المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا تفر من الله ؟


شاكر المخبت
07-07-2007, 01:03
لماذا تفر من الله ؟

--------------------------------------------------------------------------------

كان لحاتم الطائي وهو أحد كرماء العرب في الجاهلية ابن يسمى عديّا -وكان نصرانياً- له قصة جميلة دعونا نستمع إليه وهو يحدثنا بها قائلا عن نفسه:

ما كان رجل من العرب أشد كراهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني، حين سمعت به. وكنت رجلاً شريفا نصرانياً. وكنت أسير في قومي بالمرباع. وكنت في نفسي على دين. فقلت لغلام لي راع لإبلي : اعدد لي من إبلي أجمالا ذُللا سمانا. فإذا سمعت بجيش محمد قد وطئ هذه البلاد فآذني. فأتاني ذات غداة ، فقال: ما كنت صانعاً إذا غشيتك خيل محمد فاصنع الآن. فإني قد رأيت رايات، فسألت عنها ؟ فقالوا: هذه جيوش محمد . قلت: قرب لي أجمالي. فاحتملت بأهلي وولدي، ثم قلت: ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام، وخلفت بنتا لحاتم في الحاضرة. فلما قدمت الشام أقمت بها، وتخالفني خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتصيب ابنة حاتم، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا من طيئ.

وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربي إلى الشام. فمر بها . فقالت: « يا رسول الله، غاب الوافد، وانقطع الوالد، وأنا عجوز كبيرة ما بي من خدمة، فمنّ علي. منّ الله عليك . فقال : " من وافدك؟ . قالت: عدي بن حاتم، قال: " الذي فرّ من الله ورسوله ؟ " - وكررت عليه القول ثلاثة أيام - قالت: فمنّ علي، وسألته الحملان، فأمر لها به وكساها وحملها وأعطاها نفقة ».
فأتتني. فقالت: لقد فعل فعلة ما كان أبوك يفعلها. ائته راغبا أو راهباً، فقد أتاه فلان فأصاب منه، وأتاه فلان فأصاب منه. قال (عدىّ): فأتيته، وهو جالس في المسجد. فقال القوم : هذا عدي بن حاتم - وجئت بغير أمان ولا كتاب - فأخذ بيدي - وكان قبل ذلك قال : " إني لأرجو أن يجعل الله يده في يدي " - فقام إليّ، فلقيت امرأة ومعها صبي . فقالا: إن لنا إليك حاجة. فقام معهما حتى قضى حاجتهما. ثم أخذ بيدي حتى أتى داره . فألقت له الوليدة وسادة . فجلس عليها، وجلست بين يديه. فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال : « ما يفرّك [1]؟ أيفرّك : أن يقال : " لا إله إلا الله ؟ " فهل تعلم من إلـه سوى الله ؟ " فقلت : لا. فتكلم ساعة . ثم قال : " أيفرّك أن يقال : الله أكبر ؟ وهل تعلم شيئا أكبر من الله ؟ " قلت : لا، قال: " فإن اليهود مغضوب عليهم. والنصارى ضالون "، فقلت : فإني حنيف مسلم. فرأيت وجهه ينبسط فرحاً» .
والآن تخيل أيها الإنسان أنك جالس مكان عدي بن حاتم الطائي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألك نفس السؤال: لماذا تفر من الله.. ماذا سيكون موقفك؟ أتفر من أن يقال لا إلـه إلا الله.. فهل تعلم من إله سوى الله؟ أيفرك أن يقال الله أكبر .. فهل تعلم شيئا أكبر من الله ؟

أتفر من كلمة الحمد لله رب العالمين وسبحـن ربي الأعلى وسبحـن ربي العظيم.. فهل تعلم أحدا يُحمد مطلقا إلا الله وهل تعلم أعلى أو أعظم من الله ؟

