المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة الإنسان


bu_odah
29-06-2005, 12:45
قصة الإنسان ... من البداية إلى النهاية
مر على الدنيا عصور لم يكن فيها على الأرض إنسان.

كان في الأرض الجبال والأودية والكهوف والسهول والأنهار والأشجار والبهائم.

ولم يكن فيها الإنسان.

وكان أن تحدث الله في حقبة من تلك الأحقاب الغابرة إلى ملائكته عن مخلوق جديد على العالم، عن جنس من المخلوقات العاقلة التي يخلف بعضها بعضاً. فقال لهم:"إني جاعل في الأرض خليفة".

ولسبب ما كان انطباع الملائكة عن هذا المخلوق سلبياً، لم يكن يرون فيه إلا أنه مفسد سفاك للدماء.

هذا الموقف من الملائكة ربما كان لأن هناك خلقاً قد سبقوا الإنسان في سُكنى الأرض قد عاثوا فيها فساداً أو لأن الله أطلعهم على شيء من طبيعة هذا المخلوق الجديد.

وانطباعهم هذا عن الجنس البشري ينطبق على أغلب البشر المعرضين عن الله، سواء كانوا من الكفار أم من فُجَّارالمسلمين.

لكن الله يعلم أن ليس كل البشر كذلك، ففيهم عباد مخلَصون كالأنبياء والصالحين. وهم من يحقق العبودية لله، التي من أجلها خلق الله هذا المخلوق العاقل القابل للتكليف، وهؤلاء على قلتهم يستحقون عندالله أن يجعل في الأرض الجنس البشري. فلذلك رد الله على الملائكة بقوله:"إني أعلم ما لا تعلمون".

وهؤلاء المخلصون عند الله بمكان بحيث أن المؤمن الواحد عنده أعظم من الكعبة. وبحيث أنه لن يقيم القيامة وفي الأرض مؤمن.

وقد حظي هذا الإنسان بتكريم ملحوظ منذ أيامه الأولى.

وكان أول تكريم له أن خلقه الله بيده، ثم أمر الملائكة بالسجود له كلهم أجمعون.

ثم قدر الله موقفاً آخر يكرم فيه الإنسان، بأن وضعه في موقف اختبار ليُري الملائكة فضله، فعَلَّمه الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة وعلى الإنسان، فعجزت الملائكة عن معرفتها ونجح الإنسان.

ومن تكريمه له أن جعل الجنة داره الأولى.

ومن تكريمه أيضاً أن سخر له ما في السماوات وما في الأرض.

وحتى حين أنزله الله إلى الأرض، لم يتركه وذريته مهملين فيها، بل لا يزال الله يعتني بهم ويرسل إليهم رسلاً من عنده كلما انحرفوا عن الصراط.

حين تُذكر قصة الإنسان، لا بد وأن يذكر معها إبليس، فله مع الإنسان قصة ...

قصة لا تزال أجيال البشر تتجرع مرارة نتائجها ...

بدأت هذه القصة حين أمر الله الملائكة بالسجود لآدم، فامتثلوا للأمر جميعاً إلا إبليس، أبى واستكبر، وأخذ يجادل الله في أن الحكمة تقتضي ألا يسجد - و هو مخلوق من نار - لمن خلق الله طيناً وأخذ يقيس الأمور بعقله ويعارض الأمر الإلهي بأقيسته.

فطُرد من يومها من رحمة الله وهو من هو في العبادة لله قبل ذلك، طُرد بسبب مخلوق جديد اسمه الإنسان، وكانت هذه بداية عداوة الشيطان للإنسان.

وأقسم من حينها على غواية البشر، فكانت هذه غاية وجوده في الحياة، وترك الله له ذلك، فكانت وسوسته جزءاً من الاختبار الذي ينبغي على الإنسان أن يجتازه ليستحق الجنة، وتكفل الله أن لا يكون للشيطان سلطان على عباده المخلصين، إنما سبيله على الذين يتولونه.

بدأ الجنس البشري الحياة في الجنة من زوجين اثنين: آدم وحواء، وقد أذن الله لهما بأن يأكلا من حيث شاءا من الجنة، ولم يُحرِّم عليهما إلا شجرة واحدة كانا في غنىً عنها لو أطاعاه، وحذرهما من مكائد إبليس. غير إن عداوة إبليس ووسوسته والضعف البشري لم تتركهما في هذا النعيم، فاستسلم الإنسان لهذه الوسوسة وأكلا من الشجرة، وعصى آدم ربه فغوى.

