سلامه العايد
25-09-2007, 11:06
الشيخ سعدون العواجي هو شيخ عموم قبيلة ( ولد سليمان )
التي هي من أفخاذ قبيلة عنزة
الكبيرة , له شأن بين قبائله , ورئاسته لهذه القبيلة
عريقة , مطاع بين أفراد القبيلة , شجاع
ومشهور بفروسيته , وشاعر مجيد , له أبناء كثيرون ,
ولكن لم يشتهر منهم سوى ابنيه
عقاب وحجاب , وهما شقيقان . وشهرة عقاب قد زادت على
شهرة أبيه , وكان من الأبطال القلائل في نجد .
لكن قبل أن يبرز ابناه وقبل أن يبلغا سن الرجولة ,
حصل بين الشيخ سعدون وزوجته , والدة
عقاب وحجاب , خلاف أدى إلى طلاقها , وذهبت
إلى أهلها في بلاد سورية ومعها ابناها ,
وهي من قبيلة الفدعان من عنزه الموجودين في سورية
وكان أخوال الشابين - عقاب وحجاب -
مشهورين بين أفراد القبيلة وقد تربيا في أخوالها
أحسن تربية وبعد أن بلغا سن الرجولة
وأصبحا فارسين يضرب بهما المثل اصحبا يترأسان
قسما من عشائرهما في سورية , أما
الشيخ سعدون فقد بقي شيخا لجماعته ( ولد سليمان )
في نجد إلى أن برز شخص من أبناء
عمه يسمى شامخ العواجي , وأخذ ينازع سعدون
الزعامة ويعرقل نفوذه , واستفحل أمره ,
إلى أن خفر ذمام سعدون مرارا وتكرارا مستهترا بأوامر
الشيخ , وأخذ يتحداه في كل مناسبة ,
ويقلل من قيمته عند القبيلة , وأخيرا أخذ
مكان سعدون , وتزعم القبيلة , وأخذ يعامل الشيخ
معاملة سيئة , وقد وصل به الأمر إلى أن حقره , وحظر
عليه أن يورد إبله على أي منهل ترده
قبائل ( ولد سليمان ) قبل أن ترد إبل شامخ وإبل
كل القبيلة , وقد قال أشعارا بهذا كثيرة , منها
واحدة بين فيها أنه قد عزم على الرحيل , ليفارق
شامخا وغطرسته , وعندما لاحظه بعض
الذين يعطفون عليه , يجمع أمتعته ويحملها على رواحله
, أخذوا يلومونه وحاولوا أن يثنوه
عن عزمه , ولكنه أصر على الرحيل وقال في قصيدته
: أن شامخا لا ينصاع للحق , لذلك فهو
سيبتعد عنه , ويعالج آلامه بالفراق , لأن في البعد سلوى له :
قالوا تحورف قلت يالربع نجّاع = وقالوا تقيم وقلت يالربع ما قيم
قالوا علامك قلت من قلّ الافزاع = صيحة خلا ما عندي إلا الهذاريم
والى بغيت الحق من شامخ ٍ ضاع = يطرّم علي دايخ الراس تطريم
يبعد عن القالات طقّه بالأصباع = من قلة اللي يضربه باللهازيم
ليا صار ما توفي عميلك من الصاع = ما ينقعد لك عند حصن النواهيم
شبر ٍ من البيدا يعوّضك الافزاع = وسود الليالي يبعدنّك عن الضيم
( تحورف : تستعد 000 هذاريم : هذيان )
لكن هذا لم يكن به حل لأمره , فهو إذا ابتعد عن قبيلة
ولد سليمان سيكون لاجئا عند إحدى
القبائل , وهذا يرى أن فيه نقصا بعد العز الرفيع
الذي كان عائشا فيه , وإذا انفرد وحده في
الفيافي فسوف يكون لقمة سائغة لبعض الغزاة من
الصعاليك , وهو لا يستطيع وحده حماية
نفسه , ولذلك رجع بعد أن رحل مرغما .
بهذه الظروف زاد شامخ بطغيانه وتجبره على سعدون ..
وأخيرا لفت نظر سعدون شخص من الذين يعطفون
عليه , أن يكتب لأولاده , ويشكو إليهم ,
ويخبرهم باعتداء شامخ على جميع سلطاته ,
وخفر ذمامه , وإهانته بين قبائل نجد .
فكتب سعدون لابنيه هذه القصيدة :
يا راكب ٍ من عندنا فوق مهذاب = مامون قطّاع الفيافي الى انويت
عند الفضيله عد يومين بحساب = أول قراهم قول يا ضيف حِييت
حر ٍ صغير ٍ وتوّ ما شق له ناب = وعقب القِرا ودّع رجال ٍ لهم صيت
وليا ركبته ضرّبه خل الاجناب = وانحر لنجم الجدي وإن كان مديت
واسلم وسلّم لي علي عقاب وحجاب = سلّم على مضنون عيني الى ألفيت
بالحال خص عقاب فكاك الأنشاب = ينجيك كان انك عن الحق عديت
قل له ترا شامخ شمخ عقب ما شاب = ويا عقبا والله ذلّلوني وذليت
ويا عقاب حدّوني على غير ما طاب = وقالوا تودّر من ورا الما , وتعديت
من عقب ماني سترهم عند الأجناب = وليا بلتهم قالة ٍ ما تتقيت
ما دام شامخ مالك ٍ جرد الأرقاب = لو زيّن الفنجال لي ما تقهويت
يا عقاب حَط بثومة القلب مخلاب = من العام في نوم العرب ما تهنّيت
الجفن عن نوم الملا فيه نتّاب = وعدّ الطعام مدوّس ٍ به حلاتيت
عقب المعزّه صرت يا عقاب مرعاب = والناس حيين ٍ وانا عقبكم ميت
من الضيم يا عقاب السرب عارضي شاب = وادويت من كثر العنا واستخفيت
فاتن ثلاث سنين والنوم ما طاب = وشكواي من صدري عبار وتناهيت
البيت ما يبنى بلا عمد وأطناب = متي يجينا عقاب يبني لنا البيت
مالي جدا إلا غضّة البهم بالناب = وراعيت كثر الحيف بالعين واغضيت
ارجي بشير الخير مع كل هبّاب = ومتى يجونا اخوان ( نمشه ) على الصيت
( تودّر : ابتعد 000 جرد : جموع )
وبعد أن وصلت هذه القصيدة لابنيه , ثارت ثائرة عقاب ,
وأمر أخاه أن يهيئ نفسه للرحيل من
بلاد سورية , ويترك مقرراته التي استحصل عليها
من دولة الأتراك هنا , مادام أن والدهما قد
لحق به الأمر , ورحل عقاب وأخوه وصدقيهم
عيد ومعهم بعض الخدم , وترك جماعته من
ولد سليمان بسورية , ومشى بظعينته إلى نجد
وقد استغرقت رحلته ثلاثين يوما , وصل بعدها
بالقرب من منهل يسمى ( الحيزا ) من ديار قبيلة
( ولد سليمان ) وقد باتوا على مقربة منها ,
بعد أن تأكدوا أن إبل قبائل ( ولد سليمان ) واردة
على هذا المنهل , في الليلة المذكورة , وبعد
طلوع الفجر , قام عقاب وتأبط سيفه , وأمر
أخاه ومن معه أن يتبعوه بظعينتهم , ثم مشى على
قدميه متجها إلى العرب الذين على ( الحيزا ) مختفيا ,
وأخذ يبحث عن بيت والده سعدون ,
وكان قد استوصف من الناس ما يدله على بيت
أبيه وقد قيل له : أن شامخا أمر على أبيه بأن
لا يرفع بيته بين بيوت القبيلة , إذلالا له وكذلك أمر
راعي إبله القليلة العدد أن لا ترد الماء إلا
بعد أن ترد إبل الحي كلها , وعندما وصل بيت
والده قبل طلوع الشمس , وقبل أن يرد أحد على
البئر , وجد والده نائما , وكذلك راعي إبل والده نائما
بين الإبل , فأيقظ الراعي , وقال له قم
أورد إبلك على الماء , فرد الراعي : لا أستطيع يا عماه ,
لأن الشيخ شامخا سيضربني , وقد
أمرني أن لا أرد الماء إلا بعد أن ترد القبيلة ,
فنهره عقاب بشده , وحاول الراعي أن يعتذر لأنه
لا يعرفه , فأكد عليه وقال : أورد إبلك وأنا معك ,
ولا تخف , ومشى الراعي قسرا بالإبل إلى
البئر واختفى عقاب بين الإبل , وعندما وصلوا
قرب البئر , شاهد شامخ أن راعي إبل سعدون
قد ورد الماء عاصيا لأمره , فثارت ثائرته , ونادى
الراعي , وتهدده , فقال عقاب للراعي
بصوت لا يسمعه شامخ : امض في سبيلك ولا تجبه ,
وعند ذلك اشتد غضب شامخ , وأخذ
عصاه , وأقبل من بيته يعدو , ليشبع الراعي ضربا
كعادته , وعندما قرب شامخ منه , خرج
عقاب من بين الإبل , كأنه الأسد , مجردا سيفه ,
ووثب على شامخ ليقتله , وعندما رآه شامخ
عرف أن هذا عقاب , الذي خبر بأوصافه ,
وتأكد مــن شـــاربــيــه اللــذيـن يـلامـــسان أذنــيــه ,
فصعق شامخ , وعرف أنه لا يستطيع الدفاع عن نفسه ,
ولا يتمكن من الهرب إلى بيته ,
ففضل أن يرمي نفسه بالبئر القريبة منه , وفعلا رمى نفسه ,
وأطل عليه عقاب , وأدلى إليه
الرشا , وقال : اخرج , فقال : هذا هو قبري ,
لا يمكن أن أخرج إلا أن تعفو عني , فقال عقاب:
إن جبنك الذي رأيته سيجعلني أعفو عن قتلك مشروطا ذلك
بعفو الشيخ سعدون أي أبيه ,
فترك عقاب راعي الإبل يسقيها , وأمر من حوله أن يخرجوا
شامخا الجبان الذي اختار أن
يرمي نفسه بالبئر , ورجع عقاب بعد أن رأى أخاه حجاب
قد وصل بالظعينه , فأومأ إليه نحو
بيت أبيه , وأمرهم أن يبنوا البيت الكبير , وأن يرفعوا
عماده , وبعد أن بنى البيت أثثوا
مجلسه بأحسن الأثاث , وهيئوا مقعدا وثيرا لوالدهم ,
وطلبوا منه أن يجلس عليه , ثم أمر
عقاب صديقه عيدا أن يركب إحدى الخيل , ويبلغ القبيلة
أن يحضروا للسلام على الشيخ
وولديه عقاب وحجاب , فراح صديقهم مسرعا وبلغ
القبيلة بعد طلوع الشمس فجاءت قبائل
( ولد سليمان ) وسلموا على سعدون وابنيه وتمت
البيعة لسعدون من جديد , وقد أعجبوا
بعقاب وحجاب , وكان إعجابهم بالشيخ عقاب عظيما
جدا , حيث تأكدوا من رؤية الرجل الذي
سارت بأخبار شجاعته الركبان من بلاد سورية ,
وقد تم التحول بهذه الطريقة البسيطة ,
وأشاد ابنا سعدون مجد والدهما من جديد , وراح
شامخ نسيا منسيا , وقد عفا عنه الشيخ
سعدون لأنه رآه لا يستحق أن يجازيه على أفعاله ,
لما ظهر من جبنه , لقد رفع عقاب وحجاب
والدهما إلى القمة , وأخذ الشيخ سعدون يصول ويجول في
بلاده , لا يخشى أحدا من القبائل ,
وزاد به الأمر أن أجلى بعض قبائل شمر عن بلادهم ..
ولا شك أن هذا بسواعد أبناءه , خاصة
عقاب الفارس الشجاع .
عقاب بن سعدون العواجي
وذات يوم بلغ سعدون أن أراضي ( بيضا نثيل ) مخصبة ,
وهذه يملكها مسلط التمياط , شيخ
قبيلة التومان من شمر , فالتفت سعدون إلى ولديه وقال : إنني
أحب أن أرحل إلى ( بيضا نثيل )
وآخذها عنوة من مسلط التمياط وجماعته , فأجاب ابناه بالسمع
والطاعة وقالوا عليك أن تأمر
, ونحن سنأخذها قسرا , فأمر سعدون العرب بالرحيل , لأخذ
( بيضا نثيل ) من التمياط , وفعلا
أخذوا ( بيضا نثيل ) من مسلط التمياط , واتسعت حدود سعدون العواجي
هو وقبيلته , إلى أن
بلغت من ( خيير ) إلى قرب طي وشمالا ( تيماء ) والنفود .