أيفرك أن تقول الله أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد؟ فهل تعلم لله أبا أو أما أو ولدا أو زوجة؟ وهل تعلم أحدا يصمد إليه الناس أجمعين لحوائجهم إلا الله؟ أيفرك أن تؤمن بأن الله ليس كمثله شيء وأنه القاهر فوق عباده وأنه على كل شيء قدير؟ فهل تعلم لله مثلا أو شبيها؟ وهل تعلم أحدا قدرته فوق قدرة الله ؟ وهل يمكن أن يصل إلى الله أذى من البشر سبحانه وهو محيط بهم مهيمن عليهم ؟

أيسوؤك أن تؤمن أن الله حفظ المسيح عليه السلام من كيد اليهود ورفعه إلى السماء بعد أن كنت تعتقد أن الله تركه ليقتل على الصليب مهانا ذليلا ؟

أم تفر من أن تؤمن أن المسيح أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى بإذن الله وليس بقدرته هو.. وهل كان المسيح يملك من أمر نفسه شيء إذ كان جنينا في بطن أمه ؟ أتفر من أن تؤمن بأن المسيح جاء بالإنجيل الذي أنزله الله عليه من السماء بدلا من إيمانك بأناجيل شتى كتبها أناس مجهولون لم يروا المسيح قط ليس بينها إنجيل واحد منسوب للمسيح؟؟

أيفرك أن تؤمن أن المسيح كلمة الله وروح منه ورسول من أولي العزم من الرسل وأمه صديقة اصطفاها الله على نساء العالمين ... فهل كان المسيح وأمه غير ذلك ؟ أيفرك أن يقال محمد رسول الله .. فمن كان محمد إذن إن لم يكن رسول الله ؟

أيفرك أن تعلم أن الله قد غفر لآدم خطيئته حين ندم و تاب وأناب و أنه يغفر الذنوب جميعاً.. فهل تعلم أحدا يغفر الذنوب إلا الله؟ أيفرك أن تطلب مغفرة ذنوبك من الله بعد أن كنت تطلبها من القسيس على كرسي الاعتراف؟ أيفرك أن تنتمي لدين لا يجعل أحداً من الناس واسطة بينك وبين الله ومهيمنا على حياتك الروحية يغفر لك إن شاء وإن شاء حرمك من دخول الجنة كما تفعل الكنيسة؟ أتظن أن الله خلقك بنفسه ليجعل تقرير مصيرك ومغفرة ذنوبك بيد غيره؟ أيفرك أن تعتقد أن أطفالك يولدون مبرئين من كل إثم وخطيئة بدلا من اعتقادك أنهم يولدون موصومين بخطيئة أبيهم آدم عليه السلام ؟ أتفر من دين كرم المرأة وكفل لها حق العبادة وطلب العلم والسؤال وحق التصرف في مالها وحق اختيار الزوج والخلع منه إذا لم تطقه وخافت ألا تقيم حدود الله معه وأمر الزوج بالإحسان إليها بل وجعل خير الناس هو خيرهم لأهله وجعل الجنة جزاء لمن رزقه الله ببنت فأكرمها وأحسن إليها إلى دين جعل المرأة مصدر الخطيئة وجعلها مخلوقة أساسا من أجل الرجل وحرمها حق الطلاق بل ومنعها من الكلام داخل الكنيسة كما جاء على لسان بولس في رسالته إلى كورونثيوس وجعل كل ما تلمسه أثناء فترة حيضها يكون نجسا كما جاء في سفر اللاويين؟!!

أيفرك أن تكون على ملة إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وموسى وعيسى؟ أيفرك أن تقول أن نوحاً وداود ولوطاً ويعقوب أنبياء معصومون من كبائر الذنوب قد اصطفاهم الله على خلقه وهم في أعلى درجات السمو الأخلاقي وليس كما يقول العهد القديم بأن نوحا تعرى وشرب الخمر وداود زني بامرأة أحد جنوده ثم أرسله ليموت في الحرب ليتزوجها ولوطا زنى بابنتيه وحملتا منه ويعقوب صارع الرب حتى غلبه ؟!

