المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإشاعة من منظور الإعلام الإسلامي


بنت العقيلات
21-07-2007, 03:46
الإشاعة من منظور الإعلام الإسلامي
من الأدبيات المتفق عليها أن المسلمين اليوم وفي هذه الانعطافة من تاريخهم يواجهون غزواً ثقافياً وفكرياً وحضارياً رهيباً يطاول كل جوانب حياتهم، وكل منظوماتهم تلك التي يتأسس عليها وجودهم··· ولم يعد هذا الغزو الشامل مقصوراً على الوسائل التقليدية للغزو والتبديل الفكري، من كتب استشراقية ومذاهب هدامة أو مؤامرات استعمارية مكشوفة إلى غير ذلك من وسائل المراحل السابقة، إن الغزو الحضاري الذي تواجهه الأمة الإسلامية في راهن حاضرها يستخدم وسائل جديدة، وأساليب جديدة··· لقد أضحت الرسالة الغازية تعبُرُ إلى الأجيال الصاعدة، بل إلى العقول المثقفة عن طريق الخبر الذي تبثّه وكالة الأنباء، والتحليل السياسي أو الاجتماعي الذي تكتبه الصحيفة، وعن طريق الصورة التي ترسلها الوكالات الفضائية المصوَّرة، والرسالة الغازية تعبُر إلى العقول المثقفة عن طريق الفيلم التلفازي المدهش، وعن طريق شريط الفيديو، وعن طريق البرنامج الإذاعي المشوّق، والرسالة الغازية تعبر إلى الأجيال الصاعدة عن طريق فيلم الكرتون المتقن، وعن طريق النظريات المدسوسة في مناهج التربية والتعليم إلى غير ذلك من أدوات ووسائل·

إن الغزو الحضاري الرهيب يعمل على زعزعة مبادئ الإسلام وقيمه وهدم أخلاقياته ومُثله في نفوس أبناء المسلمين، لينشأوا في غربة عن دينهم وحضارتهم وتراثهم··· ووعياً بخطورة هذا الأمر كان لابد أن ينهض الإعلام الإسلامي وأن يقوم برسالته في ردِّ العدوان الثقافي الواقع على أجيال الأمة وقيمها ومرجعياتها المختلفة··· وبما أن الحقول التي يرتادها الإعلام الإسلامي مختلفة ومتنوعة، فإن الأستاذ >علي سلطاني< اختار واحداً منها، هي جبهة الحرب النفسية ليقدم من خلالها رؤية وموقف الإعلام الإسلامي من الإشاعة باعتبارها أداة خطيرة توظف لتحقيق أهداف وغايات محددة سلفاً·

محفِّزات اختيار الموضوع

يقول الباحث: >لقد قرأت ما وقع تحت يدي من كتب في الإعلام والاتصال وعلم النفس الاجتماعي، فوجدتها قد صُبغت بصبغة كُتَّابها ومؤلفيها، ثم عدت إلى كتب السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي والتفاسير القديمة والحديثة للقرآن الكريم، فعلمت أن هناك تراثاً مهماً في ميدان الإعلام والاتصال لم يُنفض عنه الغبار بعد، يصحُّ أن يكون مادة إعلامية للمسلمين تسهم في تحصينهم ضد مكائد أعدائهم المتسرِّبة عبر كتاباتهم ووسائل إعلامهم المختلفة، كما وجدت في القرآن الكريم والسنَّة النبوية توجيهات صارمة ودقيقة في موضوع الإشاعة، نحن في مسيس الحاجة إليها، وخصوصاً في هذا المنعطف من تاريخنا<، ويمكن إيجاز أسباب اختيار هذا الموضوع فيما يلي:

1 ـ حداثة الموضوع: إذ إن موضوع الإشاعة وإن كان قد طُرق وبحث في الدراسات الإعلامية الغربية، فإن الكتاب والإعلاميين المسلمين لم يعرضوا له بعد بالدراسة والبحث، وخصوصاً على مستوى التناول الأكاديمي، حتى تقدم الصورة الإسلامية الناصعة في هذا المجال الحيوي الذي يجب ألا يغيب عنه الإعلام الإسلامي·

2 ـ عدم التزام المسلمين اليوم بأخلاقيات الإسلام والآداب الشرعية في مجال نشر الإشاعة وترديدها، ولعل ذلك يكون عن جهل منهم بخطورة ما يفعلونه، فأردت أن أسهم بهذا الجهد المتواضع لإبراز بعض هذه الأخلاقيات والتوجيهات والآداب علَّها تنير الطريق أمام المسلمين وتبصِّرهم بمدى خطورة المترتبات التي تنجرُّ عن ترديد الإشاعة ونشرها·

3 ـ بيان أهمية التراث الإسلامي الأصيل في هذا الوقت الذي تتنافس فيه البشرية لإظهار أمجاد، وطمس أمجاد أخرى، عن طريق ما تملكه من وسائل وأجهزة إعلامية ضخمة ومتطورة ليس لأمتنا المسلمة نصيب منها، وكيف أن ذاك التراث قادر بما ينطوي عليه من ذخائر، على التصدي لكيد فلسفات وبرامج الإعلام الغربي التي تستهدف الإسلام في صميمه·

