محامي آل طالب
21-12-2009, 11:25
عاشوراء
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا... أما بعد:
معاشر المسلمين: إن من المعلوم أن العبادات المشروعة كثيرة متنوعة بحسب زمانها ومكانها وأدائها، فمن العبادات ما هو يومي كالصلوات الخمس، ومنها ما هو أسبوعي كصلاة الجمعة، ومنها ما هو حولي كصيام رمضان وحج بيت الله الحرام، ومنها ما يكون معلقا بسببه كصلاة الخسوف والكسوف، ومنها ما يكون مطلقا كقراءة القرآن والأذكار عامة إلى غير ذلك من تنوع العبادات من حيث كونها فرضا أو نفلا وعددا أو وصفا.
معاشر المسلمين: ولما كانت الأزمنة والأمكنة ظرفا ومكانا للعبادة في أصل الوضع استثنى الشارع الحكيم أزمنة مخصوصة وأمكنة مخصوصة نهى فيها المكلفين عن أنواع من العبادات كل ذلك بضوابط معلومة، وفي المقابل لما كانت الأمكنة والأزمنة في ذلك سواء استثنى الشارع أزمنة مخصوصة وأمكنة مخصوصة خصها بمزيد من الفضل. فمثال تفضيل الأزمنة: تفضيل يوم الجمعة على سائر أيام الأسبوع، وتفضيل شهر رمضان على سائر الشهور، وتخصيص يوم عرفة بمزيد فضل على غيره من الأيام. ومثال تفضيل الأمكنة: تفضيل حرمي مكة والمدينة على سائر بقاع الدنيا. شاهد المقال: أن الزمان والمكان لا يكتسبان مزية تفضيل وتخصيص إلا من جهة الشارع الحكيم. قال الإمام أبو شامة رحمه الله تعالى: (ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها بها الشرع، بل تكون جميع أفعال البر مرسلة في جميع الأزمان ليس لبعضها على بعض فضل، إلا ما فضله الشرع وخص بنوع من العبادة، فإن كان ذلك اختص بتلك الفضيلة تلك العبادة دون غيرها كصوم يوم عرفة وعاشوراء والصلاة في جوف الليل والعمرة في رمضان، ومن الزمان ما جعله الشرع مفضلا فيه جميع أعمال البر كعشر ذي الحجة وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر… إلى أن قال رحمه الله: فالحاصل أن المكلف ليس له منصب التخصيص، بل ذلك إلى الشارع، وهذه كانت صفة عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم) انتهى كلامه رحمه الله.
معاشر المسلمين: وإن من الأزمنة التي خصها الشارع بمزيد فضل صيام يوم عاشوراء، كما ذكر ذلك آنفا، ويتعلق بهذا اليوم أمور يحسن التنبيه عليه باختصار لتعم الفائدة:
• الأمر الأول: الفضل الوارد في صيام يوم عاشوراء (في صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عاشوراء فقال:"أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله")
• الأمر الثاني: الحكمة من صيام هذا اليوم. بيّن ذلك ما أخرجه البخاري عن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء. فقال: "ما هذا؟" قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى. قال:"فأنا أحق بموسى منكم" فصامه وأمر بصيامه.
• الأمر الثالث: حكم صيام عاشوراء. اتفق العلماء أو جمهورهم على أن صيامه من المستحبات وليس من الواجبات، لكن الخلاف وقع في حكمه قبل فرضية رمضان؛ فمن قائل بأنه واجب، ومن قائل بأنه سنة. قال بعض أهل العلم: ولعل الأظهر أن صومه كان واجبا قبل رمضان لورود الأمر بصومه قبل رمضان، ولأنه صلى الله عليه وسلم أمر الآكلين بالإمساك عن الأكل. وهذا المذهب هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
• الأمر الرابع: المفاضلة بين صوم عاشوراء وصوم عرفة. يفصل في هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم:"صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده" وفي رواية أخرى:"يكفر السنة الماضية والباقية" أخرجهما مسلم. وهذا يبين فضل صوم عرفة على صوم يوم عاشوراء لأن صوم عاشوراء يكفر سنة واحدة.
