المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قوافل الحج.. تاريخ من المشقة والاشتياق


راعي الاوله
10-12-2006, 08:34
قوافل الحج.. تاريخ من المشقة والاشتياق
إخوان أون لاين - 07/12/2006


تجمع قافلة الحج المصري بميدان القلعة







بقلم: عماد عجوة*

نحو مليوني مسلم يقصدون الأراضي الحجازية لتأدية فريضة الحج التي أصبحت اليوم أكثر يسرًا وسهولةً عن ذي قبل؛ حيث كان الحاج يتعرض للكثير من الكبد والمشقة، وكانت رحلاتهم إلى بيت الله الحرام تكتنفها المشاقّ والأخطار، ولم تكن من اليسر والسهولة في طرق مواصلاتها كما هو الحال الآن، فقد كانوا يواجهون في سُبُلهم من الشدائد ما كان يفتك بهم في الطرق التي كانوا يسلكونها، سواءُ من حَرّ الصيف أو برد الشتاء أو جفاف الماء في الصحاري التي يسلكونها، إلى جانب ما قد يداهمهم فيها من السيول أو اللصوص وقطَّاع الطرق.



كل ذلك كان يحدث لحجاج بيت الله الحرام قديمًا، ومع ذلك فالناس لا يمنعهم عن الحجِّ مانعٌ، ولم نسمع أنهم انقطعوا عنه من أنفسهم سنةً من السنين، وكيف يمتنعون والله تعالى يأمرهم بذلك فيقول تعالى ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ* ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ* ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ..﴾ (الحج: 27- 30)، ويقول تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ* فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ (آل عمران: 96، 97).



ولهذا النداء الرباني حفَّ المسلم هذا الركن من أركان الإسلام بكل مظاهر الإجلال والعناية والاهتمام في حياته، ولذلك كانت قوافل الحج تخرج من بلاد الإسلام تلبِّي نداء ربها بالذهاب إلى البيت العتيق من كل فجٍّ عميق، وهناك تصوُّرٌ جميل يصوِّر مكة والمدينة كأنهما قرص الشمس في حين قوافل الحج القادمة من البلاد الإسلامية تمثل مسار الأشعة التي تخرج منها وتعود، وسنعرض لبعض الطرق التي كان يسلكها الحجاج، منها ما يلي:



قوافل الحج

اجتازت البلادَ الإسلامية كثيرٌ من الطرق البرية والبحرية التي تصل إلى البلاد الحجازية عبر العصور، وهذه الطرق ازدادت شهرتها في العصور الوسطى، كما ظهرت طرق جديدة أكثر تطورًا، وقد لعبت طرق الحج من بلاد الإسلام المختلفة إلى الأماكن المقدسة في مكة والمدينة دورًا حيويًّا عبر التاريخ الإسلامي في تحقيق التواصل الثقافي والسياسي وتقوية أواصر العلاقات التجارية والاقتصادية والعلمية، فيما بين البلدان الإسلامية بعضها مع بعض، وآثار هذه الطرق ما زالت باقيةً للعيان حتى وقتنا الحاضر، وتتمثل هذه المشاهد في آثار الآبار والبِرَك ومنازل الحُجاج التي كانت تُعمِّر هذه الطرق وتخدم حجاج بيت الله الحرام، وهناك أربعةٌ طرق رئيسية كانت تعبُرها قوافل الحج حتى تصل إلى البلاد الحجازية، وهذه الطرق حسب أهميتها هي:



- الطريق المستخدم لحجاج بلاد الغرب الإسلامي

تبدأ قوافل حجاج بلاد المغرب الإسلامي بالانطلاق من مدن المغرب، كمراكش وفاس وسلا، وأحيانًا كانت تضم حجاج السنغال، وبعد تجمُّع الحجاج تنطلق قافلتهم سالكةً إما الطريق البرّي المحاذي للبحر المتوسط أو الطريق البحري عبر البحر المتوسط.