فكانت العقوبة الفورية انكشاف عوراتهما ثم المساءلة من الله لهما، ثم الطرد من الجنة، والنزول إلى هذه الدار التي يكفينا من سُفلها أن اسمها دنيا.

رسالة الإسلام تقول إن الإنسان الأول كان مؤمناً موحداً نبياً، عالماً، علمه الله الأسماء كلها، ولم يكن بدائياً على هيئة الإنسان الحجري كما يخمن من لم يستضِء برسالة السماء. ربما ظهر الإنسان الحجري بعد أجيال من آدم – عليه الصلاة والسلام – حين تفرق البشر في جبال وكهوف الأرض وانفصلوا عن بعضهم البعض.

بعد نزول آدم عليه السلام، عاش البشر على شريعة من الحق عشرة قرون، ثم ظهر بعد ذلك الاختلاف والشرك، ومن يومها والله يبعث إليهم رسلاً تتراً مبشرين ومنذرين، يردونهم عن الإنحراف في التوحيد الذي طرأ عليهم وعن الانحرافات الأخرى كانحراف قوم لوط في الجنس وانحراف قوم شعيب في التجارة وغير ذلك.

ثم لما وصل البشر إلى مرحلة النضج، وكانوا قادرين على تبليغ علوم الرسالة لمن حولهم وعلى أن يورثوا علوم الرسالة لمن بعدهم، ختم الله – سبحانه – الرسائل السماوية بالرسالة الخاتمة، رسالة محمد – صلى الله عليه وسلم - التي نسخت كل الشرائع التي قبلها، والتي أتت بالشريعة الباقية إلى وقت فناء البشرية.

ثم لما بلًّغ الرسول الأخير الرسالة كاملة، أعلن الله عبرها للبشر أنه قد أكمل لهم دينهم وأتم عليهم نعمته ورضي لهم الإسلام ديناً، ثم قبض بعدها هذا الرسول إليه.

وبموت محمد – صلى الله عليه وسلم- انغلق باب الوحي، وانقطع خبر السماء عن البشر، فلا ينتظر أحد بعثة نبي آخر، فكل شيء أراد الله تبليغه للبشر قد بُلغ، ولن يجد البشر - إذا أرادوا الوصول إلى الله - غير رسالة الإسلام.

فلم يعد اليوم إلا الكتاب والسنة ومبلغو ميراث النبوة – أعني العلماء والدعاة فهم يقومون اليوم بالمهمة التي كان يقوم بها الأنبياء.

ولذلك تكفل الله للبشر بحفظ رسالته الأخيرة ... إذ لا نبي بعدها.

فحفظ القرآن في الصدور وفي مصحف واحد، يرجع إليه كل مسلم.

وحفظ السنة متفرقة في كتب الحديث، يرجع إليها المختصون ليعلموا الناس ميراث النبوة.

وضمن أن لا تجتمع أمة الرسالة على ضلالة.

وضمن ألا يتسلط عدو على الأمة يستأصلها فلا يبقى لها في الأرض باقية. فلا السلاح النووي ولا اجتماع أمم الأرض عليها سيعدم هذه الأمة من الوجود.

وضمن دوام وجود طائفة على الحق ظاهرين على مر العصور مهما كثرت الفرق التي ستتفرق إليها الأمة ومهما كثرت البدع ومهما اختفت معالم الدين عن عامة المسلمين.

وضمن أن يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها.

ومن إعجاز هذا الدين أنه تحدث عن أحداث ووقائع ستحدث من بعد موت النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى نهاية الدنيا.

كل هذا يؤكد أنه مع رسالة الإسلام الخاتمة، ليست هناك حاجة إلى إرسال نبي جديد ليبين للناس ماذا يفعلون في ظل المتغيرات التي يشهدونها.

وهكذا ... تتوالى القرون على البشر وهذا الدين باق فيهم ما بقي الليل والنهار.

ولا يزال البشر في انحدار، ولا يزال انحراف عقول البشر - في اعتقادهم بربهم - في ازدياد حتى تصل سخافة العقول عند آخرهم إلى أن يصدقوا أن ربهم الأعلى هو كائن أعور أجعد الشعر، يمشي على الأرض، يصدقونه في ذلك لمجرد أنه أتاهم بخوارق العادات.

حتى إذا اقتربت النهاية، قضى الله برفع الرسالة وأهلها إيذاناً منه بقرب نهاية العالم.

فيبدأ القبض التدريجي للعلماء الذين يقومون بدور الأنبياء، حتي يصل الأمر في نهايته إلى ألا يبقى في الأرض عالم.

ويرفع القرآن من الأرض.

ويُقبض المؤمنون من الأرض.