ألا تحب أن تنتمي لدين يقدس العفة والطهارة والوفاء ويأمر بالصدق حتى مع الأطفال والإحسان حتى إلى الحيوان؟ أتكره أن تعتنق دينا يجعل الحياء من فضائله والنظافة من شعائره؟ ألا يسرك أن تنتمي لدين يلبي حاجة الروح والجسد على السواء؟ ألا ترغب في الانتماء لدين يجعل كل إنسان مسؤول بمفرده أمام الله ويجعل البشر كلهم سواسية بل ويجعل النبيَ وآهله مكلفين بأكثر مما يكلف به غيرهم !

أما يسرك أن تتوجه في دعائك بقلبك إلى السماء بعد أن كنت تتوجه إلى صورة معلقة على جدار بيتك؟ أما تحب أن تتجه في صلاتك للبيت الحرام الذي بناه إبراهيم عليه السلام في مكة باتفاق العرب والعجم وتعظم في قلبك ووجدانك بيت المقدس الذي نشأ المسيح في أكنافه ودعا إلى الله في أركانه؟ ألا تحب أن تقول في صلاتك (إياك نعبد وإياك نستعين. إهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) وتقرأ بعدها بسورة مريم (أم المسيح) أو سورة آل عمران (جد المسيح) أو سورة المائدة التي أنزلها الله من السماء على المسيح ؟ ألا تحب أن تركع وتسجد لله الذي خلقك ؟ أما تشتاق أن تقرأ في كتاب يعالج جميع جوانب الحياة ويخاطب قلبك وعقلك معا؟ ألا تهفو إلى كتاب يجيب على تساؤلات نفسك وخطرات قلبك ؟ ألا تحب أن يغفر لك كل ذنب عملته من قبل فإن الإسلام يمحو ما كان قبله من ذنوب؟ ألا تحب أن تربح محمدا والمسيح بدلا من أن تخسرهما جميعا وتخسر معهم نفسك ؟

ألا ترى ماذا صنعت النصرانية في الشعوب الأوروبية في العصور الوسطى حتى نبذوها تحت أقدامهم وكرهوا كل ما يمت للدين بصلة من جراء تسلط الكنيسة وحينها فقط بدأت نهضتهم الصناعية !! ألا ترى لأي درجة من الانحطاط الأخلاقي وصل كثير من رجال الكنيسة من انتهاك الأعراض وأكل أموال الناس بالباطل ؟ ألا تدري المشاكل الاجتماعية المتفاقمة التي تواجهها الكنيسة نتيجة العمل بشرائع مزورة تنسبها جهلا وكذبا للمسيحية ؟ أما تشعر بالوهن الفكري والعقدي الذي تعاني منه الكنيسة لدرجة أنها لا يمكنها اكتساب مزيد من الأتباع إلا عن طريق الإغراء المادي في أشد المناطق فقرا؟ ألم تسمع عن استعانة القساوسة بالسحر داخل الكنيسة؟ أما سئمت من الطقوس الوثنية التي تحفل بها الديانة النصرانية والتي تشبه إلى حد كبير الديانات الوثنية التي كانت قبل المسيح عليه السلام؟ ألم تمل من الغموض والتعقيد الذي يكتنف العقيدة النصرانية؟ ألم تيأس من كثرة الأسئلة الحائرة في عقيدتك والتي لم تجد لها إجابة شافية إلى الآن؟ أما سمعت عن الأخطاء العلمية والتاريخية التي اكتشفت فيما يسمى الكتاب المقدس؟ أما قرأت المخازي الأخلاقية التي يحفل بها؟ أما اشتقت لعقيدة تخاطب روحك وقلبك ولا تصادم فطرتك وعقلك؟

لماذا تفر من الحق و تحجب عن قلبك نور الحقيقة وأنت ترى كل يوم البراهين الدالة على وحدانية الله وصدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم؟ لماذا لا تعطي لنفسك فرصة لكي تقرأ القرآن وتفكر هل يمكن أن يكون هذا كلام بشر ؟! لماذا لا تعطي لنفسك فرصة لكي تبحث عن الحق بحرية بعيداً عن ضغوط الأهل ومراقبة المجتمع؟ ألا ترى المهتدين الجدد قصصهم تملأ السمع والبصر وقد سعوا بجدية للبحث عن الله فهداهم الله إليه؟ (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) .. هل تعلم إنساناً عاقلا دخل الإسلام مختارا ثم ارتد عنه؟