ومع كون عقاب اشتهر بالشجاعة والفتك , فقد هام بغرام إحدى
بنات الحي وتسمى ( نـوت )
هذه الفتاة كانت أجمل فتاة بين قبائل عنزة , ويضرب المثل بجمالها ,
وقد قال عقاب فيها
الأشعار الكثيرة , ولكن لم أضفر إلا بأربع قصائد أدونها تباعا , وهي كما يلي :
يا ونتي , بأقصى الضماير سَـندها = لا رقَبت مشذوب المراقيب تزداد
ونة عجوز ٍ مات عنها ولدها = رملى ضعيفة مالها غيره أولاد
على الذي مثناة قلبي عقدها = حبه بمكنون الحشا يسند اسناد
وعروق قلبي يبــّـستهن بيدها = صارن كما شنّ ٍ على الدار بيـّـاد
إن أبعدت عيني يجيها رمدها = ودموعها تسقي قناطيش الأذواد
وإن قربت كبدي يجيها لددها = مَر ٍ هنوع ومر ما تقبل الزاد
اللي كما الفنجال غزّة نهدها = خلاّقها رب ٍِ له الناس سجاد
ريميةٍ ما ترتع إلا وَحَدها = تقطف زماليق الخزامى بالأجراد
ثم قال قصيدته الثانيه شاكيا غرامه بـ ( نــوت ) وشاكيا لواعجه وما يقاسيه بحبها :
وا كبدي اللي كن به حمو لالي = بالقيظ وإلا حامي الجمر ناله
تفوح فوح مبهّرات الدلالي = جزل ٍ حطبها ركّده ثم شاله
والعين جابت دمعها بانتلالي = يشدي هماليل المطر من خياله
من واحد ٍ يتعب على شده بالي = لو ما عَنَت رجلي فقلبي عنا له
عينه تشادي قلتهٍ بالظلالي = في حد لوح ٍ ما تنوله حباله
وقذيلةٍ يلعب بها الهمّلالي = بدف الظّليم ويتعب اللي حبا له
اللي بميدان الموده مشى لي = يرخص كلامه ويتغالى حلاله
أنا أشهد إنه بالهوى سم حالي = ويبّس عروق الجسم وأذوى خياله
عندي غلاه مرخّص ٍ كل غالي = طفل ٍ معذبني بزايد دلاله
وأما في قصيدته الثالثة فقد شكى فراق محبوبته ,
وكان أهلها رحلوا بها بعيدا عنه , وحالت
بينه وبينها الفيافي الشاسعة , ولا يستطيع أن يصل إليها
, وأخذ يصف ما بينهما من البعد ,
ويشكو إلى أخيه حجاب في آخر القصيدة :
من دون خلّي حال ( عِرنان ) و ( كباد ) = ( وحلوان ) مرفوع الحِجى حال دونه
شدوا وخلوني على الدار ركـّـاد = واقفت مع الجرعا تباري ظعونه
والدمع من عيني على خدّي ابداد = من الغشين اليا انتثر من زونه
فرقى لطيف الروح يا حجاب لا عاد = عقبه ضميري يا بسات ٍ شنونه
يا حجاب كان انك عن الحال نشاد = خلي بقلبي جايرات ٍ طعونه
اللي ذبحني بالهوى يابن الأجواد = طفل ٍ قرونه ما غطاهن زبونه
طفل ٍ لشرّاد المها صار قوّاد = يحيْر عقلي في تواصيف لونه
حبه بمكنون الحشا يسند اسناد = وان خانني يا حجاب ربي يخونه
قصيدته الرابعة سأل محبوبته ( نــوت ) فيها: لماذا رحلو عنه ؟ ,
وقال أنه تحقق الفراق بيني
وبينك , ووصف دموعه ووجده , وأن بفراقها مال عليه الدهر
, وطلب منها الرجوع لتعالج
فؤاده . وانه إذا طال الفراق سيرجعها فوق الصافنات
الجياد , لو أدى ذلك إلى خوض معركة :
يا نوت عنا ظعونكم ليه شالت = يا حيف تم فراقنا يا حبيبي
زملك مع الحزم المشّرف تكالت = وقَفت أراعيهن وقلبي غضيبي
عقبك عيوني بالدموع استخالت = من فوق خدي نثرهن فوق جيبي
وعقبك يا زين الأيام مالت = ارجع وعالج ضامري يا طبيبي
وديارنا من عقب فرقاك سالت = من دمع عيني قام يدرج شعيبي
وان كان فرقاكم على القلب طالت = نجيك فوق منثّرات السبيبي
ناصلك لو من دونك القوم حالت = من فوق قب ٍ يرجهنّ الحريبي
أو أن دونك قرّح الخيل جالت = لازم يجيبك حظنا من نصيبي
ولـ ( رحيل ) والد نوت أخ يسمى ( قرينيس ) له ثلاثة أبناء ,
أحدهم أبرم عقد نكاحه على نوت
بنت رحيل , ولكنها رفضت الزواج من ابن عمها هذا ,
لأن غرامها بعقاب قد تمكن من قلبها ,
ولا ترضى الزاوج بغيره , وكان بينهما روابط قوية ,
وأخيرا اضطر عقاب إلى أن يأتي إليها
بوضح النهار , على مرأى ومسمع من أهلها
, ويجلس بالقرب منها , ويحدثها ما طاب له
الحديث , ولا أحد يجرؤ أو حتى يفكر بمنعه
, وكان عاشقا بريئا كل البراءة , وبعيدا كل البعد
عن الرذيلة وبمنتهى العفة .
لقد لاحظ ذلك ابن عمها المعقود له عليها فتشاور
مع إخوانه بالأمر , وقرروا أن يذهبوا لعمهم
( رحيل ) , ويخبروه أن أمر عقاب تعدى الحدود
, وأنهم لا يقبلون أن يأتي عقاب لابنة عمهم ,
ويحدثها .. فذهبوا لعمهم وأخبروه بالأمر ,
وقالوا : إننا مصممون على أن ننصح عقاب
بالعدول عن أمره , وإن أصر على تحديه فسنقتله
, ونحن نطلب رأيك , فنظر إليهم عمهم
طويلا , ثم هز رأسه , وقال هذه الكلمة :
يا ويلكم من عقاب !! , ويا ويلكم بعد عقاب .
وقام بعد هذه الكلمة , وهنا بهتوا , وبقوا يتساءلون
عن معنى كلمة عمهم , فقال لهم أكبرهم :
نعم إن عمكم يقول يا ويلكم من عقاب إن حاولتم قتله
, وهذا شيء من المستحيلات , لأن
عقابا كما تعرفونه , ليس بالسهل قتله , أما قوله يا
ويلكم بعد عقاب , فمعناه أنكم لو ظفرتم
بعقاب وقتلتموه فقد هدمتم عزكم , وخسرتم الشخص
الذي أرهب أعدائكم , وحمى بلادكم ,
وفتحنا بيننا وبين أبناء عمنا مشكلة كبيرة ,
ستكون سببا بانقراضنا جميعا , وإن من الأفضل
أن تتركوا ( نــوتا ) لعقاب , وهو أحق بها , لأنه يحبها
وهي تحبه , وهذا هو أفضل شيء
نعمله لحل المشكلة , وقد أجمعوا على هذا الرأي ,
فتم طلاق ( نــوت ) وتزوجها عقاب , وبلغ
أمنيته بـ ( نــوت ) التي هام بغرامها سنين طوالا ,
وبعد أن عرف عقاب ما دار بين الاخوة
وعمهم , رحيل العواجي , وأنهم طلقوا ( نوتا )
من أجله رأى لزاما عليه أن يقابل الجميل
بالجميل , وكانت له أخت تسمى ( حرفه ) سبق أن
عقد لها على ابن عمه القريب المسمى
( دغام الأحيمر ) , لذلك أرسل عقاب لابن عمه ,
وأخبره أن أبناء قرينيس العواجي عملوا معه
جميلا وطلقوا بنت عمهم ( نوت ) من أجله , وانه يحب
أن يكافئهم , ونظرا لأن حرفه رافضة
الزواج منك , فأنا أحب أن تطلقها لأزوجها على
الذي طلق نوتا من أجلي .. فقال : أنا لن أطلق
حرفه لو قطعت رقبتي , فثار عقاب , وأقسم
على نفسه أن يقطع رقبته في الحال , وطلب
سيفه , وكان عقاب لا يقول شيئا إلا فعله , وعرف
دغام أنه قاتله لا محالة , وحالا ارتمى على
ركبتي عقاب , وأخذ يقبلهما معلنا طلاق حرفه , جاهرا
بصوته , وبعد أن طلقها زوجها عقاب
قرينيس , الذي طلق نوتا وكذلك أرسل لأخويه
الآخرين , وقال لهما أن هاتين الطفلتين يقصد
ابنتيه , الصغيرتين إذا بلغتا سن الزواج فسوف أزوجكما بهما .
نرجع إلى الشيخ سعدون والد عقاب , بعد أن استولى
على ( بيضا نثيل ) من التومان , حصل
بينه وبين قبائل شمر معارك هائلة , حتى أجلاهم
عن بعض مساكنهم , وقد دافعوا دفاعا
بطوليا , خاصة قبيلة الغيثة من عبده , أما
مسلط التمياط وقبائله , فقد جلوا عن ديارهم ,
واستولى عليها سعدون وأبناؤه , ولم تزل يملكها العواجية إلى الآن .
بعد هذا أرسل مفتاح الغييثي إلى قبائل شمر يستحميهم
, ويطلب منهم النجدة , فحضر عدد
منهم , ووقفوا في وجه سعدون , وقفة الأبطال ,
وحصلت بينهم وبين سعدون معركة هائلة ,
على المنهل المسمى بـ ( ظفرة ) وهو من مياه شمر
, انتصر فيها شمر على العواجي وقبائله .
ورغم أن شمر انتصروا فيه هذه المعركة ,
فإن سعدون العواجي وأبناءه لم يفقدوا شيئا من
أراضي شمر التي كسبوها .
لقد استفحل أمر عقاب العواجي , وجندل عددا كبيرا
من فرسان شمر , لذا فقد اتفق شمر على
أن يصبوا فنجانا من البن , ويضعوه بينهم , ويقولون
لفرسانهم : الذي يشربه في مجتمعهم
هو المسؤول عن قتل عقاب , في أول معركة نخوضها
معه , إنه لا يمكن أن يتجرأ على شربه
إلا من كان قوي الجنان , وعنده الثقة بنفسه ,
فقام شاب من بين الصفوف يسمى ( أبا الوقيّ
ولكم يكن من عائلة لها ماض بالفروسية , فأخذ
الفنجان وشربه , في مجلس شمر , وقال أنا
شارب فنجان عقاب , وسأقابله على ظهور الخيل ,
وعندما التحم شمر في معركة مع ولد
سليمان جماعة عقاب العواجي , وعندما رأى
( أبا الوقيّ ) عقابا بين الخيل , دفع جواده ,
وكان عقاب لا يظن أن احدا يتجرأ ويهجم عليه ,
خاصة مثل هذا الشاب الصغير , فلقيه عقاب
ولما اقترب كل واحد من الآخر , أطلق كل منهما
سهمه على الآخر , ولكن لم يصب أحدهما ,
والتصقت جواداهما , وتماسكا بالأيدي على ظهور
الخيل , ثم وقعا على الأرض , فهجمت
فرسان قبائل عنزه , لتخليص عقاب وهجمت فرسان
شمر هي الأخرى لتخليص أبا الوقيّ ,
الشاب الذي ضرب أروع مثل بالبطولة , ونفذ
ما التزم به , ودارت المعركة وحمى الوطيس ,
وثار غبار الخيل , وغطى كل شيء , حتى أن الفارس
لا يبصر الآخر وتخلص عقاب من الشاب
أبا الوقيّ , وقام من الأرض والغبار يحجب كل واحد
عن الآخر ووقعت يد عقاب على سيف
بالأرض وأمسك بجواد واقف فوق رأسه . وكذلك أبا
الوقيّ هو الآخر . أخذ سيفا , ووجد جوادا
من حوله , فأخذه , وعندما افترقا إذا بالسيف والجواد
اللذان مع عقاب هما لأبا الوقي ّ , وأبا
الوقيّ وجد أن الجواد الذي معه والسيف هما سيف
وجواد عقاب , وانفصلت المعركة بعد ذلك ,
وكانت النتيجة خيبة أمل للشيخ سعدون , لأنه
رأى بالأمر غضاضة عليه , حيث أن جواد ابنه
وسيفه يأخذهما شاب صغير من قبيلة شمر , ليس
معروفا , ولم يكن له ماض , وليس كفوا
لمقابلة عقاب في نظره , وقد قلق للأمر وسهر ليلته
ولم ينم , فجاء إليه شيوخ قبيلة ولد
سليمان وقالوا له لا تقلق يا أبا عقاب على فقدان
الجواد والسيف , فكل خيلنا وسيوفنا نقدمها
لعقاب , عوضا عن جواده وسيفه , فقال : أنا لا يهمني
جواد عقاب أو سيفه , ولكن الذي
يشغل بالي , ويحز في نفسي وأخشى منه , هو أن
شاعر شمر ( مبيريك التبيناوي ) , قد وقع
على بيت من الشعر , عالق بذهني الآن , فقالوا له :
وما هو هذا البيت الذي تخشى أن يجده
شاعر شمر ؟ فقال لهم : هو هذا البيت :
السيف من يمنى عقاب ٍ خذيناه = والخيل بدّل كدشها بالأصايل
وفعلا وقع ما كان يخشاه سعدون , حيث بعد انفصال
المعركة , قال شاعر شمر مبيريك
التبيناوي , قصيدة من ضمنها البيت الذي أشار إليه سعدون
, وهو ثاني بيت من القصيدة الآتية :
أبا الوقي يالبيض خضّبن يمناه = وأنا اشهد انه من عيال الحمايل
السيف من يمنى عقاب ٍ خذيناه = والخيل بدّل كدشها بالأصايل
هذي سلوم ٍ بيننا يالقراباه = يا زين بيع المنسمح يا بن وايل
وعقاب ما سبّه ولا سب حلياه = أن جو على قب المهار الأصايل
يركض على الصابور ولابه مراواه = شي ٍ تعرفه كل سمو القبايل
لا شك عندي له فهود ٍ مغذاه = عيال شمر فوق قب السلايل
( سمو : عموم )
وفي بعض السنين نزل على سعدون وأبنائه الشيخ مجول
بن شعلان , ومعه قسم من قبائل
الروله أيام الربيع , وقد اتفق مجول بن شعلان وسعدون
العواجي , أن يغيرا على قبائل حرب
الموجودين بأراضي ( رخا ) الماء المعروف , وفعلا
غزوا حربا وأغاروا عليهم بالمكان
المذكور , وأخذوا منهم مواشي كثيرة , من بينها إبل
مشهورة تسمى بـ ( شملا ) وكان زعيم
قبائل حرب ابن فرهود , غائبا عندما أغاروا عليهم ,
وبعد أن رجعوا إلى ديارهم غانمين ,
رحلوا جميعا إلى الشمال , بديار سورية , لأنها باردة
في أيام الصيف , وعندما علم الشيخ ابن
فرهود برحيل سعدون العواجي وأبناءه وعربانهم
مع الشيخ مجول بن شعلان أرسل لهم قصيدة
يتهددهم , ويقول ارجعوا لدياركم محاولا أن يأخذ ثأره منهم
, ومبينا ندمه أنه لم يحضر عندما
أخذت الإبل المشهورة شملا , وعندما وصلت قصيدته
لسعدون رد عليه بقصيدة ثم رجع بقبائله
متحديا ابن فرهود , ونزل منهل حرب ( رخا ) وأغار على
قبائل حرب , وأخذ أموالا وخيلا
كثيرة , بعد أن توارى عنه ابن فرهود , طالبا لنفسه النجاة .