• الأمر الخامس: ذكر الإمام ابن رجب أن للنبي صلى الله عليه وسلم في صيام يوم عاشوراء أربع حالات:
o الحالة الأولى: أنه كان يصومه بمكة ولا يأمر الناس بالصوم، واحتج بحديث عائشة عند البخاري قالت: كان عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه.
o الحالة الثانية: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ورأى صيام أهل الكتاب له صامه وأمر بصيامه. والحديث في الصحيحين عن ابن عباس، وفي بعض الروايات أنه أكد عليهم صيامه وأمر من أكل أن يمسك.
o الحالة الثالثة: عندما فرض صيام رمضان ترك النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة والتأكيد عليهم بصوم عاشوراء. والحديث في الصحيحين عن عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما.
o الحالة الرابعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم عزم في آخر عمره على أن لا يصوم عاشوراء مفردا بل يضم إليه يوما آخر قبله مخالفة لأهل الكتاب في صيامه. والحديث في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ولفظه:"لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع"
• الأمر السادس: هل ليوم عاشوراء فضائل غير صومه؟ والجواب على هذا أن فضل عاشوراء يكون بصومه لصراحة النصوص في ذلك، وأما ما يذكره بعض أهل العلم من فضل التوسعة على الأهل في يوم عاشوراء، واحتجوا في ذلك بحديث:"من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة" فهذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره بعضهم في عداد الموضوعات. سئل عنه الإمام أحمد فقال: لا أصل له. ومرة قال: ليس بشيء. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :(ورووا في حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم "أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة" ورواية هذا كله عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب) انتهى كلامه رحمه الله. ويلحق بالتوسعة ما ورد عن بعضهم من فضل الاكتحال والاغتسال وفضل المصافحة في يوم عاشوراء، فكل هذه الأمور عرية عن الدليل كما قرره المحققون من أهل العلم، وعلى هذا فالفضل في عاشوراء إنما يكون بصومه. وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. فنسألك اللهم أن ترزقنا محبته والسير على نهجه والحشر تحت لوائه.
الخطبة الثانية
• الأمر السابع: ويذكر من باب التنبيه على بطلانه. وخلاصته ما يذكره بعض المؤلفين من المفسرين وغيرهم في أن سبب تسمية عاشوراء بهذا الاسم كانت لأجل أن الله تعالى أكرم في هذا اليوم عشرة من الأنبياء عليهم السلام، ثم سرد ذلك الخبر المتكلف فيه، ومفاده: أن سفينة نوح استوت على الجودي في ذلك اليوم –يعني عاشوراء- وفيه أيضا ولد إبراهيم، ونجي يونس من بطن الحوت، ورد على يعقوب بصره، ونجي فيه موسى وقومه، وتيب على آدم، وأخرج يوسف من الجب، ورفع عيسى، وغفر لمحمد صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وبكل حال فبطلان هذا الخبر يغني عن إبطاله فلا زمام له ولا خطام باستثناء نجاة موسى وقومه فذلك ثابت في صحاح السنة وسننها.
• الأمر الثامن: اختلاف الطوائف في نظرتهم ليوم عاشوراء، فاليهود يعظمونه ويتخذونه عيدا ويلبسون نساءهم حليهم وشارتهم، وشراذم الرافضة يتخذون ذلك اليوم مأتما وحزنا لكون الحسين بن علي رضي الله عنهما قتل فيه. والنواصب يفرحون بذلك اليوم شماتة بقتل الحسين فمن صميم معتقدهم بغض علي رضي الله تعالى عنه وأصحابه، وكل أولئك قد ضل وأضل عن سواء السبيل، وهدى الله أهل الإسلام للحق فصاموا ذلك اليوم اقتداء بنبيهم صلى الله عليه وسلم، ولم يصحبوا ذلك بنوع من المحدثات التي ما أنزل الله بها من سلطان.