لماذا لا تقرأ سيرة محمد صلى الله عليه وسلم وتتأمل فيها أيمكن أن يكون محمد كذاباً ؟ ألا تلاحظ العناية الإلـهية ترافق دين الإسلام تحفظه وتنصره منذ أن ظهر محمد صلى الله عليه وسلم وإلى يومنا هذا رغم كل محاولات الإبادة والتشويه التي تعرض لها؟ ألا تغار أن يسعى للبحث عن الحقيقة الأطفال وأنت جالس في مكانك؟

أما يكفيك أن يشهد للإسلام غير المسلمين أنفسهم؟ أما ترى الانتشار الواسع للإسلام في جميع بلاد الدنيا برغم قلة إمكانات أبنائه وما ذاك إلا لقوة حجته وموافقته للعقل والفطرة؟ أما جاءك نبأ القساوسة والمبشرين الذين يتحولون للإسلام؟ ألم تقرأ وتسمع قصصهم الموجودة على الإنترنت يحكونها لك بأنفسهم؟ أينقصك أن تتصفح الإنترنت لعدة دقائق لترى كم من الحقائق كانت مغيبة عنك لسنين كثيرة؟ لماذا تفر من الله ولا تفر إليه؟ (ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ).

ترى لو كنت على الباطل أيتحمل عنك وزرك أحد من الناس يوم القيامة؟ إنهم لا يتحملون عنك أخطاءك في هذه الحياة الدنيا وحسابها يسير أيتحملونها عنك في الدار الآخرة يوم يفر المرؤ من أخيه وأمه وأبيه؟ أتنتظر حتى يفر عنك الجميع يوم القيامة ثم تبقى وحدك ليسألك الله ماذا أجبت الرسول؟

لماذا تفر من الله؟ أتخاف من المستقبل؟ ألا تعلم أن المستقبل بيد الله ؟ أتظن لو كنت تسعى جاهدا للحق ووصلت إليه أن الله يضيعك ويخذلك؟ أيحفظك يوم كنت على الباطل ويتركك بعد أن اتبعت الحق الذي خلقك من أجله ؟ أما سمعت عن الكثيرين ممن اعتنقوا الإسلام في كل بلاد العالم ويعيشون الآن حياة آمنة مطمئنة؟ أتفر من الله أم تفر من نفسك؟

إن أعقل الناس هو الذي يعرف أين سعادته الحقيقية ويسعى إليها وقد وهبك الله عقلا تفكر به وتتعرف عليه وفطرة تشتاق إليه وقلبا يطمئن للحق – فإن للحق في القلب سكينة واطمئنانا لا يجدهما مع غيره- وأنت بمفردك مسؤول أمام الله وهي حياتك الأبدية وسعادتك الدنيوية والأخروية فإياك إياك أن تضحي بهما من أجل متاع زائل أو خوف عقاب متوَّهم أو اتباعا لظنون وأوهام فإن الظن لا يغني من الحق شيئا..

شاكر المخبت
07-07-2007, 01:07
§][ عُدي بن حاتم بن الطائي رضي الله عنه][§

عُدي بن حاتم بن عبد الله الطائي وكنيته أبو طريف ، ابن حاتم الطائي

الذي يضرب بجوده المثل ، كان نصرانيا ، ووفد على الرسول صلى

الله عليه وسلم في سنة سبع فأكرمه واحترمه وحسُنَ إسلامه ، ومنع

قومه من الردة بقوة إيمانه ، وحسُن رأيه .



§][ الرئاسه][§

ورث عدي رضي الله عنه الرئاسة عن أبيه ، فكان ملكا في الجزيرة ، مَلكته

قبيلة طيئ عليها ، وفرضت له الربع في غنائمها ، وأسلمت له القيادة ،

ولما صدع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوة الهدى والحق ، ودانت له

الجزيرة العربية حيا بعد حي ، رأى عدي رضي الله عنه في دعوة رسول الله

صلى الله عليه وسلم زعامة واسعة النفوذ ، يوشك أن تقضي على زعامته ،

وستفضي إلى إزالة رياسته ، فعادى النبي صلى الله عليه وسلم ، حفاظا

على مصالحه .