بعد أن رجع سعدون وقبائله إلى موطنهم , كان
عقاب بن سعدون لا يكفيه أن يهاجم عربانا
بعربانه , ولكنه كان دائما يغزو غزوات بعيدة المدى ,
يغنم فيها أموالا من مواشي الأعداء
البعيدين , وكان يغزو احيانا جهات القصيم , وأواسط نجد .
وفي غزوة من غزواته صادف ثلاثمائة فارس من فرسان
حرب وكان معه ثمانون فارسا فوقع
الطراد بينه وبينهم وحصل خسائر بين الجميع , ولم يغنم
إبلا من حرب , رغم انه لم يغز إلا
من أجلها , وأثناء رجوعه وعند وصوله إلى أحياء
قبائله , اعترضته فتاة تسأله عن حليلها
وكان من الفرسان المرافقين له :
يا عقاب يا حبس الظعن باللقا الشين = ياللي حريبك بالهزيمه يمنّا
عنّيت ذيب الخيل يوم الاكاوين = نور العيون بغيبة الشمس عنّا
هو سالم ٍ وإلا رموه المعادين = يا عقاب خبّرني تراي أتمنّا
فأجابها بهذه القصيدة :
يا بنت ياللي عن حليلك تسالين = حنّا لنا حي يسالون عنا
خمسة عشر ليله على الوجه مقفين = ندور وضح ٍ بالأباهر تحنّا
وسفنا هل البل شاربين الغلاوين = من دون رخم للحويّر تحنّا
جونا ثلاثميه وحنا ثمانين = مثل المحوص الشّلف منهم ومنا
وبانت رديّتهن وشفنا الرديين = وكل ٍ عرفنا عزوته يوم كنا
ليتك تراعي يا عذاب المزايين = يوم أن عيدان القنا يطعننا
منا حليلك طاح بين المثارين = في ديرة ٍ فيها الوضيحي تثنّى
ومنهم جدعنا عند شوقك ثلاثين = وكم خيّر ٍ من راس رمحي يونّا
في ساعة ٍ فيها تشيب الغلامين = انطح نحور الخيل يوم اقلبنّا
يا ما نقلت الدين وألحقته الدين = وحريبنا في نومته ما تهنّا
أرسي لهم يا بنت وأنتي تعرفين = لياما حمام النصر رفرف وغنّى
وأردها وألحق ربوعٍ مخلّين = ونروي حدود مصقّلات ٍ تحنّى
وقلايعي من نقوة الخيل عشرين = قبّ ٍ ولا فيهم ثبار ٍ ودنّا
بهذا أنبأها عقاب أن حليلها قد قتل .
أما قبائل شمر فلم ينسوا ما خسروه من ديارهم
, لقد أرسلوا رسلهم إلى قبائل شمر النائية
يستنجدونهم على سعدون العواجي وأبنائه , وفي
هذه الأثناء غزا هايس القعيط , شيخ قبيلة
آل بريك – شمر - , من الجزيرة بالعراق , ومعه
سبعون فارسا غزا بلاد ( ولد سليمان ) ,
جماعة سعدون العواجي , وعندما كمن بالقرب
من مفالي ابل ( ولد سليمان ) رآهم شخص من
قبيلة آل سويد من شمر . كانت والدته من جماعة
سعدون العواجي , وهم أخواله , فذهب لهم
وأنذرهم هجوم شمر أهل الجزيرة الذين يترأسهم
هايس القعيط , - لذلك سميت عائلة هذا
الشخص بـ ( النذرة ) ولا زالوا بهذا الاسم حتى
الآن بين شمر - , وعندما علم ( ولد سليمان )
أن هايس القعيط ومن معه قد كمنوا لإبلهم , هبوا
وركبوا خيولهم , وراحوا للإبل بالمفلى من
ليلتهم , وفي الصباح أغار عليهم جماعة هايس
القعيط , يتقدمهم زعيمهم البطل الشجاع هايس
, وحصلت المعركة بينهم , وهزم هايس القعيط وجماعته
وألقي القبض على سبعين شخصا
من جماعة القعيط يحملون الماء والشعير , للسبعين
الجواد التي عليها الفرسان , وهؤلاء
يسمون ( زماميل الخيل ) , وراح عقاب يطارد فرسان
شمر المنهزمين , واتبعه أخوه حجاب ,
وعندما أبصر هايس القعيط عقابا لوحده وأخوه يتبعه
بعيدا عنه , التفت إلى جماعته , وقال
اليوم هذا يوم الثأر , انظروا عقابا وحده , والذي
أتى به اليوم هو حظكم يا فرسان شمر ,
ويجب علينا أن نهب عليه جميعا لعلنا نظفر به ,
وإذا أراد الله وقتلناه , فقد أخذنا ثأر شمر
جميعها , وذكرهم بفارس شجاع قتله عقاب بالعام
الماضي , وهو هذلول الشويهري , وكان
عزيزا على كل قبائل شمر , وفقدانه كان خسارة عليهم
, فشحذ هممهم , واستثارهم , فصمموا
أن يهبوا هبة رجل واحد , وفعلا جرى ذلك عندما
اقتربوا من كثبان الرمل المسماة ( زبار اريك ) ,
وكان عقاب على مقربة منهم , فرجعوا شاهرين سلاحهم
صفا واحدا ورشقوا عقابا بسلاحهم
فقتلوا جواده , فخر على الأرض , ثم نزلوا عليه وقتلوه
, واستمروا يطاردون أخاه حجابا
فظفروا به وقتلوه , حصل هذا وفرسان ( ولد سليمان )
لا يعلمون عما حصل شيئا , وكانوا
منشغلين عند السبعين شخصا الذين أسروهم , وبقوا
يتقاسمون غنيمتهم , وما علموا أنهم
خسروا بذلك عقاب الخيل وأخاه حجابا , وبهذا انهدم
عز الشيخ سعدون , وتداعت أركان مجده ,
بفقدان أعز أبنائه .
أما قبائل شمر فقد شفوا غليلهم بمقتل حجاب وعقاب ,
وطاب نومهم , وأخذ شعراؤهم يفخرون
ويدبجون الشعر . منها قصيدتان لمبيريك التبيناوي ,
وواحدة لابن طوعان , وهذان من
شعراء شمر البارزين , وهذه إحدى قصائد مبيريك التبيناوي :
إن كان ( هيْفا ) تزعَج العام الأصوات = ( نوت ٍ ) يروع اليوم جضّه قطينه
عقاب ٍ رمنّه يوم الأفراس عجلات = وكلَن حثّات البراثن وتينه
فوات قبل مدورين الجمالات = يا ليت عقّال الملا حاضرينه
وحجاب ياما قال بالبيت : قم هات = عزّي لكم يا لابةٍ فاقدينه
من زوبع ٍ والا السناعيس الآفات = فوات ما عوّد على مرتجينه
خلوه زينين ( المياحه ) و ( الإرّات ) = وينام سعدون على سهر عينه
هذي سلوم ٍ بيننا يالقرابات = يا حلو ردّات الجزا قبل حينه
المياحة والإرّات : كلمات تدعى بها الغنم وتزجر , يعني انكم
أرباب غنم , وارباب الغنم عند البادية أقل شأنا من أرباب الإبل .
وهذه قصيدة التبيناوي الثانية :
يا عقاب عقبان المنيصب لوَن لك = واستلحقن يا عقاب راسك معه راس
لا تحسب أن الخيل قاف ٍ عطن لك = ارقابهن عوج ٍ لكم عقب مرواس
احذر من اللي بالقدح غذّين لك = شهب النواصي فوقهن كل مدباس
هايس على صم الرمك عابي ٍ لك = عيّال زوبع مروية كل عبّاس
بغربي زبار اوريك يوم اوجهن لك = راحت تدهدا جثّتك ما بها راس
وهذه قصيدة الشاعر رشيد بن طوعان :
حر ٍ شهربسَ الزماميل والخيل = يدور صيداته بغرّاة الأجناب
باوّل شبابه عذّب الكنس الحيل = وخبط بيمناه البحر عقب ما شاب
راح النذير وصبّح النزل بالليل = وتكافحت فزعاتهم قبل الادّاب
وتوافقوا بالعرق حد الغراميل = متكاظمين ٍ مثل أبا زيد وذياب
وغشا زبار اوريك مثل الهماليل = ونشبت رماح القوم باقطّي الأصحاب
وترايعوا للهوش ربع ٍ مشاكيل = حمّاية التالين والخيل هرّاب
عيال الشيوخ مهربين الأخاويل = ردّوا على ربع ٍ تدانوا بالأنساب
وان كان ( نوت ) تزعج الصوت بالحيل = لعيون ( هيفا ) نردع الشيخ بحجاب
أربع ليال ٍ ما لقنّه المراسيل = علّيت وجه ٍ كوّح العصر بتراب
حريمنا لجّن بزين الهلاهيل = متحرّيات شلعة الحر لعقاب
وحريمهم تصرخ صريح المحاحيل = جاهن عليم ٍ مع هل الخيل ما طاب
يا ضبيب لو ذبحت كل الزماميل = ذبحة دخيل البيت ما ترفع الباب
دنياك هذي يالعواجي غرابيل = من شق جيب الناس شقوا له أجياب
لقد أشار شعراء شمر إلى ( هيفا ) وإلى ( نوت ) :
أما هيفا فهي والدة هذلول الشويهري ,
وأما نوت فهي زوجة عقاب العواجي , أشار
شاعر شمر إلى ضبيب وذبحته ( للزماميل )
فضبيب المذكور هو ابن عم عقاب العواجي , ويقال أنه
هو الذي تجرأ وقتل السبعين شخص
الذين أسروهم , من جماعة هايس القعيط .
وعندما رجع فرسان ( ولد سليمان ) مع ابلهم بالليل ,
أخذ سعدون العواجي , يقابل كل كوكبة
من الخيل يسأل عن عقاب وحجاب , فيقولون له
عهدنا بعقاب والخيل هاربة عنه , وهو يطاردها ,
وبقي سعدون على هذه الحال يسأل عن ابنيه , وعندما
قرب الصباح وعقاب وأخوه لم يرجعا ,
وكان سعدون ساهرا طوال ليله والأسى يخامر نفسه , فقال هذه القصيدة :
البارحة نومي بروس الصعانين = طوال ليلي ما تهنـّـيت بمراح
كبد نعالجها بعوج الغلاوين = وروابع ٍ ما تودع القلب ينساح
بلاي والله يا ملا خابر ٍ شين = تظهر علينا مرمسات ٍ الى راح
اللي يكفّ الخيل كفّ البعارين = ويرخص بروحه يوم يغلون الأرواح
خيّالنا يوم اكتراب الميازين = ويرعى بظله بالخطر كل مصلاح
حالوا عليه اللي على الموت جسرين = لا وابعيْني ما يجاجون ذباح
وبعد أن تأخر رجوع عقاب وحجاب , رجع فرسان ( ولد سليمان )
يبحثون عن زعيميهما ,
فوجدوهما قتيلين عند زبار ( اريك ) فدفنوهما على قمة كثيب من الرمل تسمى
بـ ( أبرق الشيوخ ) ولا زال بهذا الاسم حتى الآن . .
ورجعوا حزانى فقتل ( ضبيب ) الأسرى بثأر عقاب وحجاب ,
وهذا لم يكن مستحسنًا بعادات
القبائل في الجزيرة العربية , وقد أشير عن مقتل السبعين
الشخص بالقصائد السالفة الذكر .