• الأمر التاسع: مراتب صيام يوم عاشوراء. ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صام يوم عاشوراء، وثبت عنه أنه قال:"لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع" والحديثان في صحيح مسلم. فصام عليه السلام اليوم العاشر فعلا، وهم بصيام التاسع، والهم هنا يحاكي الفعل. فهاتان مرتبتان ثابتتان في السنة: صيام اليوم التاسع والعاشر، ففي صيام العاشر إدراك للفضل، وفي صيام التاسع معه تحقيق آكد لمخالفة اليهود. وذهب بعض العلماء إلى أن مراتب صيام عاشوراء ثلاث مراتب: صيام التاسع والعاشر، أو صيام العاشر والحادي عشر، أو صيام التاسع والعاشر والحادي عشر. وذهب فريق من العلماء إلى زيادة مرتبة رابعة وهي صيام العاشر وحده. واحتج من قال بسنية صوم الحادي عشر بحديث:"صوموا يوما قبله وبعده أو صوموا يوما قبله أو بعده" وفي إسناد الحديث كلام ولذا ضعفه بعض أهل العلم، وقالوا: إن الثابت هو صيام التاسع والعاشر كما سبق التنبيه آنفا على ذلك.
• الأمر العاشر والأخير: الحذر والتنبه من كثير من الأخبار التي تخص عاشوراء بمزية معينة لم ترد في الشرع، ومثال ذلك: ما تذكره بعض كتب الأوراد والأذكار من تخصيص أذكار معينة تقال في يوم عاشوراء. وكذا ما يذكره غير واحد من المؤرخين من الأخبار الواهية الباطلة في يوم قتل الحسين رضي الله عنه وهو يوم عاشوراء، ويذكرون على سبيل المثال لا الحصر أن الشمس كسفت وظهر لون الدم في الأشجار والأحجار والأنهار إلى غير ذلك مما يستحي القلم من خطه واللسان من ذكره.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا... أما بعد:
معاشر المسلمين: إن من المعلوم أن العبادات المشروعة كثيرة متنوعة بحسب زمانها ومكانها وأدائها، فمن العبادات ما هو يومي كالصلوات الخمس، ومنها ما هو أسبوعي كصلاة الجمعة، ومنها ما هو حولي كصيام رمضان وحج بيت الله الحرام، ومنها ما يكون معلقا بسببه كصلاة الخسوف والكسوف، ومنها ما يكون مطلقا كقراءة القرآن والأذكار عامة إلى غير ذلك من تنوع العبادات من حيث كونها فرضا أو نفلا وعددا أو وصفا.
معاشر المسلمين: ولما كانت الأزمنة والأمكنة ظرفا ومكانا للعبادة في أصل الوضع استثنى الشارع الحكيم أزمنة مخصوصة وأمكنة مخصوصة نهى فيها المكلفين عن أنواع من العبادات كل ذلك بضوابط معلومة، وفي المقابل لما كانت الأمكنة والأزمنة في ذلك سواء استثنى الشارع أزمنة مخصوصة وأمكنة مخصوصة خصها بمزيد من الفضل. فمثال تفضيل الأزمنة: تفضيل يوم الجمعة على سائر أيام الأسبوع، وتفضيل شهر رمضان على سائر الشهور، وتخصيص يوم عرفة بمزيد فضل على غيره من الأيام. ومثال تفضيل الأمكنة: تفضيل حرمي مكة والمدينة على سائر بقاع الدنيا. شاهد المقال: أن الزمان والمكان لا يكتسبان مزية تفضيل وتخصيص إلا من جهة الشارع الحكيم. قال الإمام أبو شامة رحمه الله تعالى: (ولا ينبغي تخصيص العبادات بأوقات لم يخصصها بها الشرع، بل تكون جميع أفعال البر مرسلة في جميع الأزمان ليس لبعضها على بعض فضل، إلا ما فضله الشرع وخص بنوع من العبادة، فإن كان ذلك اختص بتلك الفضيلة تلك العبادة دون غيرها كصوم يوم عرفة وعاشوراء والصلاة في جوف الليل والعمرة في رمضان، ومن الزمان ما جعله الشرع مفضلا فيه جميع أعمال البر كعشر ذي الحجة وليلة القدر التي هي خير من ألف شهر… إلى أن قال رحمه الله: فالحاصل أن المكلف ليس له منصب التخصيص، بل ذلك إلى الشارع، وهذه كانت صفة عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم) انتهى كلامه رحمه الله.