§][ الفرار ][§

يقول عدي بن حاتم رضي الله عنه :

( ما من رجل من العرب كان أشد مني كراهةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم

حين سمعت به ، فقد كنت امرأ شريفا ، وكنت نصرانيا ، وكنت أسير في قومي

بالمرباع ، فأخذ الربع من غنائمهم ، كما كان يفعل غيري من ملوك العرب ، فلما

سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته ، ولما عظم أمره ، وامتدت

شوكته ، وجعلت جيوشه وسراياه تشرق وتغرب في أرض العرب ، قلت لغلام

لي يرعى إبلي :

لا أبا لك ، أعدد لي من إبلي نوقا سمانا سهلة القياد ، واربطها قريبا مني ،

فإذا سمعت بجيش لمحمد أو بسرية من سراياه قد وطئت هذه البلاد فأعلمني ،

وفي ذات غداة أقبل علي غلامي ، وقال :

يا مولاي ما كنت تنوي أن تصنعه إذا وطئت أرضك خيل محمد

فاصنعه الآن

فقلت : ولم ثكلتك أمك ؟

فقال : إني رأيت رايات تجوس خلال الديار ، فسألت عنها فقيل

لي : هذه جيوش محمد قد قدمت

فقلت له : أعدد لي النوق التي أمرتك بها ، وقربها مني ، ثم نهضت

من ساعتي ، فودعت أهلي وأولادي إلى الرحيل عن أرضي التي

أحبها ، وجعلت أعد السير نحو بلاد الشام للحاق بأهل ديني من

النصارى ، وأنزل بينهم ، وقد أعجلني الأمر عن استقصاء أهلي

كلهم ، فلما اجتزت مواقع الخطر ، تفقدت أهلي فإذا لي أن تركت

أختا لي في مواطننا بنجد ، مع من بقي هناك من طيء ، ولم يكن

من سبيل إلى الرجوع إليها ، فمضيت بمن معي حتى بلغت الشام ،

وأقمت فيها بين أبناء ديني ، أما أختي فقد نزل بها ما كنت أتوقعه

وأخشاه ، ولقد بلغني وأنا في ديار الشام أن خيل محمد صلى الله

عليه وسلم أغارت على ديارنا ، وأخذت أختي في جملة من أخذته

من السبايا ، وسيقت إلى يثرب ، ثم جعلنا بعد ذلك نتنسم أخبارها ،

ونترقب قدومها ، ونحن لا نكاد نصدق ما روي لنا من خبرها مع

محمد )



§][ ذكاء السفانة ][§

وضعت السفانة رضي الله عنها مع السبايا في حظيرة عند باب

المسجد ، فمر بها النبي صلى الله عليه وسلم ، فوقفت ، وكانت ذكية

جدا ، وقالت :

يا رسول الله ، هلك الوالد ، وغاب الوافد ، فامنن

علي من الله عليك ، فقال صلى الله عليه وسلم : " ومن وافدك ؟ "

قالت : عدي بن حاتم ، الوافد الذي يمكن أن يأتي إليك ليفتديني ،

هرب .

فقال صلى الله عليه وسلم : " الفار من الله ورسوله "

ثم مضى ، وتركها صلى الله عليه وسلم ، ولم يتكلم بشيء ، فلما كان

الغد مر بها ، فقالت له مثل قولها بالأمس ، فلما كان بعد الغد مر بها ،

وقد يئست فلم تقل شيئا ، وكان وراء النبي صلى الله عليه وسلم رجل

أشار لها من خلفه أن قومي وكلميه كما كلمته بالأمس ، فقامت إليه ،

وقالت : يا رسول الله ، هلك الوالد ، وغاب الوافد ، فإن رأيت أن تُخلي

عني ، ولا تشمت بي أحياء العرب ، فإن أبي كان سيد قومه ، يفك العاني ،

ويعفو عن الجاني ، ويحفظ الجار ، ويحمي الذمار ، ويفرج عن المكروب ،

ويطعم الطعام ، ويفشي السلام ، ويحمل الكل ، ويعين على نوائب الدهر ،

وما أتاه أحد في حاجة فرده خائب ، أنا بنت حاتم طيء .