أما الشيخ سعدون فقد كبر مصابه بعد مقتل ابنيه ,
الذين أشادا مجده , وسجلا له مفاخر
لا زالت باقية لعائلة العواجية , وملكا قبيلتهم ديارا
لا زالوا عائشين بها , وقد قال الشيخ
سعدون أشعارا كثيرة بابنيه , وهاتان قصيدتان منها , أولها :
ياونة ونيتها تسع ونـــــــات = مع تسع مع تســـعيـن مع عشر ألـوفي
مع كثرهن باقصى الحشا مستكنـات = عداد خلق الله كــــثير الوصـــوفي
ونة طريح طاح والخيل عجـــلات = كسره حدا الساقيــــن غاد ٍ سعـــوفي
على سيوف بالملاقى مهمــــات = سيفين أغلى ما غــــدا من سيــوفي
وعلى محوص بالموارد قويـــات = أسقي بهن لو القبـــــائل صــفوفي
احشم بحشمتهن ولو هن بعيـــدات = وأنام لو ان الضــــوارى تــحوفي
خليتني ياعقاب ما به مــــروات = عيالك صغار والــــدهر به جـنوفي
من عقبكم ما نبكي الحي لو مـــات = ولاني على الدنيا كثــــير الحسوفي
ياطول ما جريت بالصدر ونــات = على فراق معطرين الــــسيـوفي
وياعقاب عقبك شفت بالوقت ميــلات = واوجست انا من ضيم بقعا حـــفوفي
مرحوم يا نطـّـاح وجه المغيــرات = إن جن كراديس السبايا صفـــوفي
مرحوم يا مشبع سباع ٍ مجيعــات = وعز الله أنه عقبكم زاد خـــوفـــي
الخيل تدري بك نهار المثــارات = ياللي على كل الملا فيك نــوفـــي
والخيل تقفي من فعولك مــعيفات = تاطا شخانيب الرضم ما تشوفـــي
لا شك أن الشيخ سعدون فقد ساعدين من سواعده ,
بنيا له أرفع قمة من المجد , بفيافي نجد ,
بين قبائلها , وقد اشتهر عقاب وحجاب بين القبائل ,
وكانا محل إعجابهم بالجزيرة , ويضرب
بهما المثل حتى الآن , فإن الناس إذا أعجبوا بشخص
أو بعدد من الأشخاص يقولون كأن فلانا
عواجي , أو كأن هؤلاء من العواجية , نسبة إلى عقاب وحجاب ,
ولا زال هذا المثل ساريا في
نجد حتى الآن .
وهذه القصيدة الثانية :
يا علي وين اللي رعينا بهم هيت = حال اللحد من دونهم والظلامي
البارحة يا شمعة الربع ونيت = ونة صويب ومكْسِرِه بالعظامي
أوما الشجر وانا بعد مثله أوميت = أوماي صقّار ٍ لطيره وحامي
طير ٍ ليا جا الصيد يشبع هل البيت = جته هبوب ٍ مع جراد ٍ تهامي
عز الله اني تو , يا علي ذلـّـيت = تبيّنَت وانا على الناس كامي
وعز الله اني مع شفا البير هفّيت = هفّة قفي ٍ من عجوز المقامي
واليوم من باقي حياتي تبرّيت = عقب الشيوخ معدلين الجهامي
ويا علي عفت الحي من كثر ما ريت = وجرّيت للونات والقلب دامي
وعذّبت قلبي في كثير التناهيت = والعين عيّت من بلاها تنامي
راح عقاب الصيرمي شايع الصيت = يا علي من عقبه تراعد عظامي
وهذه القصيدة شكى بها إلى صديق له يسمى عليا ,
يسأل عليه ويقول أين الذين كنا نرتع بهم
في الفيافي , الآن أصبحوا من أصحاب اللحود ,
وأصبحت الظلمة تحول بينه وبينهما , إنه
يسهر الليالي , ويئن مثل كسير العظام , إنه يرتجف
ويومئ كما تومئ الشجرة , إنه الآن يحس
بالخيفة , ويذل من كل شيء , وقد ظهر ذلك للناس ,
ولم يستطع أن يخفي خوفه , لقد أخذ
يتبرأ من حياته , بعد أبنائه , إنه أباح ما يخفيه ,
بعدما تزلزلت الجبال التي كان يلتجئ في
حماها , إنه بعد أن فقد عقابا بدأت ترتعد عظامه , وفرائصه ,
إنه فقد بطلين لا يمكن أن يقاضي بهما .
لم يبق لسعدون بعدهما من يعتقد فيه خيرا , إلا حفيديه
الصغيرين ابني عقاب وحجاب الحبيبين ,
لقد أخذ يربيهما , ويعلمهما فنون القتال , آملا أن يأخذا
ثأر أبويهما من هايس القعيط .
وعندما كملت رجولتهما , طلب أن يقول كل واحد منهما
قصيدة , يبين فيها أنه سيأخذ ثأر
والده , وعمه , وإذا أجاد أحدهما القول فسوف يعطيه
المهرة بنت فرس عقاب المسماة
( فلحا ) وهذه آصل فرس عند قبائل ( ولد سليمان )
فقال ابن حجاب قصيدة لم تعجب جده ,
ثم قال ابن عقاب قصيدة أعجب بها , وهذه هي القصيدة :
يا ليت منهو جذ فلحا ثنيّه = والا رباع مسوسده بالمسامير
أبي الى ما قيل زيعت رعيّة = وتوايقن مع الحني الغنادير
انطح عليها سربة ٍ زوبعيّه = يجهر لميع سيوفها والمشاهير
متقلد ٍ سيف سواه الحنيّه = أدور أبويه عند روس الخواوير
أن كان ما ليّنت بالحبل ليّه = ماني عشير اللي نهوده مزابير
لا بد من يوم ٍ يزرفل كميّه = وكل ٍ يحسّب مربحه والمخاسير
ثار ٍ لبوي عقاب فرض ٍ عليّه = عليه وصاني زبون المقاصير
سعدون جدي هو خلف والديّه = شيخ الجهامه والسلَف والمظاهير
دين ٍ على هايس زبون الونيّه = أن ورّدوهن مثل اثامي الخنازير
عيب ٍ علي العزوة الوايليّه = واحرم من الفنجال وسط الدواوير
وعندما سمع شاعر شمر بقصيدة ولد عقاب أجابه بهذه الأبيات :
وش عاد لو جذيت فلحا ثنيّه = شمر يجونك فوق قب ٍ عطاطير
أبوك ضرب بحربةٍ شوشليّه = كزّه حبيبي كزّة الدلو بالبير
صابه غلام ٍ ما يعرف اللويّه = ما صدها يوم السبايا مناحير
له عادة ٍ بالفعل في كل هيّه = عشّى ثنادي ابوك عوج المناقير
وعيال زوبع ملحقين الرديّه = اللي تهزّع بالحروب الطوابير
لقد فاز بالجائزة ابن عقاب فأعطاه جده الجواد بنت ( فلحا )
وأخذ سعدون ينظر إلى
ابن عقاب بإعجاب , ويداعبه الأمل أنه سيشفي غليله ,
ويأخذ الثأر من الشيخ هايس القعيط .
ومن الفرص الغريبة التي قدر فيها لابن
عقاب أن يأخذ بثأر أبيه وعمه , ويقضي على هايس
القعيط , أنه حصل بين غنيم ( الربضا ) بن بكر شيخ
السويلمات من العمارات , حصل بينه
وبين هايس القعيط تصادم في وديان عنزة , وطال
الحرب بينهما , وأرسل غنيم بن بكر
الربضا لقبائل عنزة , يطلب منهم النجدة والعون ,
وكذلك هايس القعيط أرسل لقبائل شمر
يستنجدهم , فأخذت الإمدادات من كل القبيلتين تترى
على موقع المعركة , وقد سنحت
الفرصة لسعدون العواجي , فعندما علم بذلك ,
أمر حفيده , وأمله الوحيد , ابن عقاب ,
بالشخوص فورا إلى المكان الذي تدور فيه رحى
الحرب بين غنيم وبين هايس . . .
وأوصاه بأن لا ينسى ثأره من قاتل أبيه وعمه .
لقد سارع ابن عقاب إلى أمنيته التي كان يترقبها ,
فاشترك بخوض المعركة , وكل ما يهمه
هو أن يرى غريمه وقاتل أبيه وعمه , وبعد أن رآه
بأم عينه , وتأكد من شخصيته , وليست
بخافية , لأن شخصية هايس القعيط معروفة , مقداما
جريئا , لا يرهب الموت , ودائما هو
في مقدمة الفرسان , رغم تقدمه بالسن , وعندما
هجم هايس على فرسان عنزة , يتقدم فرسان
شمر , انقض عليه ابن عقاب مثل النمر الكاسر ,
وأغمد ذبابة سيفه بخاصرته , وانتحى به
عن مكان المعركة , إلى أن ابتعد عن الفرسان ,
ثم أمسك رقبته وترجل عن به على الأرض ,
والتفت إليه هايس القعيط , فقال له ابن عقاب :
هل تعرفني ؟ فقال : أنت ابن عقاب العواجي ,
ولا شك انك تشبهه , ولكن لم أقتله أنا , فالذي قتله غيري
, فقال ولد عقاب : أنا لا أسلك عن
ذلك , ولكنني أسألك بالله أن تبلغ سلامي والدي إذا وصلته
في الدار الآخرة , وتخبره بأني
أخذت بثأره , وتشرح له كل ما رأيت بعينك , ثم علا
رأسه بالسيف , وفصله عن جثته , وبعد
ذلك طارت البشائر إلى الشيخ سعدون العواجي ,
بأن حفيده قد قتل هايس القعيط , وقد اجتمع
رجال الحي يهنئونه , وقد عقر الإبل , وعمل الأعياد
عند قبائل ( ولد سليمان ) وكان يوما
مشهورا عندهم , وأخذ النساء يزغردن , بعد أن لبسن
زيناتهن , وطاب نوم الشيخ سعدون ,
وبات قرير العين , وأخذ ينشد :
يا سابقي رد البرا , مات راعيه = الجيش حزّب والرّمك موفلاتي
يا ناس زول عقاب ماني بناسيه = عقبه فلا تسوى ريال ٍ حياتي
لو من إذا جروٍ لقا ما إذا فيه = كان العرب كله تسوّي سواتي
الورد ورع عقاب لا خاب راجيه = حوّل بهايس ما تناسى وصاتي
كزّه لبوه ويذكر انه موصيه = يعد ما شافت عيونه ثباتي
الخيل تثقل لين تسمع عزاويه = ومن يوم سمعنّه وهن مقفياتي
لعل ورع ٍ ما مشى درب أهاليه = تشلق عليه جيوبها المحصناتي
وبهذه الفترة عيّن الأمير عبدالله بن علي بن رشيد
أميرا لحائل من قبل الإمام فيصل بن سعود , بعد أن عزل
أميرها الأول ابن علي , وظل عبدالله بن علي بن رشيد
أميرا على حائل ,
والمناطق الشمالية من المملكة , وعندما علم بذلك
مشائخ قبائل الشمال توافدوا إليه , وكل
منهم يقدم الهدايا للأمير الجديد , ومن بين الذين
قدموا إليه غنيم بن بكر الربضا , وكان مهديا
إلى ابن رشيد ثلاثا من الخيل , وقد قبلها عبدالله
بن رشيد , وعندما كان غنيم الربضا جالسا
عند أمير حائل , كان مع الجالسين شاعر شمر
ابن طوعان , وكان مكفوف البصر , وطاعنا
بالسن , فقال له الأمير عبدالله بن رشيد : هذا
غنيم الربضا يا ابن طوعان قم وسلم عليه ,
وعلى الفور أجابه ابن طوعان بهذين البيتين
من الشعر , موجهها لغنيم الربضا يحرض فيها
عبدالله بن رشيد عليه :
يا غنيم عندك هايس نطلبك دين = خيّال تالي شمر بالسنودي
إن كان ما جازاك عنها صباحين = ماهو ولد علي عريب الجدودي
وبعد أن سمع أمير حائل هذين البيتين من ابن طوعان ,
التفت إلى غنيم الربضا , وأمره أن
يرجع إلى أهله , وقال له : إننا أمرنا بإرجاع خيلك
التي أهديتها لنا إليك , وأنت في أمان إلى
أن تصل إلى أهلك , وبعد ذلك اعتبر نفسك من الأعداء
, ولا بد لنا أن نأخذ ثأر هايس القعيط
منك , لأنك أنت زعيم المعركة , التي قتل فيها هايس
القعيط , ولذلك فأنت المطلوب بدمه ,
وقيل أن ابن رشيد غزاه بعد ذلك , وأنه قتله في وديان عنزه .
وأسجل هنا نبذة للتاريخ عن قبيلة آل بريك , التي يرأسها هايس القعيط ,
ولم يزل أحفاده رؤساء لهذه القبيلة و ولا زالت هذه القبيلة مع شمر :
والواقع أن هذه القبيلة هي قسم من قبيلة آل بريك التي
هي من قبيلة الدواسر , ولكن حصل
بينهم حادثة أدت إلى قتال ودماء , وعلى إثر ذلك
رحل جماعة هايس القعيط من ابناء عمهم ,
والتجأوا عند الجربان شيوخ قبيلة شمر , عندما
كانوا يقطنون شمالي المملكة , وقد أعزهم
الجربان وأكرموهم وبقوا معهم طويلا , وأخيرا
حالفوا الجربان , وقد قربوهم دون سواهم ,
ولم يزالوا ساعد الجربان الأيمن بالملمات , وحتى
الآن وهم عند الجربان من المقربين , بل
ويعتزون بوجودهم عندهم , وكانوا مشهورين
بالإقدام , ولهم شهرة عظيمة , ومعروف عند
أهل نجد الآن أنهم فخذ من فخوذ قبيلة الدواسر
, ولم ينزحوا إلا بأسباب الدم الذي حصل بينه
وبين إخوانهم آل بريك , وكان لجوؤهم إلى شمر
قبل ثلاثمائة سنه تقريبا .
