المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شوفوا كيف التضحيه قصه مشوقه


ناصر السيف
29-08-2007, 06:04
وقفت أمام الطبيبة ارتجف وكل عرق في جسدي ينبض بجنون وكأني اطلب منها إعادة ما قالته قبل لحظات إعادة ذكر الحقيقة بكل قوتها ومرارتها وعذابها وكأنما استجابت لطلبي قالت بشفقة بعد أن نقرت على الطاولة بظفرها الملون:
تماسكي أرجوك فالموقف يتطلب منك الهدوء والسكينة.. المرض اللعين قد تمكن من صدرك كما أخبرتك ولابد من الاستئصال..
بكت أمي وصرخت أختي وبقيت واقفة أحدق فيمن حولي بذهول وقد جاش في صدري إحساس غريب لم أحسه من قبلاً وان الدنيا قد أظلمت فجأة وأقفرت من سكانها ولم يبق سواي وذلك المرض الخبيث..
لم انم تلك الليلة ولا في الليالي التي تلتها تعلقت عيناي بسقف الحجرة أمامي وآلاف من الأسئلة تخترق راسي بضجيج مؤلم..
لماذا وكيف ومتى ؟!! وقد كنت حتى الأمس فقط في أتم صحة وعافيه ولم يسبق أن شكوت من أي مرض..
و"محمد" حبيب الطفولة ورفيق العمر.. خطيبي الآني وزوجي المقبل كيف سيتقبل هذه الحقيقة وبأي صدر رحب سيواجهها وقد كنت في نظره الوردة اليانعة المتدفقة حباً وحيوية وعطاء.. كيف سيقبلني نصف امرأة بنصف صدر.. وقلب مثقل بهموم المعاناة والمرض و شبح الموت يخيم على عش حبنا الذي لم يبدأ بعد..
رباه.. ماذا افعل وكيف أصارحه بالحقيقة المفجعة التي ستقتله قبل أن يخترق نصلها المسموم صدري المريض..
أجهش بالبكاء وقد أوصلتني أفكاري إلى طريق مسدود لا مهرب منه ولا تجاوز..
ومن بين دموعي لمحت أمي تربت على كتفي بحنان وهي تقول بصوت فضحته رناته الباكية:
هل توصلت إلى قرار يا "سعاد" هل توافقين على عمليه الاستئصال..
أجبتها وعيني مغرورقتين بالدموع :
لا أدري أنا لم أتزوج بعد و"محمد" انه ...
واغتالت غصة الم عميقة بقيه كلماتي ضمتني أمي بحرارة وقالت:
المهم شفاؤك يا حبيبتي وإنقاذ حياتك لا يهم استئصال يد أو ثدي أو ساق.. المهم الشفاء ومن يحبك سيقبلك كما أنت لاكما كنت..
أيدتها وفي قلبي خوف.. خوف عميق من أن يتخلى عني "محمد" أو يتخاذل أو يتجاهل فما بقي في نفسي ذره هدوء تحتمل أي شيء من هذا..
وقررت في لحظة صفاء نادر.. أن أتخلى عن "محمد".. أن استأصل حبي قبل أن استأصل جزءاً من جسدي.. أن اتركه قبل أن يتركني.. قبل أن أعاني مذلة السؤال وقسوة الهجران.. قبل أن أرى في عينيه الصدود والتجاهل أو نظرة إشفاق تحطم كبريائي وتعجل من نهايتي..
كفى يا قلبي.. كفى يا ضميري.. لن انتظر منه كلمة قد تنسف حباً بنيت عليه عمري كله وأملي كله.. لن أعذبه بعذابي وأمتحن صبره بمرضي..
سأودعه بهدوء سيحزن قليلاً ويتألم كثيراً لأبكي أنا بصمت وعذاب..
و ستمر الأيام وتندمل الجراح ويصادف حباً آخر وينساني وكأنني لم أكن.. ولن أنساه ما حييت..
كانت هذه خطتي رغم آلامي وعذابي بدأت في انتهاجها حددت مع المستشفى موعداً لإجراء العملية..
وبدأت أتهرب من "محمد" أتهرب من لقاءه ومن كلماته.. وفي يوم استجمعت شجاعتي وقررت مواجهته..
حادثني عبر الهاتف قلت له بهدوء يغلف اضطراب نفسي وغليانها:
"محمد" أرجوك انسحب من حياتي إنساني ..
أحسست باضطراب أنفاسه وكأنه لا يصدق هذا الهراء ..
تكلم أخيراً بصوت تمزقه اللوعة:
"سعاد" ماذا حدث هل جننت ..