فقال صلى الله عليه وسلم : " يا جارية ، هذه صفات المؤمنين حقا ،

ولو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه ، خَلوا عنها ، فإن أباها كان يحب

مكارم الأخلاق "

ثم قال صلى الله عليه وسلم : " ارحموا ثلاثَة :

" عزيز قوم ذل ، وغني قوم افتقر ، وعالما بين جهال "

وامتن عليها بقومها ، فأطلقهم جميعا تكريما لها ، فاستأذنته بالدعاء ،

فأذن لها ، وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه :

" اسمعوا ، وعوا " فقالت :

أصاب الله ببرك مواقعه ، ولا جعل لك إلى لئيم حاجة ، ولا سلب

نعمة عن كريم إلا جعلك سببا في ردها عليه .

ثم قال لها صلى الله عليه وسلم :

"يا جارية إلى أين تريدين أن تذهبي ؟ "

قالت : أريد اللحاق بأهلي في الشام

فقال صلى الله عليه وسلم : " ولكن لا تعجلي بالخروج حتى تجدي من

تثقين به من قومك ، ليبلغك بلاد الشام ، فإذا وجدت الثقة فأعلميني "

ولما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم سألت عن الرجل الذي أشار

إليها أن تكلمه فقيل لها إنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، ثم

أقامت حتى قدم ركب فيهم من تثق به ، فجاءت النبي صلى الله عليه

وسلم ، وقالت :

يا رسول الله لقد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ .

فكساها النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنحها ناقة تحملها ، وأعطاها نفقة

تكفيها ، وأطلق سراح قومها كلهم إكراما لها ، ولم يسمح لها بالخروج

إلا مع من تثق به ، كي يبلغها أهلها بسلام ، فخرجت مع الركب ورجعت

إلى أخيها عدي رضي الله عنه ، وهو بدومة الجندل .

قال عدي رضي الله عنه : ( علمتُ إحسانه إليها كل ذلك الإحسان ،

على ما كان مني اتجاهه ، فوالله إني لقاعد في أهلي إذ أبصرت

امرأة في هودجها تتجه نحونا ، فقلت :

ابنة حاتم ، فإذا هي هي ، فلما وقفت علينا بادرتني بقولها القاطع

الظالم ، لقد احتملت بأهلك وولدك وتركت بقية والدك وعورتك ، فقلت :

أي أخية لا تقولي إلا أن تقولي خيرا ، وجعلت أسترضيها حتى رضيت ،

وقصت علي خبرها ، فإذا هو كما تناهى إلي ، فقلت لها وكانت امرأة

حازمة عاقلة : ما ترين في هذا الرجل ، قالت :

أرى والله أن تلحق به سريعا ، فإن يكن نبيا فلسابق فضله ، وإن يكن

ملكا فلن تذل عنده ، وأنت أنت ، وعلى الحالتين الذهاب إليه غنيمة .



§][ إسلامه ][§

قال عدي رضي الله عنه : ( فهيأت جهازي ومضيت حتى قدمت إلى عند

رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير كتاب ولا أمان ، وكان بلغني

أنه قال : " إني لأرجو أن يجعل الله يد عدي في يدي نتعاون " فدخلت

عليه وهو في المسجد ، فسلمت عليه ، قال :

من الرجل ؟

قلت : عدي بن حاتم ، فقام إلي ، وأخذ بيدي ، وانطلق بي إلى بيته ،

فوالله إنه لماضٍ بي إلى البيت إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة ، ومعها

صبي صغير ، فاستوقفته ، وجعلت تكلمه في حاجة لها ، فظل معها

حتى قضى حاجتها ، وأنا واقف ، ولم تقل : يا ملك ، فقلت في

نفسي :

والله ما هذا بملك ، ثم أخذ بيدي حتى أتينا منزله ، فتناول وسادة

من أدم محشوة ليفا ، فألقاها إلي ، وقال :

اجلس على هذه ، فاستحييت منه ، وقلت :