التي هي من أفخاذ قبيلة عنزة
الكبيرة , له شأن بين قبائله , ورئاسته لهذه القبيلة
عريقة , مطاع بين أفراد القبيلة , شجاع
ومشهور بفروسيته , وشاعر مجيد , له أبناء كثيرون ,
ولكن لم يشتهر منهم سوى ابنيه
عقاب وحجاب , وهما شقيقان . وشهرة عقاب قد زادت على
شهرة أبيه , وكان من الأبطال القلائل في نجد .
لكن قبل أن يبرز ابناه وقبل أن يبلغا سن الرجولة ,
حصل بين الشيخ سعدون وزوجته , والدة
عقاب وحجاب , خلاف أدى إلى طلاقها , وذهبت
إلى أهلها في بلاد سورية ومعها ابناها ,
وهي من قبيلة الفدعان من عنزه الموجودين في سورية
وكان أخوال الشابين - عقاب وحجاب -
مشهورين بين أفراد القبيلة وقد تربيا في أخوالها
أحسن تربية وبعد أن بلغا سن الرجولة
وأصبحا فارسين يضرب بهما المثل اصحبا يترأسان
قسما من عشائرهما في سورية , أما
الشيخ سعدون فقد بقي شيخا لجماعته ( ولد سليمان )
في نجد إلى أن برز شخص من أبناء
عمه يسمى شامخ العواجي , وأخذ ينازع سعدون
الزعامة ويعرقل نفوذه , واستفحل أمره ,
إلى أن خفر ذمام سعدون مرارا وتكرارا مستهترا بأوامر
الشيخ , وأخذ يتحداه في كل مناسبة ,
ويقلل من قيمته عند القبيلة , وأخيرا أخذ
مكان سعدون , وتزعم القبيلة , وأخذ يعامل الشيخ
معاملة سيئة , وقد وصل به الأمر إلى أن حقره , وحظر
عليه أن يورد إبله على أي منهل ترده
قبائل ( ولد سليمان ) قبل أن ترد إبل شامخ وإبل
كل القبيلة , وقد قال أشعارا بهذا كثيرة , منها
واحدة بين فيها أنه قد عزم على الرحيل , ليفارق
شامخا وغطرسته , وعندما لاحظه بعض
الذين يعطفون عليه , يجمع أمتعته ويحملها على رواحله
, أخذوا يلومونه وحاولوا أن يثنوه
عن عزمه , ولكنه أصر على الرحيل وقال في قصيدته
: أن شامخا لا ينصاع للحق , لذلك فهو
سيبتعد عنه , ويعالج آلامه بالفراق , لأن في البعد سلوى له :
قالوا تحورف قلت يالربع نجّاع = وقالوا تقيم وقلت يالربع ما قيم
قالوا علامك قلت من قلّ الافزاع = صيحة خلا ما عندي إلا الهذاريم
والى بغيت الحق من شامخ ٍ ضاع = يطرّم علي دايخ الراس تطريم
يبعد عن القالات طقّه بالأصباع = من قلة اللي يضربه باللهازيم
ليا صار ما توفي عميلك من الصاع = ما ينقعد لك عند حصن النواهيم
شبر ٍ من البيدا يعوّضك الافزاع = وسود الليالي يبعدنّك عن الضيم
( تحورف : تستعد 000 هذاريم : هذيان )
لكن هذا لم يكن به حل لأمره , فهو إذا ابتعد عن قبيلة
ولد سليمان سيكون لاجئا عند إحدى
القبائل , وهذا يرى أن فيه نقصا بعد العز الرفيع
الذي كان عائشا فيه , وإذا انفرد وحده في
الفيافي فسوف يكون لقمة سائغة لبعض الغزاة من
الصعاليك , وهو لا يستطيع وحده حماية
نفسه , ولذلك رجع بعد أن رحل مرغما .
بهذه الظروف زاد شامخ بطغيانه وتجبره على سعدون ..
وأخيرا لفت نظر سعدون شخص من الذين يعطفون
عليه , أن يكتب لأولاده , ويشكو إليهم ,
ويخبرهم باعتداء شامخ على جميع سلطاته ,
وخفر ذمامه , وإهانته بين قبائل نجد .
فكتب سعدون لابنيه هذه القصيدة :
يا راكب ٍ من عندنا فوق مهذاب = مامون قطّاع الفيافي الى انويت
عند الفضيله عد يومين بحساب = أول قراهم قول يا ضيف حِييت
حر ٍ صغير ٍ وتوّ ما شق له ناب = وعقب القِرا ودّع رجال ٍ لهم صيت
وليا ركبته ضرّبه خل الاجناب = وانحر لنجم الجدي وإن كان مديت
واسلم وسلّم لي علي عقاب وحجاب = سلّم على مضنون عيني الى ألفيت
بالحال خص عقاب فكاك الأنشاب = ينجيك كان انك عن الحق عديت
قل له ترا شامخ شمخ عقب ما شاب = ويا عقبا والله ذلّلوني وذليت
ويا عقاب حدّوني على غير ما طاب = وقالوا تودّر من ورا الما , وتعديت
من عقب ماني سترهم عند الأجناب = وليا بلتهم قالة ٍ ما تتقيت
ما دام شامخ مالك ٍ جرد الأرقاب = لو زيّن الفنجال لي ما تقهويت
يا عقاب حَط بثومة القلب مخلاب = من العام في نوم العرب ما تهنّيت
الجفن عن نوم الملا فيه نتّاب = وعدّ الطعام مدوّس ٍ به حلاتيت
عقب المعزّه صرت يا عقاب مرعاب = والناس حيين ٍ وانا عقبكم ميت
من الضيم يا عقاب السرب عارضي شاب = وادويت من كثر العنا واستخفيت
فاتن ثلاث سنين والنوم ما طاب = وشكواي من صدري عبار وتناهيت
البيت ما يبنى بلا عمد وأطناب = متي يجينا عقاب يبني لنا البيت
مالي جدا إلا غضّة البهم بالناب = وراعيت كثر الحيف بالعين واغضيت
ارجي بشير الخير مع كل هبّاب = ومتى يجونا اخوان ( نمشه ) على الصيت
( تودّر : ابتعد 000 جرد : جموع )
وبعد أن وصلت هذه القصيدة لابنيه , ثارت ثائرة عقاب ,
وأمر أخاه أن يهيئ نفسه للرحيل من
بلاد سورية , ويترك مقرراته التي استحصل عليها
من دولة الأتراك هنا , مادام أن والدهما قد
لحق به الأمر , ورحل عقاب وأخوه وصدقيهم
عيد ومعهم بعض الخدم , وترك جماعته من
ولد سليمان بسورية , ومشى بظعينته إلى نجد
وقد استغرقت رحلته ثلاثين يوما , وصل بعدها
بالقرب من منهل يسمى ( الحيزا ) من ديار قبيلة
( ولد سليمان ) وقد باتوا على مقربة منها ,
بعد أن تأكدوا أن إبل قبائل ( ولد سليمان ) واردة
على هذا المنهل , في الليلة المذكورة , وبعد
طلوع الفجر , قام عقاب وتأبط سيفه , وأمر
أخاه ومن معه أن يتبعوه بظعينتهم , ثم مشى على
قدميه متجها إلى العرب الذين على ( الحيزا ) مختفيا ,
وأخذ يبحث عن بيت والده سعدون ,
وكان قد استوصف من الناس ما يدله على بيت
أبيه وقد قيل له : أن شامخا أمر على أبيه بأن
لا يرفع بيته بين بيوت القبيلة , إذلالا له وكذلك أمر
راعي إبله القليلة العدد أن لا ترد الماء إلا
بعد أن ترد إبل الحي كلها , وعندما وصل بيت
والده قبل طلوع الشمس , وقبل أن يرد أحد على
البئر , وجد والده نائما , وكذلك راعي إبل والده نائما
بين الإبل , فأيقظ الراعي , وقال له قم
أورد إبلك على الماء , فرد الراعي : لا أستطيع يا عماه ,
لأن الشيخ شامخا سيضربني , وقد
أمرني أن لا أرد الماء إلا بعد أن ترد القبيلة ,
فنهره عقاب بشده , وحاول الراعي أن يعتذر لأنه
لا يعرفه , فأكد عليه وقال : أورد إبلك وأنا معك ,
ولا تخف , ومشى الراعي قسرا بالإبل إلى
البئر واختفى عقاب بين الإبل , وعندما وصلوا
قرب البئر , شاهد شامخ أن راعي إبل سعدون
قد ورد الماء عاصيا لأمره , فثارت ثائرته , ونادى
الراعي , وتهدده , فقال عقاب للراعي
بصوت لا يسمعه شامخ : امض في سبيلك ولا تجبه ,
وعند ذلك اشتد غضب شامخ , وأخذ
عصاه , وأقبل من بيته يعدو , ليشبع الراعي ضربا
كعادته , وعندما قرب شامخ منه , خرج
عقاب من بين الإبل , كأنه الأسد , مجردا سيفه ,
ووثب على شامخ ليقتله , وعندما رآه شامخ
عرف أن هذا عقاب , الذي خبر بأوصافه ,
وتأكد مــن شـــاربــيــه اللــذيـن يـلامـــسان أذنــيــه ,
فصعق شامخ , وعرف أنه لا يستطيع الدفاع عن نفسه ,
ولا يتمكن من الهرب إلى بيته ,
ففضل أن يرمي نفسه بالبئر القريبة منه , وفعلا رمى نفسه ,
وأطل عليه عقاب , وأدلى إليه
الرشا , وقال : اخرج , فقال : هذا هو قبري ,
لا يمكن أن أخرج إلا أن تعفو عني , فقال عقاب:
إن جبنك الذي رأيته سيجعلني أعفو عن قتلك مشروطا ذلك
بعفو الشيخ سعدون أي أبيه ,
فترك عقاب راعي الإبل يسقيها , وأمر من حوله أن يخرجوا
شامخا الجبان الذي اختار أن
يرمي نفسه بالبئر , ورجع عقاب بعد أن رأى أخاه حجاب
قد وصل بالظعينه , فأومأ إليه نحو
بيت أبيه , وأمرهم أن يبنوا البيت الكبير , وأن يرفعوا
عماده , وبعد أن بنى البيت أثثوا
مجلسه بأحسن الأثاث , وهيئوا مقعدا وثيرا لوالدهم ,
وطلبوا منه أن يجلس عليه , ثم أمر
عقاب صديقه عيدا أن يركب إحدى الخيل , ويبلغ القبيلة
أن يحضروا للسلام على الشيخ
وولديه عقاب وحجاب , فراح صديقهم مسرعا وبلغ
القبيلة بعد طلوع الشمس فجاءت قبائل
( ولد سليمان ) وسلموا على سعدون وابنيه وتمت
البيعة لسعدون من جديد , وقد أعجبوا
بعقاب وحجاب , وكان إعجابهم بالشيخ عقاب عظيما
جدا , حيث تأكدوا من رؤية الرجل الذي
سارت بأخبار شجاعته الركبان من بلاد سورية ,
وقد تم التحول بهذه الطريقة البسيطة ,
وأشاد ابنا سعدون مجد والدهما من جديد , وراح
شامخ نسيا منسيا , وقد عفا عنه الشيخ
سعدون لأنه رآه لا يستحق أن يجازيه على أفعاله ,
لما ظهر من جبنه , لقد رفع عقاب وحجاب
والدهما إلى القمة , وأخذ الشيخ سعدون يصول ويجول في
بلاده , لا يخشى أحدا من القبائل ,
وزاد به الأمر أن أجلى بعض قبائل شمر عن بلادهم ..
ولا شك أن هذا بسواعد أبناءه , خاصة
عقاب الفارس الشجاع .
عقاب بن سعدون العواجي
وذات يوم بلغ سعدون أن أراضي ( بيضا نثيل ) مخصبة ,
وهذه يملكها مسلط التمياط , شيخ
قبيلة التومان من شمر , فالتفت سعدون إلى ولديه وقال : إنني
أحب أن أرحل إلى ( بيضا نثيل )
وآخذها عنوة من مسلط التمياط وجماعته , فأجاب ابناه بالسمع
والطاعة وقالوا عليك أن تأمر
, ونحن سنأخذها قسرا , فأمر سعدون العرب بالرحيل , لأخذ
( بيضا نثيل ) من التمياط , وفعلا
أخذوا ( بيضا نثيل ) من مسلط التمياط , واتسعت حدود سعدون العواجي
هو وقبيلته , إلى أن
بلغت من ( خيير ) إلى قرب طي وشمالا ( تيماء ) والنفود .