4 ـ غفلة جمهور المسلمين وعدم مبالاتهم تجاه مخططات الأعداء رغم أنها تستهدف وجودهم نفسه، وعدم امتلاكهم منهجاً سليماً في التعامل مع الإشاعة موافقاً لمنظور نظرية الإعلام الإسلامي·

خطة البحث

قسَّم الباحث موضوعه إلى مدخل وبابين وخاتمة ضمَّنها أهم النتائج المتوصَّل إليها، وقد ركَّز حديثه في المدخل عن الحرب النفسية باعتبار أن الإشاعة من أهم أساليب الحرب النفسية، فهي تعتمد عليها في السلم والحرب على السواء· وخصَّ الباب الأول بدراسة إعلامية نفسية للإشاعة وقام بتقسيمه إلى أربعة فصول، وقد أسهب الحديث في الفصل الأول فيما يتعلق بتعريف الإشاعة لغة واصطلاحاً والقوانين التي تحكم الإشاعة في أثناء الانتشار··· ففي التعريف الاصطلاحي يقول: >خلافاً لما نتوقعه يصعب العثور على تعريف دقيق للإشاعة، وهذا لارتباطات هذه الظاهرة بجوانب نفسية واجتماعية وسياسية، إلا أن أهم ما تتفق عليه التعريفات المختلفة هو كون الإشاعة عملية تبادل رواية كلامية حول موضوع أو حدث ذي أهمية، وصعوبة التأكد من مضامينها<·

ونحن نورد مثلاً تعريف الدكتور >أحمد أبوزيد< الذي يقول فيه: >الإشاعة هي تلك المعلومات أو الأفكار التي يتناقلها الناس دون أن تكون مستندة إلى مصدر موثوق به يشهد بصحتها، أو هي الترويج لخبر مختلق لا أساس له من الواقع، أو يحتوي جزءاً ضئيلاً من الحقيقة<·

وتحدث في الفصل الثاني عن المراحل النفسية للإشاعة ووظائفها وأنواعها مثل الإشاعة الاندفاعية، وإشاعة الخوف والقلق، وإشاعة الأحلام والأماني، وإشاعة الكواليس إلخ···، وتحدث في الفصل الثالث عن دوافع الإشاعة وعوامل انتشارها، وتحدث في الفصل الرابع عن الإشاعة عبر التاريخ، حيث قدّم نماذج لبعض الإشاعات التي انتشرت عبر التاريخ مثل إشاعة حادثة >الإفك< في الفترة النبوية الشريفة، وإشاعة المسحوق الكيماوي في العصر الحديث، ومفادها أن الاتحاد السوفييتي السابق كان يقوم برش الدبلوماسيين الأميركيين بمسحوق كيماوي له تأثيره على المراكز العصبية، وقد عُرف أن مبعث هذه الإشاعة والدافع وراءها هو وضع عقبات أمام محادثات الحد من الأسلحة النووية التي جرت بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة في فترة الحرب الباردة··· وقد وضَّح هذا الفصل بأن اليهود تحديداً هم أرباب إتقان أسلوب الإشاعة وتوظيفها لتحقيق مآربهم الخسيسة·

أما الباب الثاني فقد خصَّه لدراسة الإشاعة في الإسلام، وقسمه إلى ثلاثة فصول، تحدث في الفصل الأول عن التعريف الإسلامي للإشاعة، حيث استنبط هذا التعريف من نصوص القرآن والسنَّة، كما في قوله تعالى: (إن الذين يُحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون) النور:19، قال الإمام >الفخر الرازي< في تفسير هذه الآية الكريمة: >ومعنى الإشاعة الانتشار، يقال في هذا العقار سهم إشاع، إذا كان في الجميع ولم يكن منفصلاً، وشاع الحديث إذا ظهر في العامة··· فالآية صريحة وقد جاءت تعقيباً على حادثة الإفك التي تمثل نوعاً من الإشاعة، حيث إن الله سبحانه وتعالى توعد أولئك الذين يحبون أن تنتشر قالة السوء في أوساط المؤمنين بعذاب أليم في الدنيا والآخرة، وخصوصاً إذا كانوا يسعون لترويجها ونشرها بين الناس بترديدها ونقلها من مكان إلى مكان· كما وردت في القرآن الكريم آيات أخرى تتحدث عن الإشاعات وأثرها السلبي داخل المجتمعات وموقف المؤمنين منها، لكن لم يرد اللفظ بحرفه كما في قول الله تعالى: (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل· فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم< آل عمران: 173 ـ 174·

فهؤلاء قوم مؤمنون حاول أعداؤهم إيهامهم بما يلقون في أسماعهم من أقاويل تهوِّن من عزائمهم وتهوِّل من قوة أعدائهم ومدى استعدادهم للحرب، وكل ذلك كان من صنع خيال المروِّجين والمرجفين الذين كان هدفهم تثبيط عزائم المؤمنين وتخذيلهم حتى يخوروا ويجبنوا فلا يتأهبون للقاء عدوهم