بل أنت تجلس عليها

قال : بل أنت

فجلست عليها ، وجلس رسول الله على الأرض ، إذ لم يكن في بيته

سواها ، سوى وسادة واحدة من أدم محشوة ليفا ، فقلت في

نفسي :

والله ما هذا بأمر ملك ، ثم التفت إلي وقال :

إيه يا عدي بن حاتم ، ألم تكن ركوسيا تدين بدين بين

النصرانية والصابئة ؟

قلت : بلى

قال : ألم تكن تسير في قومك بالمرباع ، تأخذ ربع أموالهم ،

فتأخذ منهم ما لا يحل لك في دينك

فقلت : بلى

وعرفت عندئذ أنه نبي مرسل ، يعلم ما نجهل ، ثم قال

لي :

لعلك يا عدي إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من

حاجة المسلمين وفقرهم ، فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم ،

حتى لا يوجد من يأخذه ، ولعله يا عدي إنما يمنعك من الدخول

في هذا الدين ما ترى من قلة المسلمين وكثرة عدوهم ، فوالله

لتوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى

تزور هذا البيت لا تخاف إلا الله ، ولعله يا عدي إنما يمنعك من الدخول

في هذا الدين أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم ، فهم ضعاف ،

وايم الله لتوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم ،

وإن كنوز كسرى قد صارت إليهم .

فقلت : كنوز كسرى ؟

قال عدي رضي الله عنه : ( عندئذ شهدت شهادة الحق ، وأسلمت )



§][ تحقق نبؤة النبي ][§

عُمرعدي رضي الله عنه طويلا ، وكان يقول :

( لقد تحققت اثنتان ، وبقيت الثالثة ، وإنها والله لا بد كائنة ، فقد

رأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف شيئا ، حتى

تبلغ البيت ، وكنت في أول خيل أغارت على كنوز كسرى وأخذتها ،

وأحلف بالله لتجيئن الثالثة )

ولقد شاء الله أن يحقق قول نبيه صلى الله عليه وسلم ، فجاءت الثالثة

في عهد الخليفة الزاهد العابد عمر بن عبد العزيز رحمه الله ، حيث فاضت

الأموال على المسلمين حتى جعل مناديه ينادي :

من يأخذ أموال الزكاة ، من فقراء المسلمين ، فلا يجد أحدا .

وصدق النبي صلى الله عليه وسلم ، وبرعدي بن حاتم رضي

الله عنه بقسمه .



§][ الوفاة ][§

توفي أبو طريف رضي الله عنه مُعمرا في عام ( 68 هـ )

في الكوفة .

حاتميه
07-07-2007, 02:26
اللهم صلي وسلم على محمد

الحمد لله ان هدى عدي واخته سفانه الى الاسلام

استمتعت كثير وانا اقرا هذا الموضوعك الرائع ..

وصدقت اخي إن أعقل الناس هو الذي يعرف أين سعادته الحقيقية ويسعى إليها

اللهم الهمنا الرشد وصدق الإيمان و انزل علينا السكينه والاطمئنان


فايز الفايز

استاذي جزاك الله خير

على كل ماتبذله من جهود ومواضيع قيمه تستحق القراءه

بارك الله فيك ولا حرمنا منك

شاكر المخبت
07-07-2007, 02:35
اشكر الاخت حاتمية شكرا جزيل الذي وضعتني فوق مكانتي ..واقول مثل ماقال ابو بكر ---- اللهم انت اعلم بي من نفسي وانا اعلم بنفسي منهم اللهم اجعلني خيرا مما يضنون واغفرلي مالايعلمون ولاتواخذني بما يقولون .

وجزاك الله خيرا اختي وحفظك الله بطاعته ورضي عنك واسعدك بالدنيا والاخرة وجميع المشاركين والمسلمين والمسلمات

؟؟
17-07-2007, 03:58
لا اله الا الله

جزاك الله خير

وبارك الله فيك

والله يعطيك العافية

اسئل الله لك الاجر والثواب

شاكر المخبت
17-07-2007, 10:42
امين اخوي مبارك وجزيت خيرا وحفظك الله من كل سؤ