ومع كون عقاب اشتهر بالشجاعة والفتك , فقد هام بغرام إحدى
بنات الحي وتسمى ( نـوت )
هذه الفتاة كانت أجمل فتاة بين قبائل عنزة , ويضرب المثل بجمالها ,
وقد قال عقاب فيها
الأشعار الكثيرة , ولكن لم أضفر إلا بأربع قصائد أدونها تباعا , وهي كما يلي :
يا ونتي , بأقصى الضماير سَـندها = لا رقَبت مشذوب المراقيب تزداد
ونة عجوز ٍ مات عنها ولدها = رملى ضعيفة مالها غيره أولاد
على الذي مثناة قلبي عقدها = حبه بمكنون الحشا يسند اسناد
وعروق قلبي يبــّـستهن بيدها = صارن كما شنّ ٍ على الدار بيـّـاد
إن أبعدت عيني يجيها رمدها = ودموعها تسقي قناطيش الأذواد
وإن قربت كبدي يجيها لددها = مَر ٍ هنوع ومر ما تقبل الزاد
اللي كما الفنجال غزّة نهدها = خلاّقها رب ٍِ له الناس سجاد
ريميةٍ ما ترتع إلا وَحَدها = تقطف زماليق الخزامى بالأجراد
ثم قال قصيدته الثانيه شاكيا غرامه بـ ( نــوت ) وشاكيا لواعجه وما يقاسيه بحبها :
وا كبدي اللي كن به حمو لالي = بالقيظ وإلا حامي الجمر ناله
تفوح فوح مبهّرات الدلالي = جزل ٍ حطبها ركّده ثم شاله
والعين جابت دمعها بانتلالي = يشدي هماليل المطر من خياله
من واحد ٍ يتعب على شده بالي = لو ما عَنَت رجلي فقلبي عنا له
عينه تشادي قلتهٍ بالظلالي = في حد لوح ٍ ما تنوله حباله
وقذيلةٍ يلعب بها الهمّلالي = بدف الظّليم ويتعب اللي حبا له
اللي بميدان الموده مشى لي = يرخص كلامه ويتغالى حلاله
أنا أشهد إنه بالهوى سم حالي = ويبّس عروق الجسم وأذوى خياله
عندي غلاه مرخّص ٍ كل غالي = طفل ٍ معذبني بزايد دلاله
وأما في قصيدته الثالثة فقد شكى فراق محبوبته ,
وكان أهلها رحلوا بها بعيدا عنه , وحالت
بينه وبينها الفيافي الشاسعة , ولا يستطيع أن يصل إليها
, وأخذ يصف ما بينهما من البعد ,
ويشكو إلى أخيه حجاب في آخر القصيدة :
من دون خلّي حال ( عِرنان ) و ( كباد ) = ( وحلوان ) مرفوع الحِجى حال دونه
شدوا وخلوني على الدار ركـّـاد = واقفت مع الجرعا تباري ظعونه
والدمع من عيني على خدّي ابداد = من الغشين اليا انتثر من زونه
فرقى لطيف الروح يا حجاب لا عاد = عقبه ضميري يا بسات ٍ شنونه
يا حجاب كان انك عن الحال نشاد = خلي بقلبي جايرات ٍ طعونه
اللي ذبحني بالهوى يابن الأجواد = طفل ٍ قرونه ما غطاهن زبونه
طفل ٍ لشرّاد المها صار قوّاد = يحيْر عقلي في تواصيف لونه
حبه بمكنون الحشا يسند اسناد = وان خانني يا حجاب ربي يخونه
قصيدته الرابعة سأل محبوبته ( نــوت ) فيها: لماذا رحلو عنه ؟ ,
وقال أنه تحقق الفراق بيني
وبينك , ووصف دموعه ووجده , وأن بفراقها مال عليه الدهر
, وطلب منها الرجوع لتعالج
فؤاده . وانه إذا طال الفراق سيرجعها فوق الصافنات
الجياد , لو أدى ذلك إلى خوض معركة :
يا نوت عنا ظعونكم ليه شالت = يا حيف تم فراقنا يا حبيبي
زملك مع الحزم المشّرف تكالت = وقَفت أراعيهن وقلبي غضيبي
عقبك عيوني بالدموع استخالت = من فوق خدي نثرهن فوق جيبي
وعقبك يا زين الأيام مالت = ارجع وعالج ضامري يا طبيبي
وديارنا من عقب فرقاك سالت = من دمع عيني قام يدرج شعيبي
وان كان فرقاكم على القلب طالت = نجيك فوق منثّرات السبيبي
ناصلك لو من دونك القوم حالت = من فوق قب ٍ يرجهنّ الحريبي
أو أن دونك قرّح الخيل جالت = لازم يجيبك حظنا من نصيبي
ولـ ( رحيل ) والد نوت أخ يسمى ( قرينيس ) له ثلاثة أبناء ,
أحدهم أبرم عقد نكاحه على نوت
بنت رحيل , ولكنها رفضت الزواج من ابن عمها هذا ,
لأن غرامها بعقاب قد تمكن من قلبها ,
ولا ترضى الزاوج بغيره , وكان بينهما روابط قوية ,
وأخيرا اضطر عقاب إلى أن يأتي إليها
بوضح النهار , على مرأى ومسمع من أهلها
, ويجلس بالقرب منها , ويحدثها ما طاب له
الحديث , ولا أحد يجرؤ أو حتى يفكر بمنعه
, وكان عاشقا بريئا كل البراءة , وبعيدا كل البعد
عن الرذيلة وبمنتهى العفة .
لقد لاحظ ذلك ابن عمها المعقود له عليها فتشاور
مع إخوانه بالأمر , وقرروا أن يذهبوا لعمهم
( رحيل ) , ويخبروه أن أمر عقاب تعدى الحدود
, وأنهم لا يقبلون أن يأتي عقاب لابنة عمهم ,
ويحدثها .. فذهبوا لعمهم وأخبروه بالأمر ,
وقالوا : إننا مصممون على أن ننصح عقاب
بالعدول عن أمره , وإن أصر على تحديه فسنقتله
, ونحن نطلب رأيك , فنظر إليهم عمهم
طويلا , ثم هز رأسه , وقال هذه الكلمة :
يا ويلكم من عقاب !! , ويا ويلكم بعد عقاب .
وقام بعد هذه الكلمة , وهنا بهتوا , وبقوا يتساءلون
عن معنى كلمة عمهم , فقال لهم أكبرهم :
نعم إن عمكم يقول يا ويلكم من عقاب إن حاولتم قتله
, وهذا شيء من المستحيلات , لأن
عقابا كما تعرفونه , ليس بالسهل قتله , أما قوله يا
ويلكم بعد عقاب , فمعناه أنكم لو ظفرتم
بعقاب وقتلتموه فقد هدمتم عزكم , وخسرتم الشخص
الذي أرهب أعدائكم , وحمى بلادكم ,
وفتحنا بيننا وبين أبناء عمنا مشكلة كبيرة ,
ستكون سببا بانقراضنا جميعا , وإن من الأفضل
أن تتركوا ( نــوتا ) لعقاب , وهو أحق بها , لأنه يحبها
وهي تحبه , وهذا هو أفضل شيء
نعمله لحل المشكلة , وقد أجمعوا على هذا الرأي ,
فتم طلاق ( نــوت ) وتزوجها عقاب , وبلغ
أمنيته بـ ( نــوت ) التي هام بغرامها سنين طوالا ,
وبعد أن عرف عقاب ما دار بين الاخوة
وعمهم , رحيل العواجي , وأنهم طلقوا ( نوتا )
من أجله رأى لزاما عليه أن يقابل الجميل
بالجميل , وكانت له أخت تسمى ( حرفه ) سبق أن
عقد لها على ابن عمه القريب المسمى
( دغام الأحيمر ) , لذلك أرسل عقاب لابن عمه ,
وأخبره أن أبناء قرينيس العواجي عملوا معه
جميلا وطلقوا بنت عمهم ( نوت ) من أجله , وانه يحب
أن يكافئهم , ونظرا لأن حرفه رافضة
الزواج منك , فأنا أحب أن تطلقها لأزوجها على
الذي طلق نوتا من أجلي .. فقال : أنا لن أطلق
حرفه لو قطعت رقبتي , فثار عقاب , وأقسم
على نفسه أن يقطع رقبته في الحال , وطلب
سيفه , وكان عقاب لا يقول شيئا إلا فعله , وعرف
دغام أنه قاتله لا محالة , وحالا ارتمى على
ركبتي عقاب , وأخذ يقبلهما معلنا طلاق حرفه , جاهرا
بصوته , وبعد أن طلقها زوجها عقاب
قرينيس , الذي طلق نوتا وكذلك أرسل لأخويه
الآخرين , وقال لهما أن هاتين الطفلتين يقصد
ابنتيه , الصغيرتين إذا بلغتا سن الزواج فسوف أزوجكما بهما .
نرجع إلى الشيخ سعدون والد عقاب , بعد أن استولى
على ( بيضا نثيل ) من التومان , حصل
بينه وبين قبائل شمر معارك هائلة , حتى أجلاهم
عن بعض مساكنهم , وقد دافعوا دفاعا
بطوليا , خاصة قبيلة الغيثة من عبده , أما
مسلط التمياط وقبائله , فقد جلوا عن ديارهم ,
واستولى عليها سعدون وأبناؤه , ولم تزل يملكها العواجية إلى الآن .
بعد هذا أرسل مفتاح الغييثي إلى قبائل شمر يستحميهم
, ويطلب منهم النجدة , فحضر عدد
منهم , ووقفوا في وجه سعدون , وقفة الأبطال ,
وحصلت بينهم وبين سعدون معركة هائلة ,
على المنهل المسمى بـ ( ظفرة ) وهو من مياه شمر
, انتصر فيها شمر على العواجي وقبائله .
ورغم أن شمر انتصروا فيه هذه المعركة ,
فإن سعدون العواجي وأبناءه لم يفقدوا شيئا من
أراضي شمر التي كسبوها .
لقد استفحل أمر عقاب العواجي , وجندل عددا كبيرا
من فرسان شمر , لذا فقد اتفق شمر على
أن يصبوا فنجانا من البن , ويضعوه بينهم , ويقولون
لفرسانهم : الذي يشربه في مجتمعهم
هو المسؤول عن قتل عقاب , في أول معركة نخوضها
معه , إنه لا يمكن أن يتجرأ على شربه
إلا من كان قوي الجنان , وعنده الثقة بنفسه ,
فقام شاب من بين الصفوف يسمى ( أبا الوقيّ
ولكم يكن من عائلة لها ماض بالفروسية , فأخذ
الفنجان وشربه , في مجلس شمر , وقال أنا
شارب فنجان عقاب , وسأقابله على ظهور الخيل ,
وعندما التحم شمر في معركة مع ولد
سليمان جماعة عقاب العواجي , وعندما رأى
( أبا الوقيّ ) عقابا بين الخيل , دفع جواده ,
وكان عقاب لا يظن أن احدا يتجرأ ويهجم عليه ,
خاصة مثل هذا الشاب الصغير , فلقيه عقاب
ولما اقترب كل واحد من الآخر , أطلق كل منهما
سهمه على الآخر , ولكن لم يصب أحدهما ,
والتصقت جواداهما , وتماسكا بالأيدي على ظهور
الخيل , ثم وقعا على الأرض , فهجمت
فرسان قبائل عنزه , لتخليص عقاب وهجمت فرسان
شمر هي الأخرى لتخليص أبا الوقيّ ,
الشاب الذي ضرب أروع مثل بالبطولة , ونفذ
ما التزم به , ودارت المعركة وحمى الوطيس ,
وثار غبار الخيل , وغطى كل شيء , حتى أن الفارس
لا يبصر الآخر وتخلص عقاب من الشاب
أبا الوقيّ , وقام من الأرض والغبار يحجب كل واحد
عن الآخر ووقعت يد عقاب على سيف
بالأرض وأمسك بجواد واقف فوق رأسه . وكذلك أبا
الوقيّ هو الآخر . أخذ سيفا , ووجد جوادا
من حوله , فأخذه , وعندما افترقا إذا بالسيف والجواد
اللذان مع عقاب هما لأبا الوقي ّ , وأبا
الوقيّ وجد أن الجواد الذي معه والسيف هما سيف
وجواد عقاب , وانفصلت المعركة بعد ذلك ,
وكانت النتيجة خيبة أمل للشيخ سعدون , لأنه
رأى بالأمر غضاضة عليه , حيث أن جواد ابنه
وسيفه يأخذهما شاب صغير من قبيلة شمر , ليس
معروفا , ولم يكن له ماض , وليس كفوا
لمقابلة عقاب في نظره , وقد قلق للأمر وسهر ليلته
ولم ينم , فجاء إليه شيوخ قبيلة ولد
سليمان وقالوا له لا تقلق يا أبا عقاب على فقدان
الجواد والسيف , فكل خيلنا وسيوفنا نقدمها
لعقاب , عوضا عن جواده وسيفه , فقال : أنا لا يهمني
جواد عقاب أو سيفه , ولكن الذي
يشغل بالي , ويحز في نفسي وأخشى منه , هو أن
شاعر شمر ( مبيريك التبيناوي ) , قد وقع
على بيت من الشعر , عالق بذهني الآن , فقالوا له :
وما هو هذا البيت الذي تخشى أن يجده
شاعر شمر ؟ فقال لهم : هو هذا البيت :
السيف من يمنى عقاب ٍ خذيناه = والخيل بدّل كدشها بالأصايل
وفعلا وقع ما كان يخشاه سعدون , حيث بعد انفصال
المعركة , قال شاعر شمر مبيريك
التبيناوي , قصيدة من ضمنها البيت الذي أشار إليه سعدون
, وهو ثاني بيت من القصيدة الآتية :
أبا الوقي يالبيض خضّبن يمناه = وأنا اشهد انه من عيال الحمايل
السيف من يمنى عقاب ٍ خذيناه = والخيل بدّل كدشها بالأصايل
هذي سلوم ٍ بيننا يالقراباه = يا زين بيع المنسمح يا بن وايل
وعقاب ما سبّه ولا سب حلياه = أن جو على قب المهار الأصايل
يركض على الصابور ولابه مراواه = شي ٍ تعرفه كل سمو القبايل
لا شك عندي له فهود ٍ مغذاه = عيال شمر فوق قب السلايل
( سمو : عموم )
وفي بعض السنين نزل على سعدون وأبنائه الشيخ مجول
بن شعلان , ومعه قسم من قبائل
الروله أيام الربيع , وقد اتفق مجول بن شعلان وسعدون
العواجي , أن يغيرا على قبائل حرب
الموجودين بأراضي ( رخا ) الماء المعروف , وفعلا
غزوا حربا وأغاروا عليهم بالمكان
المذكور , وأخذوا منهم مواشي كثيرة , من بينها إبل
مشهورة تسمى بـ ( شملا ) وكان زعيم
قبائل حرب ابن فرهود , غائبا عندما أغاروا عليهم ,
وبعد أن رجعوا إلى ديارهم غانمين ,
رحلوا جميعا إلى الشمال , بديار سورية , لأنها باردة
في أيام الصيف , وعندما علم الشيخ ابن
فرهود برحيل سعدون العواجي وأبناءه وعربانهم
مع الشيخ مجول بن شعلان أرسل لهم قصيدة
يتهددهم , ويقول ارجعوا لدياركم محاولا أن يأخذ ثأره منهم
, ومبينا ندمه أنه لم يحضر عندما
أخذت الإبل المشهورة شملا , وعندما وصلت قصيدته
لسعدون رد عليه بقصيدة ثم رجع بقبائله
متحديا ابن فرهود , ونزل منهل حرب ( رخا ) وأغار على
قبائل حرب , وأخذ أموالا وخيلا
كثيرة , بعد أن توارى عنه ابن فرهود , طالبا لنفسه النجاة .