وتندرس معالم الإسلام حتى لا يُدرى ما صلاة، ما زكاة، ما صيام!

وتُهدم الكعبة، هدماً لا يقوم بعده لها قائمة.

وبعد هذا كله، تقوم الساعة ولا تقوم إلا على شرار الخلق.

وبقيام القيامة يتحطم نظام الكون كله ...

فالقيامة هي نهاية الدنيا، وبها تطوى صفحة الحياة الدنيا، وتفتح صفحة اليوم الآخر.

واليوم الآخر هو الذي تتحقق فيه العدالة الإلهية في الخلق.

وسينقسم الناس فيه إلى فريقين: أهل الجنة وأهل النار.

ويعدم الله في اليوم الآخر الموت من الوجود، فليس ثًمًّ إلا الخلود.

هذه هي قصة الإنسان ... من البداية إلى النهاية.



ويحسن بنا وقد وصلنا إلى نهاية المطاف أن نستخلص الدروس المستفادة من هذه القصة العظيمة:


الإنسان خُلق أساساً ليعيش في الجنة، وأخرج منها حين تلوث بالمعصية، ولن يعود إليها إلا إذا تطهر منها، ذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نسمة مؤمنة طيبة. فوجوده في الدنيا مؤقت، هي فترة عقوبة واختبار وعلى أساسها سيتحدد من يعود إلى الجنة ومن لا يعود.

من سنن الله في الدنيا أن شؤم المعصية يتعدى العاصي إلى من لم يفعل المعصية. فالمعصية كانت من آدم وحواء، ولكن شؤمها عم على جميع بني آدم. وهذا يتفق مع ما نراه في الدنيا، حيث أن الله إذا أنزل عقوبة على قوم، نزلت على المجرمين والصالحين، ثم بُعثوا على نياتهم. وأما في الآخرة فلا تزر وازرة وزر أخرى.

الفرق بين معصية آدم وإبليس، أن معصية آدم معصية ضعف وشهوة، بينما معصية إبليس معصية كبر ومعاندة. فالأول تاب الله عليه ولم يطرده من رحمته وكانت عقوبته أخف، والثاني مطرود من رحمته. وقد جاءت العقيدة الإسلامية متفقة تماماً مع هذا التفريق، فالمسلم العاصي ليس مطروداً من رحمة الله، فلو لم يُطهِّر ذنوبه شيء ودخل النار، فسيأتي عليه يوم يخرج منها، أما الكافر فهو مستكبرمعاند للحق، فهو مطرود من رحمته فلن يخرج من النار أبداً.

والإنسان لا يقوم وحده! فالله هو الذي أوجده، وكذلك ليس هو العاقل الوحيد في هذا الكون. هناك الجن، وهناك الملائكة، وقد يكون هناك ما لا نعلم.

والإنسان خُلقت له الكائنات الحية ولم يُخلق هو منها، ولا تتطورعنها! كما نص القرآن على ذلك في مراحل خلق آدم عليه السلام. وحسبك ممن يقولون بذلك أنهم لا زالوا يُسمون هذا القول نظرية أي ليست أمراً قطعياً.

بدأ خلق الإنسان من نفس واحدة هي آدم عليه السلام، وخلقت حواء منه، فحواء جزء من آدم، والبشر جميعاً من هذين الزوجين: "هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً".

الدنيا محتقرة عند الله، وهي دار عقوبة لا دار نعيم، فقد أُنزل الإنسان إليها كعقوبة، ولو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة، ما سقى الكافر المستكبر المعاند منها شربة ماء، ومكانتها عندالله كمكانة المزبلة عندنا، فلو قيل لك إن أعداءك يتنافسون على مزبلتك أكنت تمنعهم؟!

ما نراه من فشو الظلم بين البشر ليس لأن الله غافلاً عنهم، بل لأن الدنيا ليست دار عدل الله، دار عدله هي الآخرة."ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار".

قصة إبليس فيها نذارة للعقلانيين، الذين مع إيمانهم بالقرآن يعرضون أوامر الله على عقولهم، فما ارتؤوا حُسنه أخذوا به وإلا طرحوه! تماماً كما رأى إبليس أن المخلوق من نار أولى بالتكريم من المخلوق من طين.

منقول مع الشكر للكاتب المبدع

ابومانع
29-06-2005, 12:58
يعطيك العافيه يابوعوده على النقل الجميل وجعله الله في ميزان اعمالك وشكرا للكاتب المبدع الذي سطر بقلمه هذه القصه

bu_odah
29-06-2005, 01:47
هلا وغلا حبيبى ابو مانع
لك جزيل الشكر