بن الحكم السلمي قال: كانت لي غنم بين أُحد والجوانية فيها جارية لي، فاطلعتها ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب منها بشاة، وأنا رجل من بني آدم، فأسفت (غضبت)، فصككتها (لطمتها)، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فعظَّم ذلك عليَّ، فقلت: يا رسول الله! أفلا أعتقها؟ قال: (( ادعها ))، فدعوتها فقال لها: (( أين الله؟ )) قالت: " في السماء "، قال: (( من أنا؟ )) قالت: " أنت رسول الله "، قال: (( أعتِقْها؛ فإنها مؤمنة )).

فتأمل ـ يرحمك الله ـ هذا المجتمع الذي كان يجاهد به النبي صلى الله عليه وسلم؛ اكتمل في عقيدته حتى عند رعاة الغنم الذين تقلُّ صحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ـ كهذه الجارية!ـ وتأمل حقيقة المجتمعات الإسلامية اليوم التي يُطمَع تسلُّق عرش الحكم بها، لتدرك الفرق الشاسع بين جهاد أولئك وجهاد هؤلاء،
فهل استطاعت الدعوات الجهادية أن تجمع الأتباع، فضلاً عن الرعاع على " أين الله؟ "

أم هو سؤال أضحى أُضحوكةً تتندَّر بها الأحزاب في زمن تأثير الحضارات، ومحل سخرية عند منَظِّري الجماعات؟ أم أنهم فهموا ضرورة الحكم بما أنزل الله ولو أنهم ضيَّعوا الله؟! فمتى يأذن الله بعتق رقابهم ممن استذلوهم، كما عتقت الجارية بعد أن عرفت الله؟ {واللهُ غالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون}.
لكن حقيقة هذا السؤال هي استخراج حقيقة الدعوات، وتبيّن مدى خلوص النيات؛ لأن في الاهتمام بالحكم بالشريعة، وفي الاهتمام بمسألة الاستواء اهتماما بحق الله تعالى، لكن بين الأولى (الحكم) والثانية (العقيدة)فرق، وهو أن للعبد في الأولى حظًّا لنفسه، وهو ما يتكرر على الألسن من استرجاع المظالم واستيفاء الحقوق، والعيش الرغد الموعود به حقًّا في قول الله تعالى: {ولو أنَّ أَهْلَ القُرَى ءَامَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّمَآءِ والأَرْضِ} أي أن حظّ العبد خالط حقَّ الرب،
وأما الاهتمام بصفة الاستواء لله فهو اهتمام بحق الله الخالص، ليس للداعي إليها أدنى نصيب من حظّ نفسه، فتأمل هذا الفرق تدرك عزّة الإخلاص؛ لأن الدندنة حول قضية الحكم بما أنزل الله، مع إهمال قضايا صفات الرب الخالصة أو تأخيرها أو تهميشها ـ وهي أشرف ما أنزله الله؛ إذ شرف العلم بشرف المعلوم ـ لأكبر دليل على أن في الأمر شائبة، تؤكد ضرورة الرجوع إلى دعوة الأنبياء الذين قالوا لقومهم: {اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه}، فقدَّموا الاهتمام بشرك القبور على الاهتمام بشرك القصور ـ إن صح هذا التعبير ـ، لهذا لم تكن الإمامة من أصول الإيمان

راعي العليا
06-04-2005, 09:01
مشكور يابو عساف
على هالتوضيح
وجزاك الله خير

أبو عساف
07-04-2005, 10:33
تسلم يا بعدهم يا راعي العليا

ومرورك يسعدني

أسعدك الله بالأمن والإيمان وطاعة الرحمن

الأصيل
13-04-2005, 02:16
يسلموووووووووووووووو اخوي / أبو عساف على الموضوع

جزاك الله خير وجعلها في ميزان حسناتك

ومجهود واضح تشكر عليه

مشكووووووووووووووور

أبو عساف
18-04-2005, 01:55
وتسلم يا أبا خالد

ومرورك أطيب يا الغالي

بن غزي 2005
18-04-2005, 02:38
مشكور يا ابو عساف على ذا الاجتهادات الطيبه

اخوك/ بن غزي 2005

ابومانع
22-04-2005, 08:13
شكرا على الكلام الطيب ويسلمووووو

أبو عساف
02-06-2005, 11:09
ابن غزي : ولك الشكر أخي الغالي على المشاركة والتعليق الطيب

أبو مانع : أشكرك على التعليق الطيب يا الغالي