بقايا أحد المباني بطريق الحج القديم بسيناء




واعتادت هذه القافلة أن تكون على موعد مع غيرها من قوافل الحج للحجاج الجزائريين والتونسيين والليبيين؛ وذلك لمرور طريق الحج بمدن المهدية وصفاقس وسوسة وطرابلس وبرقة وطبرق، ثم تعبر هذه القوافل مجتمعةً الأراضيَ المصرية بمحاذاة الساحل حتى تصل إلى ميناء الإسكندرية ثم رشيد، وبعدها تركب قوافل الحجاج المراكب النيلية عبر فرع رشيد، إلى أن تصل جميعها إلى القاهرة وتلتقي مع قافلة الحج المصرية حتى تأنَس بها ذهابًا وإيابًا عند مكان شمال القاهرة كان يُعرَف آنذاك ببركة الحاج، وموقعه حاليًا القرية المعروفة باسم البركة إحدى قرى مركز شبين القناطر محافظة القليوبية.



ثم تُواصل جميع القوافل مسيرتها برًّا حتى تصل إلى ميناء القلزم (السويس حاليًا)، ومنها إما مواصلة الطريق البري عبر سيناء، ثم محاذاة البحر الأحمر برًّا إلى مدينة جدة أو تبحر القوافل في السفن عبر البحر الأحمر إلى ميناء جدة، ومنها برًّا إلى المدينة ثم مكة، إلا أن هذا الطريق تعرَّض للتوقف ونقل الحجاج فترةَ استيلاء الصليبيين على بلاد الشام وميناء العقبة، واستطاع صلاح الدين الأيوبي أن يمهِّد طريقًا آخر لتأمين سلامة الحجاج؛ حيث اتجهت قوافل الحجاج عبر النيل إلى مدينة قوص، ومنها يعبرون الصحراء إلى ميناء عيذاب على البحر الأحمر، ثم يركبون البحر إلى جدة، ثم يستكملون طريقهم برًّا من جدة إلى المدينة ثم مكة، ولنتصور مدى الصعوبة والمشقَّة التي كان يقطعها الحجَّاج المغاربة والمصريون عبْر هذا الطريق، ويذكر لنا المؤرِّخ المصري تقي الدين المقريزي في كتابه الخطط أن هذا الطريق ظلَّ مسلكًا للحجاج من سنة 450هـ إلى سنة 660هـ، ومع انتهاء الوجود الصليبي عاد الحجاج إلى استخدام طريق سيناء والبحر الأحمر مرةً ثانيةً لنشاطه.



- طريق قوافل حجاج بلاد الشام

على الرغم من أن بلاد الشام جميعها- وهي سوريا ولبنان وفلسطين والأردن- ذات طبيعة ثقافية متقاربة إن لم تكن متشابهة.. إلا أنها كانت لها أربع قوافل مختلفة تنطلق مـن مدنها، فمنها قافلة الحج الشـامي، وقافلة الحج الحلبي من مدينة حلب، وقافلة الحج القدسي، من مدينة القدس، وكانت تتجمع هذه القوافل وتسلك الطريق البري الذي يبدأ من مدينة دمشق ويتجه جنوبًا إلى المدينة المنورة أولاً ثم إلى مكة المكرمة، وبين دمشق والمدينة كانت القوافل تمر على حوالي 34 محطةً يتوقفون فيها، وكانت تسمَّى منازل الحج، وتبلغ المسافة بين دمشق والمدينة حوالي 1302 كيلو متر، يسلُكُها الحجاج برًّا مما كان يعرضهم للمشاق والمهالك.



- طريق قافلة الحجاج العراقيين

كان الحُجَّاج العراقيين يسلكون الطريق البرّي بين الكوفة ومكة، وكذلك الطريق البصري الذي يبدأ من مدينة البصرة، ومن أهم طرقهم درب زبيدة الذي مهَّدته زوجة الخليفة هارون الرشيد، والذي أنشأته لكي يسلكه الحجاج والمعتمرون بأمان من الضياع وقُطاع الطرق، وتميز هذا الطريق بأنه كان دقيقًا في مساراته وكان يستخدمه أيضًا الحُجاج القادمون من بلاد شرق العالم الإسلامي.