معاشر المسلمين: وإن من الأزمنة التي خصها الشارع بمزيد فضل صيام يوم عاشوراء، كما ذكر ذلك آنفا، ويتعلق بهذا اليوم أمور يحسن التنبيه عليه باختصار لتعم الفائدة:
• الأمر الأول: الفضل الوارد في صيام يوم عاشوراء (في صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عاشوراء فقال:"أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله")
• الأمر الثاني: الحكمة من صيام هذا اليوم. بيّن ذلك ما أخرجه البخاري عن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء. فقال: "ما هذا؟" قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى. قال:"فأنا أحق بموسى منكم" فصامه وأمر بصيامه.
• الأمر الثالث: حكم صيام عاشوراء. اتفق العلماء أو جمهورهم على أن صيامه من المستحبات وليس من الواجبات، لكن الخلاف وقع في حكمه قبل فرضية رمضان؛ فمن قائل بأنه واجب، ومن قائل بأنه سنة. قال بعض أهل العلم: ولعل الأظهر أن صومه كان واجبا قبل رمضان لورود الأمر بصومه قبل رمضان، ولأنه صلى الله عليه وسلم أمر الآكلين بالإمساك عن الأكل. وهذا المذهب هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
• الأمر الرابع: المفاضلة بين صوم عاشوراء وصوم عرفة. يفصل في هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم:"صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده" وفي رواية أخرى:"يكفر السنة الماضية والباقية" أخرجهما مسلم. وهذا يبين فضل صوم عرفة على صوم يوم عاشوراء لأن صوم عاشوراء يكفر سنة واحدة.
• الأمر الخامس: ذكر الإمام ابن رجب أن للنبي صلى الله عليه وسلم في صيام يوم عاشوراء أربع حالات:
o الحالة الأولى: أنه كان يصومه بمكة ولا يأمر الناس بالصوم، واحتج بحديث عائشة عند البخاري قالت: كان عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه.
o الحالة الثانية: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ورأى صيام أهل الكتاب له صامه وأمر بصيامه. والحديث في الصحيحين عن ابن عباس، وفي بعض الروايات أنه أكد عليهم صيامه وأمر من أكل أن يمسك.
o الحالة الثالثة: عندما فرض صيام رمضان ترك النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة والتأكيد عليهم بصوم عاشوراء. والحديث في الصحيحين عن عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما.
o الحالة الرابعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم عزم في آخر عمره على أن لا يصوم عاشوراء مفردا بل يضم إليه يوما آخر قبله مخالفة لأهل الكتاب في صيامه. والحديث في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ولفظه:"لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع"
• الأمر السادس: هل ليوم عاشوراء فضائل غير صومه؟ والجواب على هذا أن فضل عاشوراء يكون بصومه لصراحة النصوص في ذلك، وأما ما يذكره بعض أهل العلم من فضل التوسعة على الأهل في يوم عاشوراء، واحتجوا في ذلك بحديث:"من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة" فهذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكره بعضهم في عداد الموضوعات. سئل عنه الإمام أحمد فقال: لا أصل له. ومرة قال: ليس بشيء. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :(ورووا في حديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم "أنه من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر السنة" ورواية هذا كله عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب) انتهى كلامه رحمه الله. ويلحق بالتوسعة ما ورد عن بعضهم من فضل الاكتحال والاغتسال وفضل المصافحة في يوم عاشوراء، فكل هذه الأمور عرية عن الدليل كما قرره المحققون من أهل العلم، وعلى هذا فالفضل في عاشوراء إنما يكون بصومه. وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم. فنسألك اللهم أن ترزقنا محبته والسير على نهجه والحشر تحت لوائه.