وتحدَّث الباحث في الفصل الثاني عن أخلاقيات مقاومة الإشاعة، وهي أخلاقيات مستوحاة من تعاليم الإسلام من قرآن وسنَّة وسيرة نبوية· وتحدث في الفصل الثالث عن موقف الإسلام من الإشاعات، سواء تلك التي تنتشر بين أفراد المجتمع الإسلامي، أو تلك التي توجه ضد غير المسلمين في السلم والحرب، وقد دعَّم هذا الفصل بدراسة تطبيقية ميدانية تحت عنوان >الآليات التي تتحكم في سير الإشاعة< مع استبيان يهدف إلى التعرُّف إلى مدى التزام أفراد المجتمع بالأحكام الشرعية وأخلاقيات الإسلام في التعامل مع الإشاعة·

ولا شك أن هذا الجانب التطبيقي أكمل الجهد النظري ورفع من القيمة العلمية لهذه الأطروحة المهمة التي نحتاج إليها جميعاً في هذه المرحلة الحساسة من وجودنا وتاريخنا·

النتائج المتوصل إليها

أضفت الدراسة الوصفية وإسقاط المنهج التاريخي على موضوع الإشاعة بالإضافة إلى تحليل جزئيات الموضوع ومقارنتها مع غيرها إلى النتائج التالية:

1 ـ ضرورة الالتزام بفضيلة الصدق: لأن الصدق يجعل صاحبه يتورع ويترفع ـ بدافع إيمانه ـ عن ترديد كلِّ ما يُقال حتى لا يدخل دائرة الكذب المذموم·

2 ـ التثبت والتبيّن باعتبارهما المصفاة الحقيقية لكل خبر يسمعه المسلم قبل أن يتفوَّه به، أو يفكر في إذاعته·

3 ـ الإعراض عن اللغو بالامتناع عن التخوّض في أي حديث لا ثمرة فيه أو مصلحة أو منفعة خاصة أو عامة، وبذلك نستطيع التضييق على الإشاعة·

4 ـ توسيع قاعدة الشورى وذلك لتجنّب النجوى التي تنمو في الخفاء وتستعمل الإشاعة كمادة أساسية لها، والاسترشاد بذوي الرأي والخبرة في حلِّ المعضلات، وهذه الأخلاق تمثل عناصر مقاومة ووقاية للأمة من هذه الآفة·

5 ـ يفضل أن يكون تكذيب الإشاعة من شخصيات معروفة ومحبوبة ولها صدى في أوساط الجماهير، كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث تصدى بنفسه لتكذيب الكثير من الإشاعات التي روَّجها المشركون واليهود والمنافقون·

6 ـ عدم تكرار الإشاعة عند تكذيبها، وتحويل الناس إلى مجالات أخرى مفيدة لهم، لأن ذلك من شأنه صرف الناس عن الإشاعات·

7 ـ هناك نوع من الإشاعات ينبغي أن يُحبط بالحجة لا لمجرد التكذيب، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد عندما أشيع خبر استشهاده، حيث ظهر للناس بشخصه، وبذلك أحبط تلك الإشاعة·

8 ـ تنمية الثقة بالله والإيمان به في نفوس الجماهير كي يتجنَّدوا لمقاومة الإشاعة والعزوف عن ترديدها·

9 ـ ضرورة البحث عن مصدر كلِّ إشاعة والقضاء عليها في جذورها ومنابعها الأولى حتى لا يستفحل أمرها ويعظم خطرها·

10 ـ بما أن النصوص الشرعية أظهرت بأن الإشاعة هي كذب وافتراء وقذف ونميمة ورمي لذلك، فإن الحكم الشرعي هو عدم جواز نشر الإشاعة وترويجها بين المسلمين لحرمة المسلم على أخيه المسلم، وضررها على وحدة الصف الإسلامي وتماسكه·

أخيراً نشير إلى أن هذه الأطروحة المهمة جداً نوقشت أخيراً في جامعة >الأمير عبدالقادر الإسلامية< في >قسنطينة< (الجزائر)··· فهنيئاً النجاح المميز لصاحبها الأستاذ >علي سلطاني<، ونأمل تطوير هذا الموضوع في بحث الدكتوراة·


بقلم الكاتب: إبرهيم نويري ـ الجزائر
:6_f:

السهل
21-07-2007, 03:57
كل الشكر والتقدير لك أختي على هذا الموضوع الرائع المتميز
الذي كم نحن بحاجة إليه وإلى فهمه .........كم أتعبتنا الإشاعات


مشكورة مرة أخرى،،،،،،،،،،،،ودائما طرحك متميز

عبدالمجيد الدعفس
21-07-2007, 05:20
أحسنت يابنت العقيلات ,,
موضوع مهم ,,
وبارك الله فيك ,,

بنت العقيلات
21-07-2007, 11:49
السهل شاكره مرورك الكريم

بنت العقيلات
21-07-2007, 11:50
اسعدني مرورك اخوي ابو احمد شاكره لك جدا