بعد أن رجع سعدون وقبائله إلى موطنهم , كان
عقاب بن سعدون لا يكفيه أن يهاجم عربانا
بعربانه , ولكنه كان دائما يغزو غزوات بعيدة المدى ,
يغنم فيها أموالا من مواشي الأعداء
البعيدين , وكان يغزو احيانا جهات القصيم , وأواسط نجد .
وفي غزوة من غزواته صادف ثلاثمائة فارس من فرسان
حرب وكان معه ثمانون فارسا فوقع
الطراد بينه وبينهم وحصل خسائر بين الجميع , ولم يغنم
إبلا من حرب , رغم انه لم يغز إلا
من أجلها , وأثناء رجوعه وعند وصوله إلى أحياء
قبائله , اعترضته فتاة تسأله عن حليلها
وكان من الفرسان المرافقين له :
يا عقاب يا حبس الظعن باللقا الشين = ياللي حريبك بالهزيمه يمنّا
عنّيت ذيب الخيل يوم الاكاوين = نور العيون بغيبة الشمس عنّا
هو سالم ٍ وإلا رموه المعادين = يا عقاب خبّرني تراي أتمنّا
فأجابها بهذه القصيدة :
يا بنت ياللي عن حليلك تسالين = حنّا لنا حي يسالون عنا
خمسة عشر ليله على الوجه مقفين = ندور وضح ٍ بالأباهر تحنّا
وسفنا هل البل شاربين الغلاوين = من دون رخم للحويّر تحنّا
جونا ثلاثميه وحنا ثمانين = مثل المحوص الشّلف منهم ومنا
وبانت رديّتهن وشفنا الرديين = وكل ٍ عرفنا عزوته يوم كنا
ليتك تراعي يا عذاب المزايين = يوم أن عيدان القنا يطعننا
منا حليلك طاح بين المثارين = في ديرة ٍ فيها الوضيحي تثنّى
ومنهم جدعنا عند شوقك ثلاثين = وكم خيّر ٍ من راس رمحي يونّا
في ساعة ٍ فيها تشيب الغلامين = انطح نحور الخيل يوم اقلبنّا
يا ما نقلت الدين وألحقته الدين = وحريبنا في نومته ما تهنّا
أرسي لهم يا بنت وأنتي تعرفين = لياما حمام النصر رفرف وغنّى
وأردها وألحق ربوعٍ مخلّين = ونروي حدود مصقّلات ٍ تحنّى
وقلايعي من نقوة الخيل عشرين = قبّ ٍ ولا فيهم ثبار ٍ ودنّا
بهذا أنبأها عقاب أن حليلها قد قتل .
أما قبائل شمر فلم ينسوا ما خسروه من ديارهم
, لقد أرسلوا رسلهم إلى قبائل شمر النائية
يستنجدونهم على سعدون العواجي وأبنائه , وفي
هذه الأثناء غزا هايس القعيط , شيخ قبيلة
آل بريك – شمر - , من الجزيرة بالعراق , ومعه
سبعون فارسا غزا بلاد ( ولد سليمان ) ,
جماعة سعدون العواجي , وعندما كمن بالقرب
من مفالي ابل ( ولد سليمان ) رآهم شخص من
قبيلة آل سويد من شمر . كانت والدته من جماعة
سعدون العواجي , وهم أخواله , فذهب لهم
وأنذرهم هجوم شمر أهل الجزيرة الذين يترأسهم
هايس القعيط , - لذلك سميت عائلة هذا
الشخص بـ ( النذرة ) ولا زالوا بهذا الاسم حتى
الآن بين شمر - , وعندما علم ( ولد سليمان )
أن هايس القعيط ومن معه قد كمنوا لإبلهم , هبوا
وركبوا خيولهم , وراحوا للإبل بالمفلى من
ليلتهم , وفي الصباح أغار عليهم جماعة هايس
القعيط , يتقدمهم زعيمهم البطل الشجاع هايس
, وحصلت المعركة بينهم , وهزم هايس القعيط وجماعته
وألقي القبض على سبعين شخصا
من جماعة القعيط يحملون الماء والشعير , للسبعين
الجواد التي عليها الفرسان , وهؤلاء
يسمون ( زماميل الخيل ) , وراح عقاب يطارد فرسان
شمر المنهزمين , واتبعه أخوه حجاب ,
وعندما أبصر هايس القعيط عقابا لوحده وأخوه يتبعه
بعيدا عنه , التفت إلى جماعته , وقال
اليوم هذا يوم الثأر , انظروا عقابا وحده , والذي
أتى به اليوم هو حظكم يا فرسان شمر ,
ويجب علينا أن نهب عليه جميعا لعلنا نظفر به ,
وإذا أراد الله وقتلناه , فقد أخذنا ثأر شمر
جميعها , وذكرهم بفارس شجاع قتله عقاب بالعام
الماضي , وهو هذلول الشويهري , وكان
عزيزا على كل قبائل شمر , وفقدانه كان خسارة عليهم
, فشحذ هممهم , واستثارهم , فصمموا
أن يهبوا هبة رجل واحد , وفعلا جرى ذلك عندما
اقتربوا من كثبان الرمل المسماة ( زبار اريك ) ,
وكان عقاب على مقربة منهم , فرجعوا شاهرين سلاحهم
صفا واحدا ورشقوا عقابا بسلاحهم
فقتلوا جواده , فخر على الأرض , ثم نزلوا عليه وقتلوه
, واستمروا يطاردون أخاه حجابا
فظفروا به وقتلوه , حصل هذا وفرسان ( ولد سليمان )
لا يعلمون عما حصل شيئا , وكانوا
منشغلين عند السبعين شخصا الذين أسروهم , وبقوا
يتقاسمون غنيمتهم , وما علموا أنهم
خسروا بذلك عقاب الخيل وأخاه حجابا , وبهذا انهدم
عز الشيخ سعدون , وتداعت أركان مجده ,
بفقدان أعز أبنائه .
أما قبائل شمر فقد شفوا غليلهم بمقتل حجاب وعقاب ,
وطاب نومهم , وأخذ شعراؤهم يفخرون
ويدبجون الشعر . منها قصيدتان لمبيريك التبيناوي ,
وواحدة لابن طوعان , وهذان من
شعراء شمر البارزين , وهذه إحدى قصائد مبيريك التبيناوي :
إن كان ( هيْفا ) تزعَج العام الأصوات = ( نوت ٍ ) يروع اليوم جضّه قطينه
عقاب ٍ رمنّه يوم الأفراس عجلات = وكلَن حثّات البراثن وتينه
فوات قبل مدورين الجمالات = يا ليت عقّال الملا حاضرينه
وحجاب ياما قال بالبيت : قم هات = عزّي لكم يا لابةٍ فاقدينه
من زوبع ٍ والا السناعيس الآفات = فوات ما عوّد على مرتجينه
خلوه زينين ( المياحه ) و ( الإرّات ) = وينام سعدون على سهر عينه
هذي سلوم ٍ بيننا يالقرابات = يا حلو ردّات الجزا قبل حينه
المياحة والإرّات : كلمات تدعى بها الغنم وتزجر , يعني انكم
أرباب غنم , وارباب الغنم عند البادية أقل شأنا من أرباب الإبل .
وهذه قصيدة التبيناوي الثانية :
يا عقاب عقبان المنيصب لوَن لك = واستلحقن يا عقاب راسك معه راس
لا تحسب أن الخيل قاف ٍ عطن لك = ارقابهن عوج ٍ لكم عقب مرواس
احذر من اللي بالقدح غذّين لك = شهب النواصي فوقهن كل مدباس
هايس على صم الرمك عابي ٍ لك = عيّال زوبع مروية كل عبّاس
بغربي زبار اوريك يوم اوجهن لك = راحت تدهدا جثّتك ما بها راس
وهذه قصيدة الشاعر رشيد بن طوعان :
حر ٍ شهربسَ الزماميل والخيل = يدور صيداته بغرّاة الأجناب
باوّل شبابه عذّب الكنس الحيل = وخبط بيمناه البحر عقب ما شاب
راح النذير وصبّح النزل بالليل = وتكافحت فزعاتهم قبل الادّاب
وتوافقوا بالعرق حد الغراميل = متكاظمين ٍ مثل أبا زيد وذياب
وغشا زبار اوريك مثل الهماليل = ونشبت رماح القوم باقطّي الأصحاب
وترايعوا للهوش ربع ٍ مشاكيل = حمّاية التالين والخيل هرّاب
عيال الشيوخ مهربين الأخاويل = ردّوا على ربع ٍ تدانوا بالأنساب
وان كان ( نوت ) تزعج الصوت بالحيل = لعيون ( هيفا ) نردع الشيخ بحجاب
أربع ليال ٍ ما لقنّه المراسيل = علّيت وجه ٍ كوّح العصر بتراب
حريمنا لجّن بزين الهلاهيل = متحرّيات شلعة الحر لعقاب
وحريمهم تصرخ صريح المحاحيل = جاهن عليم ٍ مع هل الخيل ما طاب
يا ضبيب لو ذبحت كل الزماميل = ذبحة دخيل البيت ما ترفع الباب
دنياك هذي يالعواجي غرابيل = من شق جيب الناس شقوا له أجياب
لقد أشار شعراء شمر إلى ( هيفا ) وإلى ( نوت ) :
أما هيفا فهي والدة هذلول الشويهري ,
وأما نوت فهي زوجة عقاب العواجي , أشار
شاعر شمر إلى ضبيب وذبحته ( للزماميل )
فضبيب المذكور هو ابن عم عقاب العواجي , ويقال أنه
هو الذي تجرأ وقتل السبعين شخص
الذين أسروهم , من جماعة هايس القعيط .
وعندما رجع فرسان ( ولد سليمان ) مع ابلهم بالليل ,
أخذ سعدون العواجي , يقابل كل كوكبة
من الخيل يسأل عن عقاب وحجاب , فيقولون له
عهدنا بعقاب والخيل هاربة عنه , وهو يطاردها ,
وبقي سعدون على هذه الحال يسأل عن ابنيه , وعندما
قرب الصباح وعقاب وأخوه لم يرجعا ,
وكان سعدون ساهرا طوال ليله والأسى يخامر نفسه , فقال هذه القصيدة :
البارحة نومي بروس الصعانين = طوال ليلي ما تهنـّـيت بمراح
كبد نعالجها بعوج الغلاوين = وروابع ٍ ما تودع القلب ينساح
بلاي والله يا ملا خابر ٍ شين = تظهر علينا مرمسات ٍ الى راح
اللي يكفّ الخيل كفّ البعارين = ويرخص بروحه يوم يغلون الأرواح
خيّالنا يوم اكتراب الميازين = ويرعى بظله بالخطر كل مصلاح
حالوا عليه اللي على الموت جسرين = لا وابعيْني ما يجاجون ذباح
وبعد أن تأخر رجوع عقاب وحجاب , رجع فرسان ( ولد سليمان )
يبحثون عن زعيميهما ,
فوجدوهما قتيلين عند زبار ( اريك ) فدفنوهما على قمة كثيب من الرمل تسمى
بـ ( أبرق الشيوخ ) ولا زال بهذا الاسم حتى الآن . .
ورجعوا حزانى فقتل ( ضبيب ) الأسرى بثأر عقاب وحجاب ,
وهذا لم يكن مستحسنًا بعادات
القبائل في الجزيرة العربية , وقد أشير عن مقتل السبعين
الشخص بالقصائد السالفة الذكر .