الخطبة الثانية
• الأمر السابع: ويذكر من باب التنبيه على بطلانه. وخلاصته ما يذكره بعض المؤلفين من المفسرين وغيرهم في أن سبب تسمية عاشوراء بهذا الاسم كانت لأجل أن الله تعالى أكرم في هذا اليوم عشرة من الأنبياء عليهم السلام، ثم سرد ذلك الخبر المتكلف فيه، ومفاده: أن سفينة نوح استوت على الجودي في ذلك اليوم –يعني عاشوراء- وفيه أيضا ولد إبراهيم، ونجي يونس من بطن الحوت، ورد على يعقوب بصره، ونجي فيه موسى وقومه، وتيب على آدم، وأخرج يوسف من الجب، ورفع عيسى، وغفر لمحمد صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وبكل حال فبطلان هذا الخبر يغني عن إبطاله فلا زمام له ولا خطام باستثناء نجاة موسى وقومه فذلك ثابت في صحاح السنة وسننها.
• الأمر الثامن: اختلاف الطوائف في نظرتهم ليوم عاشوراء، فاليهود يعظمونه ويتخذونه عيدا ويلبسون نساءهم حليهم وشارتهم، وشراذم الرافضة يتخذون ذلك اليوم مأتما وحزنا لكون الحسين بن علي رضي الله عنهما قتل فيه. والنواصب يفرحون بذلك اليوم شماتة بقتل الحسين فمن صميم معتقدهم بغض علي رضي الله تعالى عنه وأصحابه، وكل أولئك قد ضل وأضل عن سواء السبيل، وهدى الله أهل الإسلام للحق فصاموا ذلك اليوم اقتداء بنبيهم صلى الله عليه وسلم، ولم يصحبوا ذلك بنوع من المحدثات التي ما أنزل الله بها من سلطان.
• الأمر التاسع: مراتب صيام يوم عاشوراء. ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صام يوم عاشوراء، وثبت عنه أنه قال:"لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع" والحديثان في صحيح مسلم. فصام عليه السلام اليوم العاشر فعلا، وهم بصيام التاسع، والهم هنا يحاكي الفعل. فهاتان مرتبتان ثابتتان في السنة: صيام اليوم التاسع والعاشر، ففي صيام العاشر إدراك للفضل، وفي صيام التاسع معه تحقيق آكد لمخالفة اليهود. وذهب بعض العلماء إلى أن مراتب صيام عاشوراء ثلاث مراتب: صيام التاسع والعاشر، أو صيام العاشر والحادي عشر، أو صيام التاسع والعاشر والحادي عشر. وذهب فريق من العلماء إلى زيادة مرتبة رابعة وهي صيام العاشر وحده. واحتج من قال بسنية صوم الحادي عشر بحديث:"صوموا يوما قبله وبعده أو صوموا يوما قبله أو بعده" وفي إسناد الحديث كلام ولذا ضعفه بعض أهل العلم، وقالوا: إن الثابت هو صيام التاسع والعاشر كما سبق التنبيه آنفا على ذلك.
• الأمر العاشر والأخير: الحذر والتنبه من كثير من الأخبار التي تخص عاشوراء بمزية معينة لم ترد في الشرع، ومثال ذلك: ما تذكره بعض كتب الأوراد والأذكار من تخصيص أذكار معينة تقال في يوم عاشوراء. وكذا ما يذكره غير واحد من المؤرخين من الأخبار الواهية الباطلة في يوم قتل الحسين رضي الله عنه وهو يوم عاشوراء، ويذكرون على سبيل المثال لا الحصر أن الشمس كسفت وظهر لون الدم في الأشجار والأحجار والأنهار إلى غير ذلك مما يستحي القلم من خطه واللسان من ذكره.