- طريق قافلة الحجاج اليمنيين

كان حجاج اليمن في رحلتهم يسلكون الطريق البري؛ حيث كانوا يجتمعون من المدن اليمنية عند منطقة تسمَّى دار الملك، ومنها يواصلون مسيرة رحلتهم البرية إلى بلاد الحجاز حتى يصلوا إلى منطقة يلملم، وهذه المنطقة هي ميقات أهل اليمن، حيث يحرمون منها؛ ثم يتجهون إلى بئر علي، ثم إلى مكة المكرمة.



نماذج من المشاق

أفاضت كتب الرَّحالة والمؤرخين في الحديث عن المتاعب التي تواجهها قوافل الحجاج إلى بيت الله الحرام، فيذكر المؤرخ المصري ابن إياس في حوادث سنة 356 أيام الدولة الإخشيدية تعرُّض قوافل الحج المصري لاعتداءات من أعراب بني سالم، فقطعوا الطريق على الحجاج، وأخذوا منهم عشرين ألف بعير، محملةً قماشًا وبضائعَ ومالاً، وأسروا الرجال والنساء، ويذكر الرحَّالة جوزيف بتس أو الحاج يوسف بعد إسلامه، وهو أول إنجليزي وثاني أوروبي يزور مكة في التاريخ الحديث- وكان يحج سنة 1680م مع قافلة الحج الجزائرية، والتي كان من الضروري أن تمر بالأراضي المصرية- أن رحلات الحج كانت تتعرَّض أثناء سيرها في النيل للنهب من قبل اللصوص.


أعضاء بعثة الحج المصري


ويذكر ابن الجوزي صاحب كتاب (مرآة الزمان) في حوادث سنة 692هـ تعرُّض قافلة الحُجاج الشامية إلى رياح عظيمة وبرد ومطر، وهلك الناس، وحملت الريح أمتعتهم وثيابهم، واشتغل كلُّ امرئ بنفسه، وحصلت لهم مشقةٌ عظيمةٌ، وكثيرًا ما كانت السيول تداهم قوافل الحج، ففي سنة 1196هـ اجتاحت قافلة الحج المصرية أثناء سيرها في الطريق بين مكة والمدينة سيلٌ أتى على نصف الحجاج المصريين، وكان الحُجاج اليمنيون أيضًا يفضلون الحجَّ عن طريق البحر، على الرغم من مخاطِرِه؛ حتى لا يتعرضوا لمهاجمة العُربان وقُطاع الطرق البرية.



هذه بعض الإطلالات على طرق الحج قديمًا في العصر الإسلامي ليتبيَّن لنا النعمة التي أنعم الله بها علينا في زماننا، من سهولة النقل والسفر إلى بيت الله الحرام، فالآن وفي سرعة خاطفة وعلى مقعد في طائرة أو باخرة أو سيارة أصبح الحاجُّ يعبر حدود وطنه إلى الأراضي المقدسة، دونما عناء أو مشقة تُذكَر، ولكن رغم مشقّة رحلات الحج قديمًا، وبالرغم من جهدها الجهيد كان لها مذاقُها الخاص، والذي يستشعر فيه الإنسان المُقبل على أداء فريضة الحج لذَّةَ التطهر منذ اللحظة الأولى التي يطأ فيها بقدميه ترابَ الطريق الذي يشقُّ فيه صعوباتِه مع الرفاق الناشدين للغفران وتضمُّهم رحلةٌ في شهور عدة، سواء أكان ذلك من فوق ظهر جمل، إن كان الحاجُّ ميسورَ الحال، أو بالسير على الأقدام إن كان ذا عسرةٍ وخاوِيَ الوفاض.. أدعوا الله أن ينفعنا بما أنعم علينا من نعم.

--------

* ماجستير آثار إسلامية

مكسور الخاطر
14-12-2006, 03:32
جزاك الله خير

عذبة السجايا
21-12-2006, 02:46
جزاك الله خير

؟؟
24-12-2006, 01:39
جزاك الله خير

والله يعطيك العافية

فارس الظلام
02-02-2007, 05:27
مشكووووووووووور

جزاك الله خير

وتسلم يمينك

ولا تحرمنا من جديد ابداعك