أما الشيخ سعدون فقد كبر مصابه بعد مقتل ابنيه ,
الذين أشادا مجده , وسجلا له مفاخر
لا زالت باقية لعائلة العواجية , وملكا قبيلتهم ديارا
لا زالوا عائشين بها , وقد قال الشيخ
سعدون أشعارا كثيرة بابنيه , وهاتان قصيدتان منها , أولها :
ياونة ونيتها تسع ونـــــــات = مع تسع مع تســـعيـن مع عشر ألـوفي
مع كثرهن باقصى الحشا مستكنـات = عداد خلق الله كــــثير الوصـــوفي
ونة طريح طاح والخيل عجـــلات = كسره حدا الساقيــــن غاد ٍ سعـــوفي
على سيوف بالملاقى مهمــــات = سيفين أغلى ما غــــدا من سيــوفي
وعلى محوص بالموارد قويـــات = أسقي بهن لو القبـــــائل صــفوفي
احشم بحشمتهن ولو هن بعيـــدات = وأنام لو ان الضــــوارى تــحوفي
خليتني ياعقاب ما به مــــروات = عيالك صغار والــــدهر به جـنوفي
من عقبكم ما نبكي الحي لو مـــات = ولاني على الدنيا كثــــير الحسوفي
ياطول ما جريت بالصدر ونــات = على فراق معطرين الــــسيـوفي
وياعقاب عقبك شفت بالوقت ميــلات = واوجست انا من ضيم بقعا حـــفوفي
مرحوم يا نطـّـاح وجه المغيــرات = إن جن كراديس السبايا صفـــوفي
مرحوم يا مشبع سباع ٍ مجيعــات = وعز الله أنه عقبكم زاد خـــوفـــي
الخيل تدري بك نهار المثــارات = ياللي على كل الملا فيك نــوفـــي
والخيل تقفي من فعولك مــعيفات = تاطا شخانيب الرضم ما تشوفـــي
لا شك أن الشيخ سعدون فقد ساعدين من سواعده ,
بنيا له أرفع قمة من المجد , بفيافي نجد ,
بين قبائلها , وقد اشتهر عقاب وحجاب بين القبائل ,
وكانا محل إعجابهم بالجزيرة , ويضرب
بهما المثل حتى الآن , فإن الناس إذا أعجبوا بشخص
أو بعدد من الأشخاص يقولون كأن فلانا
عواجي , أو كأن هؤلاء من العواجية , نسبة إلى عقاب وحجاب ,
ولا زال هذا المثل ساريا في
نجد حتى الآن .
وهذه القصيدة الثانية :
يا علي وين اللي رعينا بهم هيت = حال اللحد من دونهم والظلامي
البارحة يا شمعة الربع ونيت = ونة صويب ومكْسِرِه بالعظامي
أوما الشجر وانا بعد مثله أوميت = أوماي صقّار ٍ لطيره وحامي
طير ٍ ليا جا الصيد يشبع هل البيت = جته هبوب ٍ مع جراد ٍ تهامي
عز الله اني تو , يا علي ذلـّـيت = تبيّنَت وانا على الناس كامي
وعز الله اني مع شفا البير هفّيت = هفّة قفي ٍ من عجوز المقامي
واليوم من باقي حياتي تبرّيت = عقب الشيوخ معدلين الجهامي
ويا علي عفت الحي من كثر ما ريت = وجرّيت للونات والقلب دامي
وعذّبت قلبي في كثير التناهيت = والعين عيّت من بلاها تنامي
راح عقاب الصيرمي شايع الصيت = يا علي من عقبه تراعد عظامي
وهذه القصيدة شكى بها إلى صديق له يسمى عليا ,
يسأل عليه ويقول أين الذين كنا نرتع بهم
في الفيافي , الآن أصبحوا من أصحاب اللحود ,
وأصبحت الظلمة تحول بينه وبينهما , إنه
يسهر الليالي , ويئن مثل كسير العظام , إنه يرتجف
ويومئ كما تومئ الشجرة , إنه الآن يحس
بالخيفة , ويذل من كل شيء , وقد ظهر ذلك للناس ,
ولم يستطع أن يخفي خوفه , لقد أخذ
يتبرأ من حياته , بعد أبنائه , إنه أباح ما يخفيه ,
بعدما تزلزلت الجبال التي كان يلتجئ في
حماها , إنه بعد أن فقد عقابا بدأت ترتعد عظامه , وفرائصه ,
إنه فقد بطلين لا يمكن أن يقاضي بهما .
لم يبق لسعدون بعدهما من يعتقد فيه خيرا , إلا حفيديه
الصغيرين ابني عقاب وحجاب الحبيبين ,
لقد أخذ يربيهما , ويعلمهما فنون القتال , آملا أن يأخذا
ثأر أبويهما من هايس القعيط .
وعندما كملت رجولتهما , طلب أن يقول كل واحد منهما
قصيدة , يبين فيها أنه سيأخذ ثأر
والده , وعمه , وإذا أجاد أحدهما القول فسوف يعطيه
المهرة بنت فرس عقاب المسماة
( فلحا ) وهذه آصل فرس عند قبائل ( ولد سليمان )
فقال ابن حجاب قصيدة لم تعجب جده ,
ثم قال ابن عقاب قصيدة أعجب بها , وهذه هي القصيدة :
يا ليت منهو جذ فلحا ثنيّه = والا رباع مسوسده بالمسامير
أبي الى ما قيل زيعت رعيّة = وتوايقن مع الحني الغنادير
انطح عليها سربة ٍ زوبعيّه = يجهر لميع سيوفها والمشاهير
متقلد ٍ سيف سواه الحنيّه = أدور أبويه عند روس الخواوير
أن كان ما ليّنت بالحبل ليّه = ماني عشير اللي نهوده مزابير
لا بد من يوم ٍ يزرفل كميّه = وكل ٍ يحسّب مربحه والمخاسير
ثار ٍ لبوي عقاب فرض ٍ عليّه = عليه وصاني زبون المقاصير
سعدون جدي هو خلف والديّه = شيخ الجهامه والسلَف والمظاهير
دين ٍ على هايس زبون الونيّه = أن ورّدوهن مثل اثامي الخنازير
عيب ٍ علي العزوة الوايليّه = واحرم من الفنجال وسط الدواوير
وعندما سمع شاعر شمر بقصيدة ولد عقاب أجابه بهذه الأبيات :
وش عاد لو جذيت فلحا ثنيّه = شمر يجونك فوق قب ٍ عطاطير
أبوك ضرب بحربةٍ شوشليّه = كزّه حبيبي كزّة الدلو بالبير
صابه غلام ٍ ما يعرف اللويّه = ما صدها يوم السبايا مناحير
له عادة ٍ بالفعل في كل هيّه = عشّى ثنادي ابوك عوج المناقير
وعيال زوبع ملحقين الرديّه = اللي تهزّع بالحروب الطوابير
لقد فاز بالجائزة ابن عقاب فأعطاه جده الجواد بنت ( فلحا )
وأخذ سعدون ينظر إلى
ابن عقاب بإعجاب , ويداعبه الأمل أنه سيشفي غليله ,
ويأخذ الثأر من الشيخ هايس القعيط .
ومن الفرص الغريبة التي قدر فيها لابن
عقاب أن يأخذ بثأر أبيه وعمه , ويقضي على هايس
القعيط , أنه حصل بين غنيم ( الربضا ) بن بكر شيخ
السويلمات من العمارات , حصل بينه
وبين هايس القعيط تصادم في وديان عنزة , وطال
الحرب بينهما , وأرسل غنيم بن بكر
الربضا لقبائل عنزة , يطلب منهم النجدة والعون ,
وكذلك هايس القعيط أرسل لقبائل شمر
يستنجدهم , فأخذت الإمدادات من كل القبيلتين تترى
على موقع المعركة , وقد سنحت
الفرصة لسعدون العواجي , فعندما علم بذلك ,
أمر حفيده , وأمله الوحيد , ابن عقاب ,
بالشخوص فورا إلى المكان الذي تدور فيه رحى
الحرب بين غنيم وبين هايس . . .
وأوصاه بأن لا ينسى ثأره من قاتل أبيه وعمه .
لقد سارع ابن عقاب إلى أمنيته التي كان يترقبها ,
فاشترك بخوض المعركة , وكل ما يهمه
هو أن يرى غريمه وقاتل أبيه وعمه , وبعد أن رآه
بأم عينه , وتأكد من شخصيته , وليست
بخافية , لأن شخصية هايس القعيط معروفة , مقداما
جريئا , لا يرهب الموت , ودائما هو
في مقدمة الفرسان , رغم تقدمه بالسن , وعندما
هجم هايس على فرسان عنزة , يتقدم فرسان
شمر , انقض عليه ابن عقاب مثل النمر الكاسر ,
وأغمد ذبابة سيفه بخاصرته , وانتحى به
عن مكان المعركة , إلى أن ابتعد عن الفرسان ,
ثم أمسك رقبته وترجل عن به على الأرض ,
والتفت إليه هايس القعيط , فقال له ابن عقاب :
هل تعرفني ؟ فقال : أنت ابن عقاب العواجي ,
ولا شك انك تشبهه , ولكن لم أقتله أنا , فالذي قتله غيري
, فقال ولد عقاب : أنا لا أسلك عن
ذلك , ولكنني أسألك بالله أن تبلغ سلامي والدي إذا وصلته
في الدار الآخرة , وتخبره بأني
أخذت بثأره , وتشرح له كل ما رأيت بعينك , ثم علا
رأسه بالسيف , وفصله عن جثته , وبعد
ذلك طارت البشائر إلى الشيخ سعدون العواجي ,
بأن حفيده قد قتل هايس القعيط , وقد اجتمع
رجال الحي يهنئونه , وقد عقر الإبل , وعمل الأعياد
عند قبائل ( ولد سليمان ) وكان يوما
مشهورا عندهم , وأخذ النساء يزغردن , بعد أن لبسن
زيناتهن , وطاب نوم الشيخ سعدون ,
وبات قرير العين , وأخذ ينشد :
يا سابقي رد البرا , مات راعيه = الجيش حزّب والرّمك موفلاتي
يا ناس زول عقاب ماني بناسيه = عقبه فلا تسوى ريال ٍ حياتي
لو من إذا جروٍ لقا ما إذا فيه = كان العرب كله تسوّي سواتي
الورد ورع عقاب لا خاب راجيه = حوّل بهايس ما تناسى وصاتي
كزّه لبوه ويذكر انه موصيه = يعد ما شافت عيونه ثباتي
الخيل تثقل لين تسمع عزاويه = ومن يوم سمعنّه وهن مقفياتي
لعل ورع ٍ ما مشى درب أهاليه = تشلق عليه جيوبها المحصناتي
وبهذه الفترة عيّن الأمير عبدالله بن علي بن رشيد
أميرا لحائل من قبل الإمام فيصل بن سعود , بعد أن عزل
أميرها الأول ابن علي , وظل عبدالله بن علي بن رشيد
أميرا على حائل ,
والمناطق الشمالية من المملكة , وعندما علم بذلك
مشائخ قبائل الشمال توافدوا إليه , وكل
منهم يقدم الهدايا للأمير الجديد , ومن بين الذين
قدموا إليه غنيم بن بكر الربضا , وكان مهديا
إلى ابن رشيد ثلاثا من الخيل , وقد قبلها عبدالله
بن رشيد , وعندما كان غنيم الربضا جالسا
عند أمير حائل , كان مع الجالسين شاعر شمر
ابن طوعان , وكان مكفوف البصر , وطاعنا
بالسن , فقال له الأمير عبدالله بن رشيد : هذا
غنيم الربضا يا ابن طوعان قم وسلم عليه ,
وعلى الفور أجابه ابن طوعان بهذين البيتين
من الشعر , موجهها لغنيم الربضا يحرض فيها
عبدالله بن رشيد عليه :
يا غنيم عندك هايس نطلبك دين = خيّال تالي شمر بالسنودي
إن كان ما جازاك عنها صباحين = ماهو ولد علي عريب الجدودي
وبعد أن سمع أمير حائل هذين البيتين من ابن طوعان ,
التفت إلى غنيم الربضا , وأمره أن
يرجع إلى أهله , وقال له : إننا أمرنا بإرجاع خيلك
التي أهديتها لنا إليك , وأنت في أمان إلى
أن تصل إلى أهلك , وبعد ذلك اعتبر نفسك من الأعداء
, ولا بد لنا أن نأخذ ثأر هايس القعيط
منك , لأنك أنت زعيم المعركة , التي قتل فيها هايس
القعيط , ولذلك فأنت المطلوب بدمه ,
وقيل أن ابن رشيد غزاه بعد ذلك , وأنه قتله في وديان عنزه .
وأسجل هنا نبذة للتاريخ عن قبيلة آل بريك , التي يرأسها هايس القعيط ,
ولم يزل أحفاده رؤساء لهذه القبيلة و ولا زالت هذه القبيلة مع شمر :
والواقع أن هذه القبيلة هي قسم من قبيلة آل بريك التي
هي من قبيلة الدواسر , ولكن حصل
بينهم حادثة أدت إلى قتال ودماء , وعلى إثر ذلك
رحل جماعة هايس القعيط من ابناء عمهم ,
والتجأوا عند الجربان شيوخ قبيلة شمر , عندما
كانوا يقطنون شمالي المملكة , وقد أعزهم
الجربان وأكرموهم وبقوا معهم طويلا , وأخيرا
حالفوا الجربان , وقد قربوهم دون سواهم ,
ولم يزالوا ساعد الجربان الأيمن بالملمات , وحتى
الآن وهم عند الجربان من المقربين , بل
ويعتزون بوجودهم عندهم , وكانوا مشهورين
بالإقدام , ولهم شهرة عظيمة , ومعروف عند
أهل نجد الآن أنهم فخذ من فخوذ قبيلة الدواسر
, ولم ينزحوا إلا بأسباب الدم الذي حصل بينه
وبين إخوانهم آل بريك , وكان لجوؤهم إلى شمر
قبل ثلاثمائة سنه تقريبا .