أجبته بصوت حاولت جاهدة ألا يبدو فيه رنة بكاء:
أنا في كامل عقلي يا"محمد" الحقيقة أنا لا احبك ولم احبك يوماً لقد كنت أتلاعب بعواطفك خنقتني العبرات ..
صمت هو لكنه لم يستطع أن يكتم شهقة ألم اخترقتني اختراقاً لتفتت صدري المريض..
تمالك نفسه قبل أن يقول:
هل هناك آخر ؟!
أجبته: نعم.. وأرجو أن تصادف إنسانه تفهمك وتحبك مثل الذي صادفته أنا ..
وسالت دموعي على سماعه الهاتف ولم أستطيع التحدث أكثر من ذلك..
وأحسست بدموعه تسيل على الطرف الآخر وأنا اسمع تنهداته الباكية..
قال اخبراً وهو يستجمع شتات نفسه:
أنتِ حقيرة أنا أكرهك..
وأغلقت سماعه الهاتف لأبكي بجنون وأنا أمزق كل شيء بأظافري ..شعري وثيابي ودفاتري..
لم يبقى شيء مهم بعد "محمد" لم يعد لأي شيء طعم بعد أن فقدت الحب والسعادة والأمان واستشعرت قسوة الموقف وفداحة التضحية عندها أحسست فجأة بان الحياة كئيبة لا طعم لها ولا لون وأن الأشياء من حولي ترتدي ثياب الحداد.. فلا أمل في حاضر ولا مستقبل المرض ينهش جسدي وحبي الوحيد تركته بإرادتي ودون أية ضغوط..
وغابت شمس حياتي وأنا أتجرع العذاب أضعافاً مضاعفه حتى هال أمي ما تراه علي من وجوم وضعف شديد وسألتني بقلق:
ما بك يا حبيبتي هل تفتقدين"محمد"؟!
وانهرت بين ذراعيها فاقدة الوعي ولم أفق إلا وأنا في المستشفى وقد أجريت لي العملية الجراحية.. نظرت إلى ثوب المستشفى الأبيض وهو يتكرمش حول الصدر ويبدو فارغاً مخيفاً كالقبر رفعت عيني إلى الطبيبة بتساؤل مر.. قالت وابتسامة حزينة تبدو على محياها:
حمداً لله على سلامتك لقد اضطررنا إلى استئصال الثدي الآخر أيضاً للحفاظ على حياتك ولن يعود إليك المرض الخبيث أبداً بإذن الله..
أجهشت بالبكاء على الرغم مني ولم تفلح الطبيبة المواسية في إزاحة جبال الهموم التي تراكمت على رأسي.. حتى حنان أمي وحنوها علي لم يغيرا شيئاً من نظرتي القاتمة تجاه ذاتي.. فتاة تخطو خطواتها الواسعة نحو الشيخوخة بلا علامات تميز الأنثى عن الذكر وبلا حتى بارقة من أمل..
و"محمد " الحب الضارب في أعماقي حد الوجع يختفي من حياتي بلا وداع وكلماته الأخيرة لا تزال ترن في أذني كمطارق من حديد خرجت من المستشفى لأتقوقع حول ذاتي وكل شيء في حياتي يتداعى ويتحطم وينتهي للأبد حتى أشيائي الصغيرة وكحلي ومرآتي هجرتها وكأنها لم تكن..
وفي قمة يأسي وعذابي فوجئت به إلى جواري ..حبيبي الأبدي "محمد".. ذهلت شملني اضطراب شديد من قمة رأسي حتى أخمص قدمي أعجزني حتى عن النطق.. حاولت الهرب وأنا انظر إلى صدري الخاوي بفزع جاءني صوته العذب مغلفاً باللهفة والحنان:
"سعاد" أنا احبك كما أنت.. أنت قاسيه حين أبعدتني عنك بسبب المرض ولكن ثقي ثقة أكيده بأنه لن يفرقنا سوى الموت ..
امتلأت عيناي بالدموع وأنا أشير إلى الواقع البشع المتمثل في صدري.. ابتسم برقه وهو يقول:
سنجري عملية تجميل تعيد كل شيء إلى وضعه الطبيعي ستكونين زوجتي وأم أولادي يا"سعاد" تسللت كلماته الرقيقة إلى قلبي محمله بالأمل الطاغي.. ابتسمت رغم دموعي وأنا أقول بصراحة جارحه:
ومن أين يشرب أولادنا الحليب..
ضحك بقوة وهو يجيب:
لن نعدم بقرة ترضعهم.

ناصر السيف
29-12-2007, 05:08
مواضيع لم يرد عليها من قبل أعضاء المنتدى



حبيت أعيدها من جديد



للي حاب يشوفها



دمتم بخير